محمد سيد سعيد
جريدة البديل، 18 يناير 2009
ما بين التأكيد على الصمود الأسطوري لغزة في مواجهة آلة الحرب الإجرامية الإسرائيلية والحديث عن انتصار المقاومة- مسافة كبيرة.
أي شخص لديه ضمير في الدنيا يجب أن يحني هامته احترامًا لصمود غزة وآلامها.
أما الحديث عن انتصار المقاومة فهو تعبير فج –في رأيي– عن خلل جسيم في العقل السياسي العربي، أو عن عادة عربية سيئة. لا نشير هنا فقط إلى إفساد اللغة، حيث نتحدث عن نصر لم يحدث. وكان الرئيس الراحل صدام حسين قد ضرب المثل في إفساد اللغة عندما زعم لنفسه ولشعبه أنه انتصر في حرب 1992 على جيوش 130 دولة. وكانت حجته أن الغزو لم يحقق أهدافه في خلع الرئيس أو إسقاط نظام حكمه، وبالتالي يكون هو قد انتصر. وكان بهذه الحجة يتجاهل الآلام المريعة للجيش العراقي، الذي تعرض لهزيمة متوقعة في حرب غير متكافئة، نعني ما هو أهم كثيرًا. وأخشى أن تبدأ حماس في الإعداد لحفلات النصر ما أن يتوقف إطلاق النار أو ينسحب الإسرائيليون مستخدمين نفس المنطق، وربما نفس الأساطير.
أسوأ نتائج الاحتفالات بالنصر هو تغذية نزعة خداع النفس بدلًا من تقليد النقد الذاتي. فواقع الحال أن المقاومة لم تنتصر، وإن كانت قد صمدت مع بقية شعب غزة. ما يجب علينا هو أن ننتقد أداءنا بنزاهة لأن ذلك هو الطريق الوحيد لتصحيح الأخطاء ولتطوير فهمنا لواقعنا. وواقع الحال أن المقاومة الفعلية كانت أقل كثيرًا من المتوقع إسرائيليًا وعربيًا. وتعبر الصحافة العبرية عن اندهاشها لأن المقاومة ظهرت بهذا القدر من الضعف، بينما بنيت الخطط الإسرائيلية على مقاومة أكثر شمولًا وقوة بكثير. أما الصحافة العربية فلا تكاد تناقش الموضوع، لأنها تعالج الموضوع بنفس العقلية التي تهون أو تهول، حسب ما هو مطلوب منها من جانب سلطاتها!
والحديث عن “نصر” في مواجهة آلة حرب تتمتع بهذه القوة العاتية يعني أننا نصور قدراتنا بأكبر كثيرًا مما هي عليه، وأن نضطر لصنع حكايات وأساطير يتناقض بعضها مع طبيعة هذه الحرب غير المتكافئة، والتي تقترب من عمليات العقاب الجماعي عن الحروب بمفهومها المعروف.
ومن ناحية ثالثة، قد يقود هذا الحديث عن النصر إلى مواقف تكرر نفس الخطأ الذي منح إسرائيل ذريعة لشن الحرب. فلا شك مطلقا أن الإعلان عن إنهاء الهدنة، ثم إطلاق الصواريخ يوم 26 ديسمبر كان قرارًا خاطئًا. وعندما يصرح السيد خالد مشعل بأن “المقاومة ستستمر حتى لو أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد” فهو يرتكب خطأ مماثلًا، قد يفضي إلى تأجيل إسرائيل هذا القرار أو حتى توقفها عن إعلانه والالتزام به.
وأخيرًا، فدائمًا ما يكون الهدف من الاحتفالات المبكرة بـ”النصر” هو تبرير العودة للأمر الواقع، خاصةً إذا قام على الانفراد بالسلطة. وإذا فعلت حماس ذلك فهي في الواقع تتبنى أجندة مناقضة تمامًا لما يجب أن تتبناه بعد نهاية العدوان الإجرامي الإسرائيلي على غزة.
Share this Post