في 4 أبريل الجاري، انتهت فعاليات الجلسة الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعدما حققت انتصارًا حاسمًا للجماعات الحقوقية باعتماد قرار بتجديد ولاية لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا، وهي الآلية الأممية المكلفة بالتحقيق ومتابعة المساءلة عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من مختلف الأطراف، والتي طالما حاولت بعض الدول إضعافها أو إلغاءها. القرار المتعلق بسوريا سلط الضوء أيضًا على أهمية مشاركة الضحايا والمجتمع المدني في العملية الانتقالية، والحاجة الماسة إلى متابعة المساءلة، إلا أنه لم يدن صراحةً عمليات الإعدام بإجراءات موجزة والمجازر الطائفية التي ارتكبت في المنطقة الساحلية السورية، مكتفيًا بوصفها أنها «جرائم مزعومة يبدو أنها وقعت على سبيل الانتقام». هذه اللغة الضعيفة للقرار لا تقلل فقط من خطورة الجرائم، بل تحول اللوم بشكل خطير على الضحايا، وتمثل إساءة للناجين وتقوض الاستنتاجات القوية التي توصلت لها لجنة التحقيق والمفوضية السامية.
يقول جيريمي سميث، مدير مكتب مركز القاهرة في جنيف: «القرار يدعم بقوة المساءلة الدولية عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، لكنه أضعف فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبتها أطراف أخرى قبل وبعد سيطرة السلطات الانتقالية». الأمر الذي يرجع على الأرجح إلى ادعاءات بعض الدول بأن اللجنة لم تعد مطلوبة بعد سقوط الأسد. الأمر الذي دفع بعض الدبلوماسيين وأعضاء المجتمع المدني إلى إبداء مخاوفهم بشأن تنامي دعوات إلغاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة وقتما يُطرح القرار المتعلق بولاية التحقيق في سوريا للتصويت مرة أخرى أمام المجلس في أوائل عام 2026.
وكانت منظمات حقوقية سورية وإقليمية رائدة من بينها مركز القاهرة قد نظمت على مدار الجلسة سلسلة من الفعاليات وشاركت بقوة في النقاشات حول القرار، في محاولة لتسليط الضوء على الفظائع المستمرة المرتكبة في البلاد، والحاجة الماسة للمساءلة وحماية المجتمع المدني لضمان السلام والأمن، بما في ذلك الحفاظ على آليات الأمم المتحدة الثلاث المخصصة لسوريا – لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، وآلية التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، والمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.
وفي بيان لمركز القاهرة أكد أن «تحقيق السلام والاستقرار في سوريا من مصلحة الجميع.. وأن التقارير الأخيرة عن قتل أفراد من الأقليات والتدخل العسكري غير القانوني لإسرائيل ودول أخرى يشكل تهديدًا مباشرًا لتحقيق هذا الهدف». مضيفا أن: «التخلي عن المساءلة الدولية وجهود حماية المدنيين الآن لن يؤدي إلا إلى تشجيع ارتكاب المزيد من الفظائع، وتقويض الجهود الرامية إلى ضمان الانتقال السلمي».
في الجلسة نفسها تبنى المجلس ثلاثة قرارات تتعلق بالوضع في الأرض المحتلة، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وقد أكدت القرارات على حق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة وتقرير المصير، وتشكيل آلية فعالة للمساءلة، وضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني. إلا أنه، ورغم الأدلة الدامغة التي قدمتها لجنة التحقيق الأممية بشأن ارتكاب إسرائيل لجرائم الترحيل القسري والتجويع والاغتصاب بشكل منهجي، اختارت عدة دول معارضة قرارات المجلس أو الامتناع عن التصويت عليها. وفي ضربة قوية للجهود الرامية إلى ضمان المساءلة عن أعمال الإبادة الجماعية في غزة، سحب الوفد الفلسطيني اقتراحًا بتشكيل هيئة لتكوين ملفات قانونية بشأن هذه الجرائم، وذلك بعدما هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على أي دولة تدعم الاقتراح. ويطلب القرار بدلًا من ذلك من الجمعية العامة للأمم المتحدة النظر في إنشاء مثل هذه الهيئة في اجتماعها القادم. من جانبه، أيد مركز القاهرة بقوة في بيانه أمام المجلس تبني قرار يعترف بالحجم الكارثي للعنف الذي تمارسه إسرائيل ويطالب بمحاسبتها وفقًا للقانون الدولي.، مسلطًا الضوء على مقاومة بعض دول الاتحاد الأوروبي لهذا القرار، والتي تؤكد بشكل صارخ على ازدواجية المعايير، ومؤكدًا: «إن التقاعس في مواجهة الإبادة الجماعية ليس حيادًا، بل هو تواطؤ».
