إن منظمة المادة 19 ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يشعران بقلق من أن هناك مشروع قرار جديد بشأن التسامح الديني –والذي تقدمت به منظمة المؤتمر الإسلامي في الدورة 22 لمجلس حقوق الإنسان التابع الأمم المتحدة – تم اقتراحه دون تشاور كافٍ بين الأطراف المعنية، ويعرض لغةً جديدةً تهدد بتقويض توافق الآراء الذي تحقق بموجب القرار 16/18، والذي يحمي الحق في حرية الدين أو المعتقد والحق في حرية التعبير.
إننا ندعو الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان لإتاحة الوقت الكافي للنظر بشكل كامل في اللغة الجديدة أو نقاط العمل المقترحة، كما نوصي بإرجاء إدخال أي لغة جديدة، وذلك للسماح بمواصلة المشاركة البناءة والحفاظ على روح القرار 16/18 وتوافق الآراء الذي يقوم عليه ذلك القرار.
يعد القرار 16/18 هو القرار التاريخي لعام 2011، الذي استعاض عن الدعوات إلى مكافحة المفهوم الشديد الإشكال بشأن “ازدراء الأديان” بتعهدات بمعالجة قضية التعصب الديني عن طريق تعزيز الحقوق ذات الصلة بشأن حرية التعبير وحرية الدين وعدم التمييز. لقد رحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومنظمة المادة 19 بهذا القرار كونه يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وكونه إنجازًا مهمًا حققه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
نستعرض فيما يلي الاختلافات الرئيسية بين قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 16/18 ومشروع القرار المقترح من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي:
- إدراج لغة مأخوذة من القرار رقم 67/178 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة
إن القرار 67/178 هو القرار الموازي الصادر عن “الجمعية العامة للأمم المتحدة” بشأن التسامح الديني. وأحكام هذا القرار المدرجة في مشروع قرار مجلس حقوق الإنسان تعتمد لهجة أقوى فيما يتعلق بفرض قيود على الحق في حرية التعبير، والتأثير الضار الذي قد ينتج عن الأعمال التعبيرية، لاسيما من حيث المساهمة في العنف.
اللغة الجديدة لا تتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير، ولكنها قد تنتقص من روح القرار 16/18 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان من خلال إضفاء مزيدًا من التركيز على الآثار الضارة للأعمال التعبيرية، وتحويل التركيز من أهمية الحق في حرية التعبير في إدراك الحقوق الأخرى إلى حرية الدين وعدم التمييز. كما أن منظمة المادة 19 ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قلقان من أن إدراج اللغة التي تتبناها الجمعية العامة للأمم المتحدة –والتي تحظى بدعمٍ أقل عبر الأقاليم من اللغة المتفق عليها في قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 16/18– سيقوض توافق الآراء ويحد من مساحة الحوار البنَّاء بين الدول في المستقبل.
- إدراج لغة بشأن مكافحة الإرهاب
يشير التمهيد في مشروع القرار المقترح إلى لغة مأخوذة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/178 تؤكد على أن “الإرهاب في جميع أشكاله ومظاهره لا يمكن، ولا ينبغي أن يكون مرتبطًا بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية”. بالإضافة إلى ذلك تشتمل الفقرة 4 على لغة مأخوذة من “إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب”، وذلك على الرغم من أن المحتوى مقتصر على العزم على تعزيز السلام والتسامح من خلال حملات التوعية العامة ودور منظمة اليونسكو في هذا الصدد.
إن إدراج لغة خاصة بمكافحة الإرهاب وكذا لغة مأخوذة من “إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب” إنما يتوجه بالقرار 16/18 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان بعيدًا عن تركيزه الأكثر عمومية، وبشكلٍ محتمل فإنه يكرر الجهود التي تُتخذ من خلال مبادرات أخرى لمعالجة مسألة التعصب بعينها كجزء من الإجراءات الفعالة لمكافحة الإرهاب. ومرة أخرى، يعد إدراج هذه اللغة الجديدة دون التشاور والمناقشة الكاملة بين الدول تقويضًا لتوافق الآراء.
