اعتمد مؤخرا مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة التقرير الخاص بالاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في ليبيا، والذي يأتي في مرحلة بالغة الأهمية تستوجب إمعان النظر في سجل حقوق الإنسان الخاص في ليبيا، لاسيما في ضوء الانتهاكات التي وقعت خلال الأربع سنوات ونصف الأخيرة. كانت 85 دولة عضواً بالأمم المتحدة قد قدمت توصياتها لليبيا خلال عملية الاستعراض، علاوة على ثمانِ دول أخرى أرسلت أسئلة مسبقة للوفد الممثل لليبيا، والذي تلقى إجمالا 202 توصية تتعلق بحالة حقوق الإنسان في البلاد.
ونحن إذ نرحب بالتوصيات المطروحة، والتي تعكس في كثير منها مخاوف رئيسية ذات صلة بحقوق الإنسان، نحث دولة ليبيا على قبول كافة التوصيات، ووضع خطة وطنية لتنفيذها في إطار جدول زمني واضح. ونخص في ذلك التوصيات المتعلقة بـ :
- الامتثال لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني أثناء النزاع الحالي، بما في ذلك مكافحة الإرهاب.
- إشراك منظمات المجتمع المدني بشكل فعال و مباشر في تنفيذ التوصيات؛
- صياغة جدول أعمال يتعلق بتحقيق العدالة الانتقالية ويضمن المساءلة، وفقا لتحقيقات فورية وشفافة في حالات انتهاك حقوق الإنسان بهدف مساءلة جميع الجناة؛
- وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب، وتوفير إنصاف حقيقي للضحايا وجبر الضرر الواقع عليهم.
- التعاون مع بعثة التحقيق التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمكلّفة بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال عام 2014؛
- توفير الحماية اللازمة للإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني؛
- تعزيز مشاركة المرأة في المجتمع وحمايتها من جميع أشكال العنف؛
- ضمان حقوق النازحين داخل البلاد في العودة إلى مواطنهم الأصلية؛
- وضع حد للتمييز على أساس الجنس والعرق والدين؛
- انضمام ليبيا إلى الاتفاقيات الدولية التي لم تصدق عليها حتى الآن؛
- إلغاء عقوبة الإعدام.
ونحن إذ نقدّر لدولة ليبيا تقديمها التقرير الوطنى إلى آلية الاستعراض، ونُثني أيضاً على الملاحظات الختامية ، والتي تفيد بأن الدولة تأمل بلوغ مستوى أفضل في تعزيز حقوق الإنسان، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني الليبي والمنظمات الدولية، إلا أن تقاعس ليبيا عن إجراء أية مشاورات مع منظمات المجتمع المدني الليبي بغية معرفة المخاوف التي تعتريها قبل تقديم تقرير الدولة مازال مخيباً للآمال.
لقد أخفقت الدولية الليبية منذ أول دورة للاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي في نوفمبر 2010 في تنفيذ الغالبية العظمى من التوصيات التي أعلنت قبولها، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية المشار إليها في تقرير الدولة، بما فيها استخدام الأسلحة على نطاق واسع، وخروج الجماعات المسلحة عن سيطرة الدولة والهجمات الإرهابية، إلا أن السلطات الليبية قد اعترفت بالانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت منذ عام 2011 والتي ساهمت إلى حد كبير في تدهور حالة حقوق الإنسان والأوضاع الأمنية. ومن ثم ينبغي اتخاذ خطوات جادة للتصدي لتلك الإخفاقات، فضلاً عن وضع حد للانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وضمان مساءلة من يتحملون مسئولية ارتكاب تلك الجرائم.
يسرد تقرير الدولة عدداً من التطورات التشريعية التي من شأنها تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها -على حد وصف التقرير- إلا أن بعض التطورات التشريعية المشار إليها ورد ذكرها بشكل انتقائي، وبقيت في كثير من الاحيان دون تنفيذ، أو كانت غير متوافقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
في هذا السياق، نحث ليبيا على قبول وتنفيذ التوصيات المقدمة لها في إطار الاستعراض وخاصة المتعلقة:
- وضع حد للتعذيب والاختفاء القسري والتمييز:
يُعتبر سن القانون رقم 10 لسنة 2013 المتعلق بتجريم التعذيب والاختفاء القسري والتمييز من أبرز التطورات التشريعية التي شهدتها ليبيا، إلا أن ثمة إشكاليات مقلقة تتعلق بتعريف التعذيب الوارد في نص المادة 2 من هذا القانون، والذي لا يتماشى في بعض جوانبه مع التعريف الوارد في المادة 1 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب) التي انضمت إليها ليبيا كدولة طرف. إذ تقصر المادة نطاق تطبيق القانون على الأفعال التي تُرتكب ضد المحتجزين، وبالتالي يخفق القانون في توفير أساس سليم يمكن الاستناد إليه لبناء إطار شامل لمناهضة التعذيب بشكل عام. ناهيك عن أن ليبيا لم تصدّق على البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، رغم الحاجة الملحة لضمان إمكانية قيام مراقبي حقوق الإنسان الوطنيين والدوليين بزيارات منتظمة إلى أماكن الاحتجاز.
