يجري هذا الأسبوع استعراض أوضاع حقوق الإنسان في مصر للأربع سنوات الماضية من خلال آلية الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ولكن المنظمات الموقعة على هذا البيان قررت عدم المشاركة ببعثات أو أي فعاليات على هامش تلك الجلسة تحسبًا من أي إجراءات انتقامية أو ملاحقات نتيجة لتلك المشاركة، كما قام عدد من تلك المنظمات بإلغاء المؤتمرات التي خطط لها على هامش جلسة الاستعراض، خصوصًا في ضوء المناخ المعادي لعمل منظمات حقوق الإنسان المستقلة.
وتأتي الجلسة قبل 5 أيام من انتهاء “التحذير” الذي أعطته الحكومة المصرية لما أسمته بالمنظمات غير المسجلة بأن تسجل نفسها وفقًا للقانون 84 لسنة 2002 القمعي وذلك قبل يوم 10 نوفمبر. وقد سعى عدد من المنظمات الموقعة إلى فتح حوار مع الحكومة ومقابلة رئيس الوزراء من أجل مناقشة سحب هذا الإنذار وتأجيله لحين صدور قانون جديد يتوافق مع الدستور والتزامات مصر الدولية يمكن للمنظمات أن تسجل وفقًا له أو السماح لهذه المنظمات بالاستمرار في العمل وفقا للأشكال القانونية القائمة المسجلة في إطارها، إلا أن كل هذه المساعي قوبلت بتعسف من الحكومة، وقامت الحكومة بنشر إعلان أخر بجريدة الأهرام يوم 26 أكتوبر يؤكد أن تأجيل الإنذار ومد مهلة التسجيل ليست مطروحة للنقاش. الجدير بالذكر أن القانون 84 لسنة 2002 الخاص بالجمعيات الأهلية الذي تريد أن تطبقه الحكومة بقوة على منظمات حقوق الإنسان، يتعارض مع المادة 75 من الدستور المعدل في 2014، وبخلاف ذلك فقط قطعت الحكومة المصرية على نفسها تعهدًا في الجولة الأولى من الاستعراض الدوري الشامل في 2010 بتعديله ليعطي مساحات من الحرية أكبر للجمعيات الأهلية.
ولذا قررت المنظمات الموقعة الاكتفاء بما قدمه ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة من توصيات للحكومة المصرية للدورة الثانية من الاستعراض، وتأسف لعدم مشاركتها في فعاليات جلسة الاستعراض والتي نراها فرصة لفتح الحوار مع الحكومة المصرية على مواضيع مختلفة بمشاركة الأمم المتحدة، من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر ومساعدتها في بناء إستراتيجية للأربع سنوات القادمة للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان. وهو ما قد تراه الحكومة محاولة للنيل من سمعتها الدولية. وترى المنظمات أن استعدادات الحكومة التي تواكب الاستعراض الدوري الشامل هذا العام تختلف جذريًا –للأسف– عن تلك التي واكبت الدورة الأولى من الاستعراض في 2010، ففي حين سعت اللجنة المعنية بكتابة تقرير مصر في 2010 للتواصل مع عدد أوسع من منظمات حقوق الإنسان، ومنها عدد من المنظمات الموقعة، وإجراء مشاورات معها حول تقرير الحكومة المصرية والتوصيات التي يجب أن تقبلها مصر، لم تسعى اللجنة الحالية التي توجهت إلى جنيف إلى الاجتماع مع عدد واسع من المنظمات واكتفت بلقاء واحد مع عدد محدود من المنظمات الحقوقية وأعضاء من المجلس القومي لحقوق الإنسان وذلك قبل أسبوع من الاستعراض، كما لم تجري أي مشاورات جادة مع المنظمات المستقلة أثناء مرحلة إعداد تقرير الحكومة المصرية.
وكان آخر استعراض لوضع حقوق الإنسان في مصر من خلال نفس الآلية في فبراير منعام2010، حيث تقدمت العديد من الائتلافات الحقوقية والتنموية آنذاك بتقارير موازية لآلية الاستعراض الدوري الشامل، موضحةأهمالأولويات التي يتعين على الدولة الاهتمام بها في السنوات القادمة. وهذا العام، وفي نفس الإطار، تقدم العديد من مؤسسات المجتمع المدنيبمقترحات من أجل احترام حقوق الإنسان في مصر، وتحقيق التنمية المرجوة، فتقدم احد التقارير مثلا بمقترح توصية لمصر بضمان العدالة الجغرافية في توزيع مصروفات الموازنة العامة الموجهة إلى الخدمات الاجتماعية، كالصحة والسكن والتعليم، كما طالبت المؤسسات أن تلتزم مصر في السنوات القادمة بتوجيه الاهتمام لمواجهة التزايد المطرد في إعداد الفقراء، والتخطيط لخفض نسب الفقراء من 26% من المواطنين لـنسب أقل في الأربع سنوات القادمة، وغيرها من التوصيات البناءة، التي تأمل أن ترى النور من خلال تلك الآلية الدولية.
وترى المنظمات الحقوقية المستقلة أن آلية الاستعراض الدوري التي تخضع لها كل الدول الأعضاء في اﻷمم المتحدة فرصة أمام كل دولة بما فيها مصر من اجل الدخول في حوار بناء تشارك فيه الحكومات ومنظمات المجتمع المدني المختلفة، وتؤدي إلى مجموعة من التوصيات مما يشجع الدول على التنافس من أجل احترام حقوق المواطنين.
