أعربت منظمات حقوق الإنسان الموقعة على هذا البيان عن قلقها الشديد تجاه العنف الذي مورس ضد بعض نزلاء سجن وادي النطرون بليمان 430 وليمان 440 يوم 31 مايو 2014، كما طالبت بإجراء تحقيق عاجل ومحايد وشامل للوقوف على حقيقة ما حدث ومحاسبة المسئولين، مع ضرورة عرض المعتدى عليهم فورًا على مصلحة الطب الشرعي لبيان ما بهم من إصابات، وعدم التراخي في هذا الأمر كي لا تضيع آثار الاعتداءات الواقعة عليهم، وبالتالي يضيع الدليل على وقوع تلك الانتهاكات. وتناشد المنظمات الموقعة السلطات المختصة باتخاذ خطوات فعالة لحماية النزلاء في سجن وادي النطرون من التعرض للمزيد من التعذيب وسوء المعاملة والتدابير العقابية التي تزايدت بعد الواقعة المشار إليها، كما تُجدد المنظمات الموقعة دعوتها بالسماح لوفد منها بزيارة سجن وادي النطرون بشكل فوري، فبعد شهادات تعذيبٍ، كانت قد وثقتها عدد من المنظمات الموقعة وأصدرتها في بيان بتاريخ 12 فبراير 2014، وطالبت بالسماح لها بزيارة مقار الاحتجاز والسجون. وبالرغم من تصريح السيد وزير الداخلية ودعوته لمنظمات المجتمع المدني لزيارة السجون في فبراير 2014، إلا أن التعنت ما زال مستمرًا من قبل وزارة الداخلية، بل وصل الأمر في كثير من الأحيان إلى التعنت في السماح بمقابلة المحتجزين لمحاميهم.
وفقًا للمعلومات التي وثَّقتها المنظمات الموقعة من خلال محاميها ونشطاء آخرين، فقد تصاعد العنف حينما رفض النزلاء بعنبر 5 في ليمان 430 استلام التعيين أو فتح أبواب الزنازين لوفد زائر من مصلحة السجون، مع الدق على أبوابها والهتاف احتجاجًا على طول مدة الحبس الاحتياطي واستمرار تجديد حبسهم دون العرض على قاضٍ. علمًا بأن هذا العنبر بالإضافة إلى عنبر 7 يشمل محبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا سياسية مثل الطلبة المقبوض عليهم في أحداث جامعة القاهرة يوم 16 يناير 2014، وعددهم 39 متهمًا بالإضافة إلى المقبوض عليهم بأحداث الدقي يوم 25 يناير 2014 والبالغ عددهم 125 متهمًا. علمًا بأن بعض النزلاء أعضاء في حركة 6 أبريل وحزب مصر القوية، ووفقًا لبعض التقديرات فإن عدد النزلاء في كل عنبر يتراوح بين 350 – 390 نزيلًا وينقسم كل عنبر إلى 26 زنزانة.
حينما فشل حراس السجن في السيطرة على الموقف، اقتحمت قوات من الشرطة بزي أسود، وبعضهم ملثمون كافة الزنارين الموجودة بالعنبر5، وأطلقوا أثناء الاقتحام عددًا من طلقات الصوت، ثم قاموا باختيار زنزانتين، واحدة بأول العنبر والأخرى بآخره وقاموا بالدخول بالقوة بعد أن أبدى المتواجدون بهما المقاومة في محاولة لمنعهم من الدخول عليهم. وقاموا بتفتيش كافة متعلقات المساجين وإلقائها على الأرض ثم قاموا بتمزيق الملابس التي كانت بحوزة المساجين، واعتدوا عليهم بالضرب بالهراوات في أجزاء متفرقة من الجسد، وذلك وفقًا لشهادة شخص كان على اتصال هاتفي مع أحد الضحايا، الذي ترك الاتصال مفتوحًا لمدة حوالي 20 دقيقة قبل أن ينقطع، سمع الأول أصوات ضرب وصياح وشتائم. بعد ذالك أخرجوهم من الزنازين إلى ممر العنبر بالملابس الداخلية فقط، واستمروا في ضربهم. وقد روى المحامون الذين حضروا مع الــــــــ39 متهمًا في القضية رقم 569 لسنة 2014 إداري قسم الجيزة –الخاصة بأحداث جامعة القاهرة التي وقعت يوم 16 يناير– جلسة تجديد حبسهم المنعقدة يوم 2 يونيو أمام الدائرة 21 جنايات الجيزة، أنهم شاهدوا إصابات ظاهرة بالمتهمين حدثت نتيجة للاعتداء والضرب عليهم من قبل قوات الشرطة داخل السجن وتتمثل تلك الإصابات في سحجات وجروح قطعية وكدمات، أثبت المحامون بعضها بمحضر جلسة تجديد الحبس أمام محكمة الجنايات ولم يستطيعوا إثبات البعض الآخر، وطالبوا بالتحقيق في وقائع الاعتداء والتعذيب التي حدثت داخل السجن، إلا أن المحكمة أصدرت قرارها بتجديد حبس كافة المتهمين لمدة 45 يومًا دون أن تأمر بالتحقيق في وقائع التعذيب المثبتة أمامها، ودون أن يُحال مصاب واحد من المصابين المتهمين إلى الطب الشرعي لتوقيع الكشف عليه وإثبات ما به من إصابات، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى ضياع الدليل على تعرضهم للتعذيب بزوال آثار الضرب والاعتداء الواقع عليهم بمرور الوقت.
