كما هي عادة الحكومة المصرية حين تضطر إلى الاعتراف بانتهاكات الماضي حين يستدعي الأمر تجميل انتهاكات المستقبل… خرج علينا قرار رئيس الجمهورية بالأمس ليعلن مدًا لمدة عامين للعمل بقانون الطوارئ في ثوبه الجديد القديم، حيث كاد رئيس الوزراء ومن بعده أعضاء الحزب الحاكم في مجلس الشعب أن يقسموا بأن قانون الطوارئ لن يُطبق سوى في حالات الإرهاب والمخدرات… بما يحمل اعترافًا ضمنيًا بأن تطبيقها في السنوات التسع والعشرين الماضية كان لا يقتصر عليها -رغم تأكيدات الحكومة المتكررة بعكس ذلك- ورغم آلاف البيانات الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان بجرائم الطوارئ في مصر، حتى أصبح الاعتقال العشوائي سياسة منهجية يشهد عليها في كل يوم آلاف المعتقلين القابعين في المعتقلات المصرية، دون اتهام، دون محاكمة وفي مخالفة وتحد صريح لأحكام القضاء بالإفراج.
وقد جاء أخر تأكيد للحكومة المصرية على ذلك في تقريرها الذي رفعته إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر 2009 والذي ورد فيه نصًا فيما يخص حالة الطوارئ “بأن السلطة السياسية التزمت عند إعلان حالة الطوارئ وتجديدها بألا تستخدم التدابير الاستثنائية التي تُتيحها حالة الطوارئ إلا لمواجهة الإرهاب وجرائم المخدرات، ونفذت ما التزمت به، وهو التزام سياسي تُسأل عنه الحكومة سياسيًا أمام البرلمان إن حادت التدابير الاستثنائية عن هذا السبيل”.
في نوفمبر 2009 ادعت الحكومة المصرية أن الطوارئ لم تطبق سوى على الإرهاب وجرائم المخدرات… وفي مايو 2010 تدعي الحكومة المصرية بأنها سوف تمد الطوارئ شرط ألا تطبق سوى على جرائم الإرهاب والمخدرات. إن ترجمة ذلك في الواقع المصري هو مزيد من الطوارئ ومزيد من الاعتقالات ومزيد من تقييد الحريات ومزيد من تعطيل القانون والدستور.
ولكي لا نُتهم بقراءة النوايا واستقراء المستقبل وحرمان الحكومة من فرصة إثبات حسن النوايا نُشير إلى القرار الجمهوري الذي احتفت به الجرائد الرسمية والحزب الحاكم ومجلس الأغلبية بأنه بداية انفتاح ديمقراطي (طالما تفاخر النظام بأنه حدث فعليًا) الذي نص على اقتصار تدابير الطوارئ على المواد (1) و (5) من قانون الطوارئ، حيث تسمح المادة (1) “بوضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية” وذلك ليس على خلفية ثبوت الجريمة وإنما على أساس الاشتباه، حيث ورد في البيان الصحفي الذي أصدره الدكتور مفيد شهاب، رئيس لجنة تقرير المراجعة الدولية الشاملة، بالأمس أن تطبيق الطوارئ في صورتها “الجديدة” سوف يقتصر على “إلقاء القبض على الأشخاص المشتبه فيهم بتورطهم في جرائم الإرهاب والاتجار بالمخدرات واحتجازهم، وتفتيش الأشخاص والأماكن المشتبه فيهم بتورطهم في تلك الجرائم”.. وهو ما يعني فعليا تطبيق كافة مواد قانون الطوارئ من خلال المادتين الأولى والخامسة على من “يشتبه فيهم”.
إن المنظمات الموقعة إذ تُصدر هذا البيان تسعى إلى لفت نظر الرأي العام المصري والمجتمع الدولي أن ما حدث بالأمس من خلال قرار رئيس الجمهورية وبيان رئيس الوزراء ومناقشات أعضاء الأغلبية في مجلس الشعب ليس سوى “مد حالة الطوارئ لمدة عامين” وهي الجملة التي ختم بها رئيس مجلس الشعب جلسة أمس بدون لبس.. كما تُعلن المنظمات الموقعة على هذا البيان أنها لا تستطيع أن تفصل بين هذا التجديد لتعطيل القانون والدستور وبين موجة الانتخابات التي سوف تشهدها البلاد في العامين القادمين والتي تبدأ في يونيو 2010 بانتخابات مجلس الشورى التي بدأنا فعليًا منذ فترة في رصد الانتهاكات التي صاحبتها، كما نتوقع أن تتعاظم هذه الانتهاكات مع اقتراب الانتخابات البرلمانية التي تمهد لسيناريو توريث السلطة (أسريًا أو عسكريًا أو حزبيًا) في عام 2011.
إن المنظمات الموقعة على هذا البيان ترفض استمرار فرض حالة الطوارئ على البلاد وتؤكد أنها سوف تستمر في نضالها من أجل احترام حقوق الإنسان في مصر وملاحقة منتهكيها ودعم المحرومين منها وسوف تستمر في رصد تلك الانتهاكات، مدركة أن التغيير الحقيقي هو في رفع حالة الطوارئ تماما وكفالة حرية التعبير والتنظيم والرأي والتعبير والتجمع والتظاهر والإضراب، والإفراج عن المعتقلين سياسيين وغير سياسيين، ومحاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي، وضمان نزاهة الانتخابات على كافة المستويات بكفالة الإشراف القضائي الكامل عليها.
إلى ذلك الحين فإن أي تعديل أو تجميل أو تلاعب في صيغة القوانين الحاكمة لن تنجح في التغطية على حقيقة أن البلاد تعيش في ظل الطوارئ منذ 29 عاما وأن الحزب الحاكم قرر أن يمدها إلى 31.
المنظمات الموقعة:
1. جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان.
2. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.
3. دار الخدمات النقابية والعمالية.
4. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
5. مؤسسة المرأة الجديدة.
6. مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
7. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
8. مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان.
9. مركز الأرض لحقوق الإنسان.
10. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
11. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
12. مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي.
13. مركز هشام مبارك للقانون.
Share this Post