ومن ثم يصبح من الأهمية بمكان أن تعتمد دولة ليبيا إستراتيجية شاملة لمكافحة التعذيب، إذ تشير أحدث الأرقام إلى أن 53٪ من الأشخاص المحتجزين في ليبيا تعرضوا لتعذيب[1]، كما نؤكد في هذا الصدد على التوصيات المقدمة إلى ليبيا بحظر عقوبة الإعدام بهدف إلغائها في نهاية المطاف.
- تدابير العدالة الانتقالية:
كان تقرير الدولة قد أشار إلى اعتماد القانون رقم 29 لسنة 2013 بشأن العدالة الانتقالية باعتباره إنجازاً، إذ يتضمن نصاً يقضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ويسن تدابير لمعالجة مسألة الاحتجاز غير القانوني لبعض الأشخاص لأسباب تتعلق بالنزاع في مرافق احتجاز تديرها الميليشيات. ورغم أن القانون يُعتبر من القوانين الأساسية في العملية الانتقالية التي تمر بها ليبيا، إلا أن الموعد النهائي المحدد في 2 آذار/مارس 2014 لنقل جميع المعتقلين إلى عهدة الدولة وإطلاق سراح من لم تُوجّه إليهم أي تهم قد انقضى بالفعل دون اتخاذ أي إجراء ودون وضع أي خطة. ولم يُحرز أي تقدم ملموس في تنفيذ هذا القانون.
- حرية التجمع السلمي:
يشير تقرير الدولة إلى التقدم المحرز في مجال حرية التجمع، مؤكدا على أن تلك الحرية مكفولة القانون رقم 65 لسنة 2012 بشأن تنظيم حرية التجمع، علما بأن المواد 4 و5 و10 من هذا القانون تفرض قيوداً تعسفية على المتظاهرين، تتضمن عقوبات جنائية على التجمعات التي تخالف المتطلبات الإجرائية للقانون مثل شرط الحصول على تصريح مسبق من أجل تنظيم أي تجمع.
وتداركاً لأوجه القصور في هذا القانون يجب على دولة ليبيا أن تدخل تعديلات على بعض مواده وأن تنفذ كذلك التوصيات الصادرة عن “استونيا وفرنسا ولاتفيا” بتعديل أو إلغاء كافة الأحكام الواردة في قانون العقوبات الليبي التي تفرض قيوداً على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وخصوصا تلك التي تنص على عقوبة الإعدام.
- حقوق الأقليات والمكونات الثقافية واللغوية:
احتفى تقرير الدولة بالقانون رقم 18 لسنة 2013 والخاص بحقوق المكونات الثقافية واللغوية باعتباره تطوراً تشريعياً تقدمياً. ومع ذلك، لم تُنفَّذ بعد أحكام هذا القانون بينما مازالت أحكام أخرى مشوبة بالالتباس والغموض سارية. تنص المادة 1 من القانون سالف الذكر إلى أن “لغة الأمازيغ والطوارق والتبو من المكونات اللغوية والثقافية للمجتمع الليبي”. وتتسم عبارة “من المكونات اللغوية والثقافية للمجتمع الليبي” بالغموض ويمكن أن تُفسر على أوجه عديدة، مما يجعل من الصعب تحديد الوضع القانوني لهذه اللغات ودور الدولة في حمايتها وتعزيزها. أما المادة 2 من القانون رقم 18 لعام 2013 فهي تنص على أن “يكون لكل المكونات اللغوية والثقافية الحق في تعلم لغتها باعتبارها مادة اختيارية ضمن المنهج الدراسي المعتمد وفق القوانين واللوائح النافدة وذلك في المدارس الكائنة بمناطقهم الأصلية وغيرها “. بيد أن الدولة لم تتخذ أي إجراءات فعالة لتنفيذ هذا النص بطريقة إيجابية. كما تنص المادة 5 من القانون نفسه على أن تتولى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إنشاء مراكز للبحث العلمي أو التاريخي تكون مسئولة عن المحافظة على الهوية الثقافية واللغوية الخاصة بالأمازيغ والطوارق والتبو. ورغم ذلك لم تنفذ الدولة حتى الآن أياً من هذه الأحكام.
