يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن مخاوفه العميقة إزاء المحاكمة الجارية بحق 24 من سكان إقليم الصحراء الغربية الخاضع لإدارة السلطات المغربية، والذين مثلوا في مطلع فبراير أمام إحدى المحاكم العسكرية برغم كونهم جميعًا من المدنيين، الأمر الذي يعني حرمانهم من مثولهم أمام قاضيهم الطبيعي عبر المحاكم المدنية وحرمانهم من العديد من ضمانات المحاكمة العادلة –التي ينص عليها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي صادقت عليه المغرب منذ أكثر من 30 عامًا– والتي تفتقر إليها بصفة عامة أنماط المحاكمات العسكرية.
يعتقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن من شأن هذه المحاكمة أن تسيء بدرجة كبيرة إلى سجل حقوق الإنسان بالمغرب، الذي لم يشهد لسنوات طويلة ذلك النمط من المحاكمات الاستثنائية المجافية لالتزامات المملكة المغربية بمقتضي انضمامها إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وتكتسب تلك المحاكمة –التي ستعقد ثاني جلساتها في الثامن من فبراير– خطورةً أكبر بالنظر إلى أن المتهمين الماثلين فيها قد يواجهون أحكامًا شديدة الغلظة تصل إلي السجن المؤبد وربما الإعدام، حيث يواجه المتهمين، وبينهم نشطاء سياسيين صحراويين ومنخرطين في منظمات غير حكومية، اتهامات بالانضمام إلى عضوية منظمة إجرامية والضلوع في أعمال عنف ضد مسئولين حكوميين.
يذكر أنه هؤلاء الأشخاص معتقلون منذ نوفمبر 2010، حينما قامت قوات الأمن المغربية باستخدام القوة لإنهاء اعتصام لآلاف من المحتجين الصحراويين للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسكان الإقليم، وكان المتهمون قد نصبوا مخيمًا للاعتصام في منطقة “اكديم ايزاك” شرقي مدينة العيون. وأدت محاولات إخلاء المخيم بالقوة إلى وقوع مصادمات عنيفة مع قوات الأمن راح ضحيتها 11 من عناصر الأمن واثنين من الصحراويين.
يؤكد مركز القاهرة أن جسامة الاتهامات المنسوبة لهؤلاء الأشخاص لا تصلح مسوغًا بأي حال لحرمانهم من ضمانات المحاكمة العادلة، احترامًا لقرينة البراءة المفترضة في أي متهم إلى أن تثبت إدانته عبر محاكمة عادلة، وهو ما يتسق مع أحكام الفصل 23 من الدستور المغربي الحالي.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يدرك الحساسية السياسية الفائقة لدى السلطات المغربية تجاه ملف الصحراء الغربية والنزاع حوله، غير أن مركز القاهرة يؤكد أن تغليب المعالجات الأمنية المتشددة في التعاطي مع هذا الملف يضع مزيدًا من العراقيل أمام طموح المملكة لإحراز نجاحات فيما يتعلق بالإدماج الوطني الطوعي لسكان الإقليم في سبيكة المجتمع المغربي المتنوع. ويُشدد على أن فرص الاندماج الوطني الطوعي تتعزز عبر احترام الحقوق الإنسانية لمختلف السكان، في حين أن تنامي النزعات الانفصالية في بلدان مختلفة دومًا ما يقترن بتصاعد الاعتداءات على تلك الحقوق.
انطلاقًا مما ذهبت إليه المبادرة الملكية التي قادت إلى تحديث الدستور المغربي في العام الماضي، والذي أكد في ديباجته على سمو الاتفاقيات الدولية التي صادق عليه المغرب، فور نشرها، على التشريعات الوطنية والالتزام بملائمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة، فإن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يدعو السلطات المغربية لاتخاذ التدابير اللازمة نحو:
- إيقاف إجراءات المحاكمة العسكرية للمتهمين الصحراويين والأمر بإحالتهم إلى المحاكم المدنية، إذا ما كانت هناك دلائل جدية تشكل أساسًا لإدانتهم بالمشاركة في أعمال العنف أو في جرائم مؤثمة قانونًا.
- إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة بشأن ما ذكره المتهمون من ادعاءات بتعرضهم للتعذيب والتعنيف للحصول منهم على اعترافات تدينهم، وإبطال أية اعترافات من المحتمل أن تكون وليدة تعرضهم لمثل هذه الممارسات.
- سن تعديل تشريعي يحظر بموجبه إحالة المدنيين إلي المحاكمة أمام المحاكم العسكرية.
Share this Post