لا شك أن قضية الإصلاح قد فرضت نفسها على جدول أعمال الرأي العام في مصر، لكن ذلك لا يعني ضمنا وعدا بتحقيق أي خطوة إصلاحية جادة على المدى المنظور، حتى على الرغم من مبادرة الرئيس مبارك في 26 فبراير بطلب إجراء تعديل دستوري فوري، يتيح إمكانية خوض انتخابات رئاسية بين أكثر من مرشح.
وإذا كان النظام الحاكم يسعى لأن يغلق عمليا الطريق نحو إصلاح شامل وجذري، وإذا كانت الأحزاب عجزت لأسباب متعددة عن جذب الناس حولها، أو أن ينظروا إليها –منفردة أو مجتمعة- باعتبارها تشكل قطبا سياسيا آخر أو حتى نداً للنظام السياسي الحاكم منذ 1952. بل إن الخلافات تمزقها، كما تعجز سواء الأحزاب- أو حتى التجمعات غير الحزبية الناشئة- عن العمل المنسق معا. وتعجز كذلك عن إدارة وقيادة حوار مجتمعي شامل حول دستور جديد، والذي يشكل أهم شعاراتها، يصبح من المشروع التساؤل علامَّ تعتمد المعارضة في تحقيق برنامجها الإصلاحي؟ هذا السؤال كان محور مداولات صالون بن رشد الذي نظمه مركز القاهرة في 31 يناير 2005، وربما تكتسب الإجابات عليه أهمية أكبر من بعد قبول الحكم إجراء انتخابات رئيسية على أساس تعددي وتشبثه ذات الوقت بعدم الاستجابة لكافة المطالب الإصلاحية المترابطة.
وقد استهل بهي الدين حسن مدير المركز المداولات بالإشارة إلى التوقعات التي تؤكد أن العام الجاري 2005 سيكون عاما ساخنا جدا من الناحية السياسية، حيث ستشهد مصر في هذا العام إجراء انتخابات مجلس الشعب وانتهاء الولاية الرابعة للرئيس مبارك إلى جانب ما تشهده البلاد منذ شهور من تحركات ديناميكية غير مسبوقة بالنسبة لجماعات المعارضة فيما يختص بمطالب الإصلاح وتزايد الصوت النقدي تجاه الوضع السياسي الحالي.
وتساءل بهي عن التكتيكات التي تعتزم جماعات المعارضة هذه –سواء من الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني أو التجمعات السياسية المختلفة المطالبة بالتغيير- اتباعها للوصول إلى تحقق أهدافها خاصة في ظل ما تشكو منه الأحزاب من الافتقار للقاعدة السياسية القوية وضعفها الكبير، إلى جانب حداثة عمر الجماعات السياسية الأخرى المطالبة بالتغيير رغم خبرة مكوناتها الطويلة في العمل السياسي إلى جانب احتكار الحزب الحاكم لكل إمكانيات الدولة على مدار عدة عقود في خدمة مصالحه وتحقيق سيطرته على مقاليد الأمور.
فيما أشار أحمد سيف الإسلام حمد مدير مركز هشام مبارك للقانون وعضو الحملة الشعبية المصرية من أجل التغيير إلى المتغيرات التي شهدها المجتمع المصري منذ عام 2000، مدللا على ذلك بالمشاركات الجماهيرية الواسعة في المظاهرات الداعمة للانتفاضة الفلسطينية وكذلك المظاهرات الرافضة للاحتلال الأمريكي للعراق، ووجه سيف الإسلام هجوما حادا على النخبة المصرية وقال إنها تخلت عن دورها وخانت جماهيرها وأن الرهان يجب أن يكون على تزايد المشاركات الجماهيرية المحدودة حاليا في حالة امتلاك جزء من النخبة للشجاعة الكافية لدخول معركة تحرير الشعب المصري وأن يكون لدى هذا الجزء الاستعداد لدفع الثمن لتحقيق الإصلاح والديمقراطية.
واعتبر سيف الإسلام أن المعركة الهامة التي يجب الحشد لها في الفترة القادمة هى ما وصفه بمعركة تحرير النقابات المهنية والبدء بالمعارك المقبلة في نقابات الصحفيين والمحامين والمهندسين.
وأشار أمين إسكندر القيادي بحركة الكرامة “تحت التأسيس” وعضو الحركة المصرية من أجل التغيير إلى أهمية وجود نخبة تتمتع بالمصداقية لقيادة حركة الجماهير المطالبة بالتغيير وضرورة أن تكف أحزاب المعارضة عن مغازلة النظام الحاكم، موضحا سعي الحركة المصرية من أجل التغيير من أجل إقناع شخصية وطنية تتمتع بالمصداقية للدفع بها لإدارة معركة على منصب رئيس الجمهورية. وقال اسكندر إن الحركة تسعى من وراء هذه التحركات إلى بناء كتلة للتغيير في المجتمع المصري واستقطاب قطاعات كبيرة من المواطنين إلى الحركة المطالبة بالتغيير.