بل على العكس في عام 2012، شُنّت هجمات واسعة النطاق ضد الأقليات وضد دور العبادة التابعة للأقليات الدينية، وأخفقت دولة ليبيا في حماية هذه المواقع من الهجمات المتكررة، حتى لقي في الآونة الأخيرة 49 شخصاً مسيحياً على الأقل- معظمهم من مصر وإثيوبيا- حتفهم، وقُطعت رؤوسهم وأُعدموا رمياً بالرصاص في ثلاث عمليات قتل جماعي. في حين يجدر بالدولة الليبية تنفيذ التوصيات التي تقدمت بها فرنسا لمكافحة التمييز على أساس الجنسية أو العرق أو الدين، وأن تكفل، وفقاً لما أوصت به قبرص، حماية حقوق الأقليات في الدستور الليبي القادم.
- حرية التعبير وتكوين الجمعيات:
أشارت الدول في توصياتها إلى المادة 195 من قانون العقوبات الليبي على وجه التحديد، وتعديلاتها وفقا للقانون رقم 5 لسنة 2014 والذي وسع من نطاقها لتشمل تجريم أي فعل “يشكل مساساً بثورة السابع عشر من فبراير”، فضلاً عن أي إهانة علنية لإحدى السلطات التنفيذية أو القضائية أو التشريعية أو أحد أعضائها، أو إهانة شعار الدولة أو علمها، فضلاً عن توصيات الدول بإلغاء كافة المواد المقيدة للحريات في قانون العقوبات، وإلغاء الإجراءات القانونية الأخرى التي تحد من حرية الصحافة، ولاسيما القانون رقم 15 لسنة 2012 الذي يقيد حرية الصحافة عن طريق حظر مناقشة وسائل الإعلام للآراء الدينية (الفتاوى) الصادرة عن ادار الإفتاء، مما يكبل بشدة حرية وسائل الإعلام. كما يتطلب الأمر إعادة النظر في المرسوم رقم 5 لسنة 2014 والذي يدعو إلى وقف وحظر بث العديد من القنوات الفضائية التي تعتبر “معادية لثورة 17 فبراير” في ليبيا. ويُعتبر هذا المرسوم عائقاً خطيراً حيال تعددية واستقلالية الإعلام، علما بأن تقرير الدولة لم يشر لأي من هذه المسائل.
كما لم يشر التقرير ولا التوصيات المقدّمة خلال الاستعراض إلى حماية منظمات المجتمع المدني في إطار حرية تكوين الجمعيات، إذ نؤكد في هذا الصدد على ضرورة إلغاء القانون المتعلق بالمجتمع المدني والمعمول به حالياً -القانون رقم 19 لسنة 2003- واعتماد قانون يتسق والمعايير الدولية الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، علما بأن الأحكام الخاصة بحرية تكوين الجمعيات والمقدمة في إطار التوصيات[2] المنبثقة عن الهيئة التأسيسية المعنية بصياغة الدستور، تفرض أيضاً قيود على عمل منظمات المجتمع المدني، لاسيما فيما يتعلق بعملية التسجيل والتمويل الذي تتلقاه، وهي كلها أحكام ينبغي إلغاؤها كذلك.
- حقوق المرأة:
ركزت معظم التوصيات المقدمة في إطار حقوق المرأة حول اعتماد إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، والنهوض بمشاركة المرأة في الحياة السياسية والحياة العامة، وإعادة النظر في جميع القوانين والممارسات التي تنطوي على تمييز على أساس الجنس، وصياغتها على نحو يتماشى مع المعايير الدولية.