كما شهدت هذه الجلسة اعتماد قرار بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان والتكنولوجيات الجديدة، يعالج شواغل المجتمع المدني الملحة، بما في ذلك استخدام برامج التجسس والذكاء الاصطناعي في انتهاكات الحقوق. ورغم ترحيب مركز القاهرة بصدور القرار إلا أن حذف الإشارات إلى القمع العابر للحدود الوطنية يعد فرصة ضائعة. ففي جميع أنحاء العالم –بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا– تستهدف الحكومات القمعية بشكل متزايد أصوات المغتربين والنشطاء في المنفى بوسائل غير مباشرة أو بالوكالة. ويجب على الدول التصدي لهذا التهديد المتزايد من خلال حظر أدوات المراقبة الرقمية المستخدمة لإسكات المعارضة، وضمان وحماية المدافعين في الخارج.
ورغم هذه الانتصارات النسبية التي حققها المدافعون في هذه الجلسة، خاصة بقرارات سوريا وفلسطين والقرار المتعلق بالتكنولوجيات الحديثة، إلا أن رفض الدول الأعضاء دعم جهود المساءلة بطريقة متسقة ومبدئية في الجزائر والبحرين ومصر واليمن، هو رمز لازدواجية المعايير التي لا تزال تقوض قدرة المجلس على حماية الضحايا في حالات حقوق الإنسان الحرجة في جميع أنحاء العالم.
فرغم ما ورد في تقرير المقررة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان حول بعثتها للجزائر بشأن تدهور الفضاء المدني وتجريم النشاط السلمي داخل البلاد، لم يستجب المجلس لمطالب الحقوقيين الجزائريين والمنظمات الحقوقية (بما في ذلك مركز القاهرة)، في ندوة جمعتهم على هامش الجلسة، باتخاذ إجراءات لحماية المجتمع المدني المحلي والتصدي للانتهاكات المنتشرة في البلاد، ووضع حد للإفلات من العقاب.
كما لم تنجح مساعي المنظمات غير الحكومية قبل بدء أعمال المجلس، في دفع المملكة المتحدة إلى قيادة الجهود الرامية لضمان اتخاذ إجراءات مشتركة في المجلس للتصدي لأزمات حقوق الإنسان المستمرة في مصر وضمان الضغط من أجل إطلاق سراح علاء عبد الفتاح، الناشط المصري البارز في مجال الديمقراطية والمسجون ظلمًا منذ أكثر من خمس سنوات. وفي شهادته أمام المجلس، أكد الصحفي بيتر غريسته، والذي كان محتجز في مصر قبل سنوات، والمتضامن بالإضراب مع علاء ووالدته: «أن النظام القضائي المصري مصمم بحيث يدفع للسجن كل من تعتبره السطات تهديد سياسي». هذا بالإضافة إلى شهادات أخرى حول كُلفة التقاعس عن معالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر، قدمها مجموعة من الحقوقيين المصريين وأهالي سياسيين ونشطاء محتجزين في مصر، خلال ندوة على هامش الجلسة، نظمتها لجنة العدالة بمشاركة عدد من المنظمات من بينها مركز القاهرة.
أما القرار الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، والذي صدر بدوره خلال هذه الجلسة، فقد تعرض لوابل من الهجمات من قبل عدة دول. لكن تم رفض التعديلات العدائية التي اقترحتها روسيا أثناء التصويت. وقد انضم مركز القاهرة في بيانه أمام المجلس إلى دعوة المقرر الخاص إلى إلغاء القوانين الأمنية التعسفية، وحث المجلس على التدقيق في كيفية استخدام خطاب مكافحة الإرهاب لإضفاء الشرعية على الاستبداد.
Share this Post