وأكد إسكندر أن التغيير في مصر يبدأ بتعديل الدستور وإلغاء المواد الخاصة بطريقة اختيار رئيس الجمهورية بنظام الاستفتاء، وكذلك المواد الخاصة بالصلاحيات الممنوحة للرئيس.
غياب
على الجانب الآخر أكد حسين عبد الرازق أمين عام حزب التجمع ومقرر لجنة الدفاع عن الديمقراطية، أن هناك غياباً لدى الشارع المصري عن العمل السياسي مرجعا ذلك إلى العمل بقانون الطوارئ طوال الربع قرن الأخير وانتشار التعذيب في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز إلى جانب تزوير الانتخابات المختلفة، مؤكدا أن هذه العوامل وغيرها أدت إلى أن يدير المواطن المصري ظهره للعمل السياسي طوال السنوات الماضية.
وأشار عبد الرازق إلى أن أحزاب المعارضة تعمل في ظل ظروف غير طبيعية كالحصار الأمني لأنشطتها والحصار الاقتصادي لمواردها، لكنه أشار إلى أن الأحزاب تتحمل جزءا من المسئولية عن وضع العمل السياسي الحالي في مصر.
وحذر عبد الرازق من أن الهجوم على الأحزاب من شأنه أن يصب في خانة دعم نظام حكم الحزب الواحد، وهو النظام القائم في مصر حاليا، ولكنه في “إطار تعددي”.
وأكد عبد الرازق إمكانية وجود تنسيق كبير بين الأحزاب السياسية والحركات والتجمعات المطالبة بالإصلاح والتغيير بشرط ألا يتخذ كل منهما من الآخر عدوا له، مشيرا في ذلك إلى تجربة التنسيق بين الأحزاب وحركة حقوق الإنسان والتي تمت بعد سنوات طويلة من الشك والعداء بين الطرفين، وأشار عبد الرازق إلى أن وجود مرشح منافس على منصب رئيس الجمهورية مغرية، لكنها تحتاج إلى وجود شخصية قومية معروفة مؤكدا أن تحقيق ذلك صعب في الوقت الحالي في ظل الاحتكار الكامل من الحزب الحاكم لأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة وللصحف القومية.
أضاف عبد الرازق قائلا إن لجنة الدفاع عن الديمقراطية قدمت برنامجا مختصرا للإصلاح وقع عليه رؤساء أحزاب التجمع والوفد والناصري والعمل وذلك في عام 2003، حيث قامت اللجنة بجمع مئات التوقيعات المؤيدة لهذا البرنامج.
وحول ما يتردد عن عقد بعض الأحزاب صفقات مع النظام الحاكم قال عبد الرازق إن الصفقة ليست شيئا معيبا وأن جزءا من عمل المعارضة يتضمن التعامل مع الدولة، سواء بالاحتجاج أو الإدانة أو الرفض وأيضا بمحاولة تحقيق مكاسب، مشيرا إلى أن الأحزاب لا تعمل في جزيرة منعزلة، موضحا أن الأحزاب لا تدعي أنها تريد القيام بثورة وإنما هى نشأت في ظل أوضاع قانونية معينة وتلتزم بالدستور والقوانين القائمة وتسعى لتغييرها بالوسائل الديمقراطية.
على الجانب الآخر أشار الدكتور جمال عبد الجواد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى الظروف الدولية التي تحيط بالمنطقة العربية التي كادت أن تصبح “رجل العالم المريض” في ظل استعصائها على التغيير منذ عقود طويلة، مشيرا إلى أن العالم أصبح مهتما بتغيير وإصلاح هذه المنطقة إلى جانب أن قضية الإصلاح أصبحت مطروحة على ساحة الجدل العام في داخل المنطقة، ولها أولوية عما كانت عليه قبل سنوات، مضيفا أن هذه المساحة أصبحت تتمتع بقدر من الحماية بسبب اهتمام العالم بهذه القضية حتى صار هناك تسامح نسبي من قبل الدولة تجاه عبور البعض لما يسمى بالخطوط الحمراء، وأوضح أن نخبة الحكم المصرية نفسها أصبحت تواجه تيارات مختلفة داخلها بشأن كيفية التعامل مع قضية الإصلاح وتباين بين هذه التيارات تجاه القضية.