القوانين الحالية لا تجرم أي عمل من أعمال العنف ضد المرأة على نحو كاف، كما يعتبر العنف الجنسي جريمة ضد شرف المرأة وليس ضد كينونتها الجسدية. وقد فشلت الدولة في ليبيا حتى الآن في القيام بدور فعال لقضاء على العنف ضد المرأة، الأمر الذي اتضح جليا في إحجام ممثليها عن التوقيع على البيان المشترك الداعي إلى إنهاء العنف القائم على نوع الجنس أثناء الدورة السابعة والخمسين للجنة المعنية بوضع المرأة. ويشكّل هذا الإحجام تقاعساً مخيباً للآمال من جانب دولة ليبيا وخطوة للوراء، جاءت بعد قرار ليبيا بالانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الأمر الذي حظي بتقدير وثناء واسع النطاق.
وفي هذا السياق نحث ليبيا على تنفيذ التوصية التي طرحتها دولة اليونان بسحب التحفظات التي أبدتها ليبيا على الاتفاقية، والموافقة على توصية البرتغال الخاصة بوضع القانون رقم 24 لسنة 2010 موضع التنفيذ، بحيث يُسمح للمرأة الليبية بمنح جنسيتها لأطفالها، أسوة بالرجل الليبي.
تنعكس هذه المعاملة التمييزية أيضاً في التوصيات الدستورية، حيث تنص المادة 10 التي تحكم المسائل المتعلقة بالجنسية وتنظم عملية الحصول على الجنسية الليبية وإلغائها، على منح الجنسية الليبية عن طريق أب ليبي فقط، بما يخالف ما ينص عليه الدستور ذاته من تحقيق المساواة بين الجنسين.
ناهيك عن القيود الدينية والمجتمعية المفروضة على المرأة في ليبيا من وطأة التمييز الذي مورس ضدها على مدى السنوات الثلاث الماضية، فقد أصدرت دار الإفتاء أكثر من 35 فتوى في الفترة من 2013 وحتى 2015 كلها مقيدة لحقوق المرأة، تتضمن بعضها منع المرأة من السفر دون مرافق رجل. ورغم أن تلك الفتاوى غير ملزمة من الناحية الفعلية، إلا أنها مؤثرة في المجتمع الليبي، إلى حد أن نفذتها بالفعل مؤسسات ليبية على نحو تعسفي.
- وضع الأشخاص النازحين داخلياً:
طلبت 6 دول ليبيا باعتماد إستراتيجية تضمن عودة آمنة للنازحين داخل البلاد إلى مواطنهم الأصلية. فرغم الجهود المبذولة -والتي ورد ذكرها في تقرير الدولة- و التدابير المتخذة للتخفيف من معاناة النازحين داخليا، مثل توفير السكن الملائم، لم يحدث أي تقدم في هذا الصدد منذ عام 2011، بينما هناك أكثر من خمسمائة ألف نازح داخل ليبيا، لم تتمكن الدولة من ضمان عودة آمنة لهم ولا توفير سكن لائق بهم أو حمايتهم من الغارات العنيفة على مخيماتهم داخل البلاد.
فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، وُجهت هجمات ضد مخيمات النازحين في ليبيا بلغت هجمتين شهرياً في المتوسط.[3] ونحن إذ نقر بالطابع الإيجابي للاتفاق الذي توصلت إليه بلديتا مصراتة وتاورغاء في كانون الثاني/يناير من العام الجاري، والذي تضمن تشكيل لجنة لزيارة السجون في مدينة مصراتة وإعادة النظر في التهم الموجهة إلى سكان تاورغاء القابعين فيها، ورغم أن العديد من المجالس المحلية، بما فيها المجلس المحلي لتاورغاء، أجرى بالفعل زيارات للسجون في مصراتة، فإننا نؤكد أن هذا الاتفاق لا يمكن اعتباره إستراتيجية شاملة، حيث أن الوصول إلى تلك السجون وزيارتها جرى في حدود ضيقة وعلى نحو غير منتظم. الأمر الذي يبرز الحاجة إلى وضع استراتيجيات أكثر شمولاً لمعالجة مسألة حقوق النازحين داخل البلاد.
- حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة:
يسلط تقرير الدولة الليبية الضوء على انضمام ليبيا إلى الاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في حين أن ليبيا لم تودع فعلياً بعد صك التصديق على تلك الاتفاقية،[4] ولم يشهد الأشخاص المعاقون في ليبيا أي تقدم يُذكر -إن لم يكن أي تقدم على الإطلاق- فيما يتعلق بحقوقهم والعلاج الذي تستدعيه حالتهم، منذ تقديم توصيات الاستعراض الدوري الشامل السابق إلى ليبيا.