إن وضع حقوق الإنسان في مصر لا يمكن فصله عن أهداف تحقيق الاستقرار والتنمية، التي يأملها المصريون جميعا، شعبا وحكومة. فالحقوق السياسية والمدنية هي التي تعزز من المواطنة والمشاركة واستقرار وشرعية نظام الحكم، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي التي تدعم قدرة المواطن على الوصول للحياة الكريمة، وعلى العمل والإنتاج، وفي نهاية المطاف في تحقيق انتصار حقيقي على الإرهاب والفقر والتهميش. نؤكد أخيرا أن لمؤسسات المجتمع المدني دورًا هامًا في الحفاظ على حلقة الوصل بين الحكومة والمواطنين، وعلى تعزيز قيم الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد.
خلفية:
الاستعراض الدوري الشامل هو أحد الآليات الفريدة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تخضع فيه الدول بشكل دوري لاستعراض حالة الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بها، ويتبع الجلسة تقرير توصيات يصدر عن مجموعة عمل المجلس، ينتظر من الدول العمل على تطبيقها حتى موعد الاستعراض التالي، ترأس تلك الجلسة هيئة من 3 دول تسمى “ترويكا” تتبدل باستمرار حسب كل دولة، ستكون هي السعودية وساحل العاج ومونتينيجرو في حالة جلسة مصر لهذه الدورة، وتكون جلسة المساءلة تبعا لثلاث تقارير أساسية عن حالة حقوق الإنسان في الدول المعنية، أولهم التقريرالحكومي، والذي أرسلته مصر للمجلس في يوليو 2014، وتقرير المقررين الخاصين واللجان التابعة للأمم المتحدة، والثالث هوتقريرمجمع (قامت مجموعة عمل المجلس بأعداده) من كافة التقارير التي تقدمت بها منظمات المجتمع المدني لآلية الاستعراض الدوري الشامل.
يذكر أن مصر لها مشاركات عديدة في تلك الآلية الدورية، وترأست بذاتها جلسات لدول أخرى، كما أبدتتوصياتللعديدمنالدول حول مختلف المواضيع، مثل توصيتها لدول هولندا وباكستان والهند بتوفير الموارد الكافية لمنظمات حقوق الإنسان للقيام بعملها بكفاءة واستقلالية وزيادة التواصل بين السلطات وتلك المنظمات، ولدولة أرمينيا حول حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وتوصياتها لدول الفلبين والتشيك بمكافحة التعذيب طبقا لتعريف العهد الدولي، وللبرازيل والمكسيك بتحسين أوضاع وكثافة السجون، ولفرنسا باتخاذ الإجراءات المناسبة ضد انتهاكات رجال الأمن، وتوصيتها للولايات المتحدة الأمريكية باحترام العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية في نطاق عملياتها لمكافحة الإرهاب مع التعرف على، التحقيق مع ومعاقبة كل من ينتهك تلك الحقوق، وتوصيتها للبحرين وهولندا والسويد بتطوير الإطار القانوني لمزيد من احترام حرية التعبير ومكافحة خطاب الكراهية، وتوصيتها ببرامج مكافحة فقر فاعلة لكندا وبوتسوانا، وتوصياتها لليبيريا ومالاوي بحماية حقوق الطفل والمرأة، وغيرها العديد من التوصيات، التي يقترحها المجتمع المدني كتوصيات هامة يجب على الحكومة المصرية أن تعمل على تحقيقها.
تقوم فكرة الاستعراض الدوري على تكرار عرض الملف الحقوقي لكل دولة مرة كل أربعة سنوات، لبيان مدى التزامها بما أقرته من توصيات والتزامات، وتقييم جهودها في صيانة حقوق مواطنيها دوريًا، وكانت مصر قد التزمت بعد الاستعراض الأممي الأول لملفها الحقوقي في 2010 بعديد من التوصيات ولكنها لم تحرز فيها تقدم يذكر، ومن بينها توصيات تتعلق بمكافحة التعذيب، وتمكين المرأة، وكفالة حرية التعبير وحرية التظاهر وحرية المعتقد.
المنظمات الموقعة:
1. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
2. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
3. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
4. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
5. مؤسسة حرية الفكر والتعبير
6. مؤسسة قضايا المرأة المصرية
7. نظرة للدراسات النسوية
للاطلاع على التقارير المقدمة للدورة الثانية من الاستعراض من منظمات حقوق الإنسان الموقعة على هذا البيان:
· تقرير عام عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الأربع سنوات الماضية: https://cihrs.org/?p=9580
· 100 توصية للحكومة المصرية من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان: http://eipr.org/pressrelease/2014/11/03/2259
· تقرير حول انتهاكات الحق في التجمع السلمي خلال الأربع سنوات الماضية: http://afteegypt.org/j_press_releases/2014/11/03/8659-afteegypt.html
· تقرير حول انتهاكات الحق في تكوين الجمعيات خلال الأربع سنوات الماضية: https://cihrs.org/?p=9536
· تقرير حول انتهاكات الحق في المحاكمات العادلة والمنصفة خلال الأربع سنوات الماضية: https://cihrs.org/?p=9669
Share this Post