وقال عبد الجواد إن مهنة الحكم ليست ضمن المهن التي يمارسها المصريون وأن الأمة المصرية يغيب عن تراثها “الحكم” في ظل تعرضها لأكثر من 2500 عام لحكام لا ينتمون إليها، مشيرا إلى أن الفترة من عام 1919 حتى 1952 لم تكن كافية للتغلب على هذا الموروث، رغم ما شهدته هذه الفترة من نزول الجماهير للشارع.
وعبر عبد الجواد عن تشاؤمه بشأن مشاركة الجماهير في الفترة الحالية وقال إن انتظار الجماهير الآن هو نوع من انتظار الذي لا يأتي مطالبا النخبة المصرية بفتح حوار فيما بينها وعدم اختزال الأمور في الشعارات –حسب وصفه- أو تقديم الأمور بطريقة تبسيطية وعدم التوقف عند مجرد التحريض ضد الحكم.
وأكد عبد الجواد ضرورة الإقبال على الجولة الحالية للحوار بين الحزب الوطني والمعارضة بروح مختلفة في ظل اختلاف الظروف الدولية مؤكدا أن دخول المعارضة للحوار بهذه الروح ربما يؤدي إلى تحقيق بعض التقدم، أما دخولها الحوار بعد إصدار حكم مسبق عليه بالفشل فإن الأفضل منه هو عدم الدخول فيه وخلق أوهام لدى الجمهور، قال عبد الجواد: صحيح أن هذه هى المرة الخامسة للحوار، ولكن ربما لأنها تأتي في ظروف مختلفة دوليا هو ما سيجعل الحوار مختلفا هذه المرة، مشيرا إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون كل ما هو ضد الحكومة صحيحا ومحذرا من أن اختلاط الخطاب وغموضه حول المطلوب بالضبط لا يؤدي إلى تحقيق الهدف المطلوب في كثير من الأحيان.
تحالفات
وعقب بهي الدين حسن مجددا بالتأكيد على مشروعية المطالب والأهداف التي تسعى جماعات المعارضة المختلفة لتحقيقها، لكنه أشار إلى أن التساؤل يدور حول “المعضلات” التي ستقوض إمكانية تحقيق مثل هذه المطالب، خاصة فيما يتعلق بتغيير طريقة اختيار رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن ما طرحه سيف الإسلام حمد عن معركة تحرير النقابات المهنية ودورها في معركة التغيير يقابله سؤال حول التعامل مع النقابات، وهل يتم التعامل معها ككتلة واحدة، خاصة وأنها تضم في صفوفها تيارات سياسية مختلفة وبعضها كجماعة الإخوان المسلمين قدم ما يشبه المبايعة للنظام الحالي.
تساءل بهي معقبا على طرح “التحالف الجماهيري الواسع”: هل يمكن القول أن هناك تحالفاً جماهيريا واسعا مستعدا للنشأة والتوحد على أهداف ذات طابع صدامي عالٍ؟ وعما إذا كان ممكنا الحديث عن وجود حركة سياسية منظمة في الشارع المصري في الأفق يمكن أن تشكل في المدى المنظور مجرد ند للحزب الحاكم؟!
دعم
ومن خلال التعقيبات الختامية أشار سيف الإسلام حمد إلى الدعم الواسع الذي قدمته قطاعات مختلفة بالمجتمع المصري للانتفاضة الفلسطينية في عام 2000 وهو ما ظهر في مظاهرات تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والدعم الواسع لقوافل المعونات التي كانت تقدم للشعب الفلسطيني. وقال سيف إن هناك تشوقا لدى الجمهور لقيادة جديدة معبرا عن تفاؤله بأن مصر في السنوات القادمة لن تكون كما هى الآن وسيحدث تغيير جوهري بها.
حملة تشويه
قال إسكندر إن هناك من المثقفين على مر تاريخ مصر ممن كانوا يرون بأن الدخول في دهاليز السلطة يحسّن من أدائها، مشيرا إلى أن ما يتم ترويجه في المنطقة العربية حاليا هو مشروع ليبرالي منفصل عن قضايا الوطن، ودعا إسكندر إلى عدم عزل جماعة الإخوان المسلمين مشيرا إلى نجاحها في العمل في الشارع.
وأكد حسين عبد الرازق أن الحركات الشعبية ليست البديل للأحزاب السياسية وليست الأكثر انتشارا منها مدللا على ذلك بحضور 30 ألف من أعضاء حزب التجمع لمؤتمره الخامس الأخير، وقال عبد الرازق إنه فيما يتعلق بالديمقراطية داخل الأحزاب، فإن هناك فرقا بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب مدللا على ذلك بأن فرانسوا ميتران ظل رئيسا للحزب الاشتراكي الفرنسي لمدة ربع قرن رغم أنه انتخب رئيسا لمدتين فقط.
Share this Post