يتعين على الحكومة أن تتحمل مسئولياتها عن أحداث السادس من أبريل
بيان صحفي
تحذر منظمات حقوق الإنسان من الاتجاهات الحكومية، لاستثمار تداعيات أحداث العنف التي شهدتها مدينة المحلة الكبرى، على خلفية الدعوة للإضراب العام والتظاهر السلمي في السادس من إبريل، التي أطلقها بعض نشطاء الحركات الاجتماعية والسياسية والمدونين على شبكة الإنترنت، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية للمصريين وحالة حقوق الإنسان والارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية، وللتضامن مع المطالب العادلة لعمال الغزل والنسيج بالمحلة، والتي حظيت بالتجاهل والمماطلة من قبل الحكومة لشهور طويلة. ويساور منظمات حقوق الإنسان مزيد من القلق إزاء محاولة توظيف هذه الأحداث في التحريض على فرض مزيد من القيود على الحق في الإضراب والتجمع السلمي والحق في تداول المعلومات، أو في تصفية الحساب مع بعض النشطاء والتيارات والحركات السياسية بتحميلها مسئولية هذه الأحداث.
وتعيد منظمات حقوق الإنسان التأكيد مجدداً على إدانتها لكافة الإجراءات القمعية التي استهدفت تطويق مظاهر الاحتجاج السلمي في أنحاء مختلفة من البلاد، وتشدد بوجه خاص على إدانتها للاستخدام المفرط للقوة من جانب أجهزة الأمن في فض التجمعات الاحتجاجية الواسعة التي شهدتها مدينة المحلة، إثر تحويلها إلى ثكنة عسكرية، وتطويق قوات الأمن لمقار شركة الغزل والنسيج والميادين والشوارع الرئيسية.
وتقدر منظمات حقوق الإنسان المسئوليات الواقعة على عاتق أجهزة الأمن للحفاظ على الأمن العام والممتلكات العامة والخاصة، غير أنها في ذات الوقت ترى أن هذه المسئوليات لا تصلح مسوغاً لتبرير قيام قوات الأمن بسحل المتظاهرين وممارسة العقاب الجماعي، والقصف المكثف والعشوائي بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية، والذي أودى بحياة شخصين على الأقل، فضلاً عن إصابة ما يزيد عن مائة شخص، فقد بعضهم بصرهم من جراء إطلاق الرصاص المطاطي. مثلما لا ينبغي أيضاً التذرع بهذه المسئوليات لإضفاء المشروعية على جريمة تكبيل المصابين في تلك الأحداث بالقيود الحديدية إلى أسرتهم بالمستشفيات، أو على أعمال الملاحقة والاعتداءات التي استهدفت صحفيين أو مراسلين أجانب أو أطقم عاملة لدى بعض الفضائيات، للحيلولة دون قيامهم بواجبهم المهني في تغطية هذه الأحداث.
وإذ تسجل منظمات حقوق الإنسان أسفها واستهجانها الشديد لما صاحب المواجهات العنيفة للمتظاهرين في المحلة من أعمال اكتست طابعاً تخريبياً ألحق أضراراً فادحة بالعديد من المرافق العامة والمنشآت، فإنها لا تستطيع أن تعفي أجهزة الأمن والحكومة بكاملها من مسئولياتها عن تأجيج هذه الأعمال.
إن ما شهدته المحلة من أعمال حرق وتخريب وعنف مضاد تستوجب الإدانة، ينبغي ألا يصرف الانتباه -وبالذات انتباه الحكومة- إلى أن هذه الأعمال ليست سوى الوجه الآخر لسد منافذ التعبير السلمي، والإخفاقات الحكومية المتوالية في إدارة الأزمات، وتغليب الحلول الأمنية -بديلاً عن المعالجات السياسية- في مواجهة مظاهر الاحتقان السياسي ومشاعر السخط والإحباط المتزايد من جراء السياسات الحكومية، التي أفرزت جيوشاً من العاطلين والمهمشين الذين يزدادون فقراً، وبفعل غياب معايير العدل الاجتماعي، وتخلي الدولة عن مسئولياتها الاجتماعية تجاه مواطنيها، في الوقت الذي يظهر فيه بشكل صارخ أن ثمار الإصلاح الاقتصادي يجري ابتلاعها أولاً بأول، بفعل تفشي الفساد ونهب المال العام والممارسات الاحتكارية التي لا تعير اعتباراًَ لمعاناة المصريين.
إن البحث عن أصابع أو “أطراف خفية” لتحميلها مسئولية أحداث المحلة، ينبغي أن ينصرف في الواقع إلى البحث في سياسات القهر الاقتصادي والتهميش الاجتماعي ونهج الاستبداد السياسي، الذي فاقم من إحساس المصريين بالعجز عن تحسين فرص الحياة بكرامة، وإعادة النظر في السياسات التي حولت أقساماً متزايدة من المجتمع إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة. إن أحداث 6 أبريل تلقي أضواء ساطعة على مدى الترابط الوثيق والمتنامي في وعي المصريين بمعاناتهم، بين عوامل تفشي الفقر والفساد والافتقار للحرية والشعور بالكرامة.
وانطلاقاً من ذلك، فإن منظمات حقوق الإنسان الموقعة على هذا البيان، تدعو النائب العام للإفراج الفوري عن جميع الأشخاص الذين مازالوا رهن الاحتجاز، وإسقاط كافة الاتهامات بدعوى التحريض على الإضراب أو التظاهر أو التجمهر أو تكدير الأمن العام أو بث الدعايات المعادية للنظام، باعتبار هذه “الاتهامات” تتعارض مع الالتزامات الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير والحق في الإضراب وفي التجمع السلمي، بموجب العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما تدعو النائب العام أيضاً لإجراء تحقيقات نزيهة في التجاوزات الشرطية الخطيرة التي وقعت في المحلة الكبرى على وجه الخصوص، وإعلان نتائج هذه التحقيقات على الرأي العام، وتقديم المسئولين عن هذه التجاوزات للمحاكمة، وتعويض المواطنين عن الأضرار التي لحقت بهم جراء هذه المواجهات التي كان يتعين الحرص على تفاديها.
لقد سبق أن تعالت في السنوات الأخيرة صيحات متكررة، تحذر من أن تجاهل مطالب الإصلاح السياسي واستحقاقات التغيير الديمقراطي، من شأنه أن يضع البلاد نهباً لسيناريوهات الفوضى والخراب. ونعتقد الآن أنه يتعين على الحكومة أن تدرك أن سياسة إطفاء الحرائق بعد اشتعالها، لم تعد تصلح، وصارت محفوفة بالمخاطر، طالما يجري تجاهل المشكلات والسياسات الحكومية التي ينذر استمرارها باشتعال حريق قد يطول مصر كلها.
المنظمات الموقعة
1. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
2. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
3. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
4. المركز المصري لحقوق الطفل
5. المركز المصري لحقوق المرأة
6. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
7. المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
8. جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
9. جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
10. دار الخدمات النقابية والعمالية
11. مؤسسة المرأة الجديدة
12. مركز الأرض لحقوق الإنسان
13. مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف
14. مركز أندلس لدراسات التسامح ونبذ العنف
15. مركز هشام مبارك للقانون
16. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
Share this Post