محمد سيد سعيد
جريدة البديل، 15 مارس 2009
يشعر أنصار الإصلاح بخيبة أمل عميقة نتيجة فشل تيار الاستقلال في الاحتفاظ بالأغلبية في مجلس نادي القضاة، وتمكن تيار التبعية من اكتساح المجلس في الانتخابات التي عقدت أمس الأول. وكان كثيرون قد وضعوا آمالهم على القضاة في دفع حركة الإصلاح القضائي إلى الأمام. وتصور كثيرون أن يقود القضاة مصر لفترة انتقالية وصولًا إلى الديمقراطية!
وفي تقديري أن “سقوط قلعة” نادي القضاة هو أمر مفهوم تمامًا. فبمجرد تحقق نصف مطالب الإصلاح القضائي يتحقق الجانب الأعظم من الإصلاح السياسي. وفي ظل نظام بوليسي من شبه المستحيل أن يحقق القضاة استقلالهم الحقيقي أو يسمح لهم بوضع مسودة مشروع قانون يترجم المبادئ المستقرة في النظم الديمقراطية، وبالذات مبدأ استقلال القضاء ومبدأ توازن السلطات.
فالنظام الاستبدادي البوليسي في مصر لم يتخل أبدًا عن ملامحه الأساسية ولا عن سياسة احتكار كل المنابر المهمة للعمل العام. وانتهت سريعًا المرونة النسبية التي زاملت الانتخابات الرئاسية عام 2005. ويبدو أن قمم النظام قد أقسموا أن يجعلوا المصريين يندمون على مجرد تفكيرهم بالإصلاح السياسي والدستوري، فكان أن بدأوا انقلابًا دستوريًا مضادًا أهدروا فيه بعض أهم النصوص الأصلية في دستور 1971، وأعادوا الوضع السياسي والقضائي إلى أسوأ مما كان عليه قبل عام 2005.
ولم يكن التشريع هو المجال الوحيد للهجوم المضاد للإصلاح، بل امتد هذا الهجوم المضاد بهدف استعادة بعض المؤسسات النقابية التي تحقق فيها بعض النفوذ لتيار الإصلاح السياسي والدستوري مثل نقابة الصحفيين، ونادي القضاة في الإسكندرية. وفي كل حالة على حدة استمد الهجوم المضاد قوته ليس من نفوذ الشخصيات التي رشحها وإنما من جدول طويل من الحوافز والعقوبات المادية التي تؤثر مباشرة على الحياة الشخصية للأعضاء.
وبوجه عام يكاد يستحيل على أي فئة اجتماعية أن تصمد بوجه ضغوط النظام اليومية لفترة طويلة. وفي بلد تكاد فيه الدولة تهيمن على شروط حياة الناس بصورة تامة، وبالذات لقمة عيشهم، يصعب تصور استمرار تمتع تيار الإصلاح بالقيادة.
وما قام به تيار الاستقلال والإصلاح خلال أربع سنوات في نادي القضاة كان معجزة حقيقية وغير مسبوقة في تاريخ العالم.
ومع أن سقوط “هذه القلعة” أمر غير مستغرب بل يتفق تمامًا مع نزعة الاحتكار المطلق لساحة العمل العام من جانب النظام الاستبدادي البوليسي، فسوف يكون هناك بديل ما معظم الوقت. إن قانون الحياة هو استحالة القضاء على التنوع والتعدد أو اقتلاع نزعة النقد والتصحيح. وفي مصر بالذات كانت هناك ظاهرة انتقال قيادة النضال الديمقراطي الوطني من مؤسسة لأخرى، وهو أمر نتوقع استمراره في المستقبل.
Share this Post