وخلافاً لما ورد في تقرير الدولة حول التقدم الذي تم إحرازه على الصعيدين التشريعي والعملي بالنسبة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، اتخذت دولة ليبيا إجراءات فعلية قليلة للغاية لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، والنهوض بمستوى المواد التعليمية الخاصة بهم، أو اعتماد إجراءات خاصة لتقليل تكاليف تنقل المعاقين أو تعليمهم.
كانت المادة 1 من القانون رقم 4 لسنة 2013 والخاص ببعض الأحكام المتعلقة بذوي الإعاقة المستديمة من مصابي حرب التحرير- والذي لم يرد ذكره في تقرير الدولة- قد أفضى إلى خلق طبقة جديدة من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين أصيبوا بإعاقة مستديمة أثناء القتال في انتفاضة عام 2011 ضد النظام السابق، ومن أُصيبوا من المدنيين بسبب هجمات شنها هذا النظام. وقد تلقت هذه الفئة الجديدة مزايا واستحقاقات معززة بالمقارنة مع الأشخاص المعاقين الآخرين، الأمر الذي يعكس تفاوت في معاملة الأشخاص ذوي الإعاقة والتمييز بينهم على أساس الانتماء السياسي. ويضع على عاتق الدولة واجب حماية وتعزيز حقوق جميع المواطنين الليبيين وليس ربط هذه الحماية بالانتماءات السياسية أو بأي قواعد تمييزية أخرى.
- أزمة المهاجرين واللاجئين
يعاني المهاجرون واللاجئون أيضاً من معاملة غير إنسانية ومهينة، إذ يتعرضون في أنحاء البلاد للاغتصاب والتعذيب والاختطاف مقابل الحصول على فدية على يد المتاجرين بالبشر والمهربين، فضلاً عن الاستغلال المنهجي الذي يمارسه أرباب العمل عليهم، واضطهادهم دينياً وغير ذلك من الانتهاكات وسوء المعاملة على أيدي الجماعات المسلحة والعصابات الإجرامية[5]. ولم تفلح ليبيا باستمرار، نظراً لعدم وجود إطار قانوني واضح بشأن الهجرة، في ضمان حماية كافية لحقوق المهاجرين المقيمين في البلاد أو العابرين للحدود. ويُعتقد أن عدداً يُقدّر بنحو 1.750 مهاجراً لقوا حتفهم غرقاً في البحر المتوسط خلال العام الجاري، معظمهم كانوا مغادرين لليبيا.[6]
ونحن نناشد دولة ليبيا بالاعتراف بحقوق المهاجرين، ومن بينها حقهم في عدم إعادتهم إلى أماكن قد تتعرض فيها حياتهم وحريتهم وكرامتهم الإنسانية للتهديدات وللخطر، وتعزيز الأمن على حدود البلاد.
كما طلبت دول مثل ألمانيا وكندا وجمهورية التشيك من ليبيا التوقيع على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي تنص على أحكام أساسية ضرورية لتحديد حقوق الأشخاص غير القادرين ف للعودة إلى بلدانهم الأصلية والاعتراف بهذه الحقوق، على أن تلتزم دولة ليبيا بواجب إعمال حقوق الإنسان وإنفاذ قانون اللاجئين إن كانت تسعى إلى أن تصبح دولة تحترم سيادة القانون وتوفر ضمانات لوصول الفئات الأكثر عرضة للخطر والاستضعاف إلى النظام القضائي وإلى العدالة.
ومن جانبنا فإننا لا نحث ليبيا فقط على التصديق على الاتفاقية وإنما سن أحكام على الصعيد الوطني ترمي إلى وضع إطار شرعي للتعامل مع قضية الهجرة وحسن إدارتها.
- احترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني:
أشار تقرير الدولة إلى الإرهاب باعتباره إحدى العقبات التي تحول دون تحقيق الأمن. وقد اعتمدت دولة ليبيا في هذا السياق القانون رقم 3 لسنة 2014 بشأن مكافحة الإرهاب، بيد أن هذا القانون لا يتسق مع التزامات ليبيا بموجب القانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان التي صادقت عليها، إذ تتمثل مصادر القلق الرئيسية من هذا القانون في أنه يضع تعريفاً فضفاضاً لما يُسمى “الأعمال الإرهابية” يمكن استخدامه بشكل تعسفي للحد من الحريات، فضلاً عن عدم تناسب العقوبات مع الأفعال “التي تضر بالوحدة الوطنية”، والتي تتسم بالغموض على نحو يثير القلق. في حين يجب أن تفرض قيود على حقوق الإنسان فقط بموجب القانون وعلى نحو يتناسب مع طبيعة الخطر، وذلك تماشيا مع التوصية التي قدمتها السويد إلى دولة ليبيا بوجوب احترام مبدأ مراعاة حقوق الإنسان وإعمال سيادة القانون في مكافحة الإرهاب.