- الإشارة إلى ورش عمل الخبراء الخاصة بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وخطة عمل الرباط
يرحب التمهيد والجزء التنفيذي (الفقرة 5) بعدد من المبادرات التي تقوم بها الدول وآليات الأمم المتحدة جنبًا إلى جنب مع خطة العمل الواردة في القرار 16/18 وتدفعها قدمًا. تتضمن تلك المبادرات عملية اسطنبول، وورش العمل الإقليمية التي عقدتها “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” والتقارير الخاصة بنتائج تلك الورش بما فيها خطة عمل الرباط.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمة المادة 19 ينظران إلى ورش عمل الخبراء التي عقدتها “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” وإلى خطة عمل الرباط على أنها كانت مبادرة ناجحة، ويرحبان بمدى الذي يمكن الدول من تلك العملية، كما أنهما يشجعان على مزيدٍ من التعاون والحوار حول التنفيذ.
- طلب إجراء دراسة من جانب “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” حول الجهود والتدابير التي اتخذتها الدول بشأن تنفيذ خطة العمل الواردة في القرار 16/18، بما في ذلك وجهات نظر الدول ووكالات الأمم المتحدة وغيرها من الأطراف المعنية –وكذا تقييم “المفوضية السامية لحقوق الإنسان”– بشأن إنشاء آلية مراقبة لمكافحة التعصب.
إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمة المادة 19 يعتبران مشاركة الدول لخبراتها في تنفيذ خطة العمل الواردة في قرار مجلس حقوق الإنسان 16/18 أمرًا إيجابيًا، وذلك على النحو الوارد في الفقرتين التنفيذيتين 8 و 9 من مشروع النص الجديد. إننا ننظر إلى تنفيذ هذه الخطة على أنه يدخل مباشرةً ضمن روح وإطار القرار 16/18، كما نعتقد أن هذا التنفيذ ينبغي أن يكون محور قرارات مجلس حقوق الإنسان، وكذا محور إجراءات الدول على المستوى المحلي وما فوقه.
رغم ما سبق، فإن طلب قيام “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بتقييم فكرة إنشاء آلية مراقبة لمكافحة التعصب قد يجدد التوترات بين الدول الأعضاء. حيث كانت تلك الآلية محورًا لمجموعة من المناقشات غير البناءة، يشعر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمة المادة 19 أن الوقت لم يحن بعد لإعادة طرح هذه المسألة حتى في شكل طلب قيام “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” بتقييم فكرة إنشاء مثل تلك الآلية كجزء من تقرير أوسع. ونحن نُذكِّر بأن “خطة عمل الرباط” أوصت بأن تسعى الدول، وكذا الأمم المتحدة، إلى تقوية الآليات الدولية القائمة الخاصة بحقوق الإنسان، لاسيما هيئات حقوق الإنسان المنشأة بموجب معاهدات والمكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة، وذلك من خلال عدة طرق منها ضمان وجود تمويل كافٍ للمفوضية السامية لحقوق الإنسان. إن خطة عمل الرباط لا تهدف لإنشاء أية آلية جديدة، كذا ينبغي إجراء مزيدًا من الحوار بين الدول وغيرها من الأطراف المعنية قبل أن يشار إلى مثل تلك الآلية على أنها جزء من قرار مجلس حقوق الإنسان.
تريد منظمة المادة 19 ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان التذكير بالجهود التي بذلتها جميع الدول في مجلس حقوق الإنسان من أجل التوصل إلى توافق في الآراء، ذلك التوافق الذي يقوم عليه القرار 16/18، ونظرًا لأن ذلك التوافق في الآراء على المحك، فنحن نحث جميع الدول على التعاون بـ “نية حسنة” وإتاحة الوقت الكافي لدراسة اللغة الجديدة أو نقاط العمل المقترحة ومناقشتها بشكل كامل، وذلك قبل أن يتم وضع تلك الإضافات موضع التصويت.
نحن نشجع الدول –مع وضع ما سبق في الاعتبار– على النظر في ما قدمناه من توصيات وعلى مضاعفة جهودها لتعزيز توافق الآراء الذي حققه القرار 16/18، والمضي قدمًا نحو تنفيذ خطة العمل الواردة فيه من أجل مكافحة التمييز القائم على المعتقد والممارسة الدينية، بما في ذلك على المستوى المحلي.
Share this Post