امتدت الأحداث سالفة البيان إلى عنبر 7 في ليمان 430 وإلى عنابر أخرى بليمان 440 بسجن وادي النطرون، المحتجز بداخلها متهمون على ذمة قضايا سياسية أيضًا، مثل فض اعتصامي رابعة والنهضة وأحداث رمسيس يوم 16 أغسطس مع تكرار ذات الانتهاكات بالإضافة إلى استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين خارج الزنازين، واستمرت الأحداث بعد وصول خبر وفاة أحد النزلاء “محمد عبد الله إسماعيل سلام” الذي كان يعاني أمراضًا قلبية، نتيجة للإهمال الطبي لإدارة السجن وذلك وفقًا للنزلاء الآخرين. اقتحمت قوات من الشرطة عنابر السجن، بعد انتهاء الأحداث حيث تم نقل وتوزيع كافة المحبوسين احتياطيًّا على عنابر وزنازين المحكوم عليهم رغم مخالفة ذلك للقانون، حيث تقرر بالمادة 14 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 بأن المحبوسين احتياطيًّا يقيمون في أماكن منفصلة عن أماكن غيرهم من المسجونين. وتم وضع بعض النزلاء في الحبس الانفرادي ومصادرة متعلقاتهم الشخصية. وجدير بالذكر أن إيداع محبوسين احتياطيًّا بليمانات، هو مخالفة قانونية أيضًا، حيث جاء بالمادة الثانية من قانون تنظيم السجون أن الليمانات تنفذ بها الأحكام الصادرة بعقوبة السجن المشدد.
وجدير بالذكر أنه لا يجوز لقوات الأمن الاعتداء بالضرب أو التعذيب أو إساءة معاملة النزلاء أو عقابهم جماعيًّا حتى في حالة استخدام بعض النزلاء ألعنف أو مخالفتهم القانون.
يشار إلى أن الصحافة المصرية قد أوردت يوم الأحد 1 يونيو 2014 خبرًا مفاده أن النائب العام المستشار هشام بركات قد أمر المكتب الفني، برئاسة المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد، بالتحقيق في «البلاغات والشكاوى المقدمة ضد اللواء سعيد توفيق أبو حمد مدير أمن المنوفية، وقيادات سجن وادي النطرون، لاتهامهم بتعذيب السجناء وحرمانهم من الطعام، وذلك بسبب مطالبتهم بحقوقهم». ورغم هذه الخطوة الإيجابية فإنه وفقًا للمعلومات التي تم توثيقها لم يتم التحقيق بشكل جدي حتى الآن، بدليل عدم استدعاء أي من المجني عليهم من النزلاء لأخذ أقواله وعدم عرض أي منهم على الطب الشرعي.
وجدير بالذكر هنا أن نتذكر قيام فريق من النيابة العامة في شهر فبراير 2014 بزيارة وتفتيش أربعة سجون، وورود شكاوى من المساجين واكتشاف وجود عدد من المخالفات التي ترتكب ضدهم وصدور أوامر النائب العام ـ وقتها. بسرعة إجراء التحقيق فيها على الفور، والعمل على إزالة أسبابها، وموافاته بما تنتهي إليه التحقيقات، ولم يتم التحقيق فيها حتى تاريخه ولم ينفذ أمر النائب العام.
وطالبت المنظمات الموقعة بالسماح لوفد منها بزيارة سجن وادي النطرون. ويتعين على الجهات المعنية أخذ التحقيق في هذه الانتهاكات بجدية ومحاسبة المسئولين، وكإجراء عاجل، عرض النزلاء المصابين على الطب الشرعي، كما تؤكد على ضرورة قيام النيابة العامة والهيئات القضائية بدورها والتفتيش المفاجئ على السجون شهريًّا، وبشكل دوري والإعلان عن نتائج هذا التفتيش للرأي العام في صورة تقرير شهري يصدر من النيابة العامة عن أوضاع السجون في مصر؛ تفعيلًا لدورهم وواجبهم الدستوري والقانوني بالإشراف الكامل على السجون.
إن استمرار التعذيب في السجون وغيره من أماكن الاحتجاز يمثل إهانة شديدة لدستور 2014 وإهانة لإرادة المشاركين في الاستفتاء عليه. ونشدد على أن غياب الرقابة المستقلة أيضًا على السجون هو ما يسهل وقوع الانتهاكات والاعتداءات على النزلاء وبخاصة في ظل مناخ “الإفلات من العقاب”، وهو ما يدفع المنظمات الموقعة لتكرار توصياتها للسلطات بضرورة التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب للسماح بالزيارات المستقلة للسجون وأماكن الاحتجاز الأخرى كتدابير ضرورية لحماية النزلاء من التعذيب وسوء المعاملة.
أخيرًا، فإنه على السلطات المصرية الامتثال للضمانات الدستورية ضد التعذيب وسوء المعاملة، مع ضرورة احترامها لالتزاماتها الدولية كدولة عضو في اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
الموقعون:
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
- نظرة للدراسات النسوية.
- مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية.
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.
- مركز الأرض لحقوق الإنسان.
- مصريون ضد التمييز الديني.
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية.
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
Share this Post