ونحن نناشد دولة ليبيا في ضوء ما سبق استعراضه بتعديل أو إلغاء القوانين التي لا تزال ترضخ لتصرفات من يرغبون في تقويض حقوق الإنسان، وخاصة في مجالات حرية التعبير وحرية الصحافة وحقوق المرأة وحقوق الأشخاص النازحين داخليا وحقوق الأقليات وحقوق الأشخاص المعاقين، والحق في عدم التعرض للتعذيب وحقوق المهاجرين وطالبي اللجوء.
كما تدعو المنظمات الموقعة أدناه الدولة الليبية إلى تعزيز المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس، من أجل إدراك المغزى من وراء هذه التوصيات. ونناشد دولة ليبيا على الصعيد الدولي بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان من أجل تنفيذ القرار الخاص بالدعم التقني وبناء القدرات الذي اعتمدته الأمم المتحدة في آذار/مارس من العام الجاري (A / HRC / 28 / L.7 / REV.1).
كما نحث دولة ليبيا على إبداء التعاون فيما يخص بعثة التحقيق التابعة للفوضية السامية لحقوق الإنسان المزمع إرسالها إلى البلاد في حزيران/يونيو للتحقيق في انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في ليبيا منذ بداية عام 2014.
ونشير أيضاً إلى الحوارات السياسية الجارية التي يسرتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على النحو الذي اعترف به أثناء الاستعراض، ونحث الأطراف المشاركة في الحوارات على إمعان النظر في الانتهاكات التي وقعت منذ عام 2011. و في هذا السياق تبرز الحاجة إلى سن إجراءات قوية وملزمة وشاملة لترسيخ المساءلة باعتبارها شرطاً أساسياً لأي تسوية سياسية، ومسألة حيوية وفارقة من أجل تحقيق الانتقال الفعال نحو الديمقراطية وتوطيد سيادة القانون.
وأخيراً، تدعو المنظمات الموقعة أدناه دولة ليبيا إلى قبول كافة التوصيات واتخاذ خطوات حقيقية وملموسة لوضعها حيز التنفيذ بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية، كما نناشد دولة ليبيا ترجمة الالتزامات التي تعهدت بها علناً أثناء الاستعراض إلى أفعال، وإلى ضمانات بأن حقوق الإنسان ستشكل حجر الزاوية في جميع التدابير والممارسات القانونية.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- محامون من أجل العدالة في ليبيا
- حركة النساء قادمات
- جمعية الرحمة للأعمال الخيرية والإنسانية
- المنظمة الوطنية الليبية لتنمية ذوي الإعاقة
- الجمعية الليبية للثقافة التباوية
- المركز الليبي لحرية الصحافة
[1] سلسلة مطبوعات الكرامة، العدد رقم 8: عواقب التعذيب والعنف المنظم: ليبيا بحاجة لدراسة استقصائية للتقييم، 2014
[2] أصدرت الجمعية التأسيسية المعنية بصياغة الدستور في ليبيا يوم 24 كانون الأول/ديسمبر من عام 2014 المجموعة الأولى من التوصيات التي صاغتها اللجان المواضيعية. ويمكن الإطلاع على تلك التوصيات اللغة الإنجليزية من خلال الرابط التالي:
http://www.constitutionnet.org/vl/item/libya-initial-draft-constitution-2014-english.
ويمكن الإطلاع على تعليق منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا على الفصل 1 من خلال الرابط التالي:
ويمكن الإطلاع على تعليقها المشترك مع REDRESS فيما يتعلق بتقييم آليات مكافحة التعذيب من خلال الرابط التالي:
(http://www.libyanjustice.org/downloads/Publications/anti–torture–commentary—-‐final—-‐pdf.pdf)
[3] تقرير منظمة الرحمة إلى الاستعراض الدوري الشامل
[4] تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا وعن الاحتياجات ذات الصلة من الدعم التقني وبناء القدرات، 12 كانون الثاني/يناير 2015
[5] للمزيد يمكن الإطلاع على:
[6] للمزيد يمكن الإطلاع على:
Share this Post