عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في 5 فبراير 2007 ،ندوة في إطار صالون ابن رشد، بعنوان: “هل يمكن ضمان نزاهة الانتخابات بإلغاء الإشراف القضائي عليها؟”. شارك فيها كل من الدكتور محمد البلتاجي الأمين العام للكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين، والمستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق والرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للقضاء، وقد تولى إدارة الندوة بهي الدين حسن مدير المركز.
في بداية كلمته رفض الدكتور محمد البلتاجي إطلاق لفظ التعديلات على ما سيتم إدخاله من تغييرات على الدستور وقال إنها تشويهات دستورية وليست تعديلات كما يطلق عليها البعض، مشيرًا إلى أن هذه التعديلات سوف تخلق حالة من الفوضى الدستورية؛ وذلك نظرًا لتعارضها مع الكثير من نصوص الدستور الحالي، وتعارضها أيضًا مع مطالب الشعب المصري في إصلاح سياسي ودستوري حقيقي.
وقال إن التغييرات الدستورية تتلخص في مجملها في ثلاثة عناوين كبرى، وهي “دسترة التزوير لأية انتخابات قادمة “، و”دسترة الطوارئ “، و” دسترة الإقصاء والنفي” للقوى الفاعلة في المجتمع، وفي قلبها جماعة الإخوان المسلمين، مضيفًا أن هذه التغييرات تشكِّل خطرًا حقيقيًّا على مستقبل الوطن وعلى جميع المواطنين.
وأكد البلتاجي أن تبني الحزب الحاكم لإلغاء نص المادة 88 من الدستور- والتي تكفل الإشراف القضائي علي الانتخابات – في التعديلات الدستورية المطروحة يأتي رغبة من الحزب الوطني في إبعاد القضاة عن المشاركة في الشأن العام وعقابا لهم وانتقاما منهم علي فضحهم عمليات التزوير التي شهدتها الانتخابات الأخيرة لصالح مرشحيه إلي جانب تمسكهم باستقلال سلطتهم القضائية، محذرا من أن هذا الطرح الاقصائي يصيب مستقبل البلاد بخطر شديد.
واتهم البلتاجي الحزب الوطني بأنه يسعى إلي إقصاء جماعة الأخوان المسلمين من أية منافسة انتخابية قادمة، بعد النجاح الذي أحرزته الجماعة في الانتخابات النيابية الأخيرة، إلي جانب سعيه إلي تزوير أية انتخابات قادمة بدون أن يكون هناك أي شهود علي هذا التزوير، بعد فضح القضاة لتجاوزات الانتخابات الأخيرة، مستنكرا تبني التعديلات المطروحة إجراء الانتخابات في يوم واحد بدعوى ضمان التكافؤ في فرص الدعاية بين المرشحين، رافضا إنشاء لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات حيث تؤكد السوابق الماضية على عدم حيادية مثل هذه اللجان.
وطالب البلتاجي بأن تتم التعديلات الدستورية في مناخ سياسي متوازن، رافضًا أن تتم في ظل ما وصفه بحالة الخلل السياسي الذي يعيشه المجتمع المصري حاليًا، الناتج من توغُّل السلطة التنفيذية في شئون السلطات الأخرى، التي لا تتمتع باستقلالية كاملة، مشيرا إلى أن تعديل الدساتير في معظم دول العالم يتم في أجواء متوازنة، حتى يكون هناك ضمانة بأن تلبي التعديلات حاجة المجتمع باختلاف توجهاته، إلا أن الوضع الحالي في مصر لا يبشر بالخير بعد السيطرة شبه كاملة للسلطة التنفيذية بشكل عام، والسلطة الأمنية بشكل خاص، على مجريات الأمور وصناعة القرار، وقد بدا هذا مؤخرًا في الاعتداء الذي جرى على حقوق الشعب في الانتخابات الطلابية والعمالية وغيرهما.
كما أكد البلتاجي على كون القضاء حجرة عثرة رئيسية ضد التزوير ومحاولات الاستبداد السياسي بمصر، حيث يريد الحزب الوطني الانتقام من القضاة الذين تصدوا للتزوير بل وفضحوه كما يريد تنحيتهم عن الشأن العام وبالتالي ينهي مشكلته التنافسية التي ظهرت جلية في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
فيما أكد المستشار عادل قورة أن التعديلات الدستورية المطروحة لا تخل من ايجابيات، خاصة فيما يتعلق بالنواحي الاقتصادية وتوازن السلطات في البلاد وإعطاء المزيد من الصلاحيات للسلطة التشريعية، مشيرا إلي أن حكم الدستورية العليا في يوليو 2000 يلزم بالإشراف القضائي علي عمليات الاقتراع حتى إعلان النتائج الانتخابية.
نفي قورة ما نسبته إليه بعض الصحف من أنه اعتبر أن من عيوب الانتخابات الماضية إشراف القضاة عليها، وشدد علي أن القضاة كانوا من وسائل ضبط الانتخابات السابقة، لكنه أشار في نفس الوقت إلي أن الإشراف القضائي علي الانتخابات يشكل عبئا إضافيًا علي القضاة، ويمثل إرهاقا لهم، وقال أن إلغاء هذا الإشراف يستوجب إيجاد بديل له، بشرط تحقيق الاستقلال والحيدة والكفاية في السيطرة علي اللجان الانتخابية الفرعية، مشيرا إلي أن منظمات المجتمع المدني سيكون عليها عبء كبير في هذه الحالة في متابعة ورصد ما يجري بالانتخابات، ودعا قورة إلي تفعيل دور محكمة النقض في إقرار صحة عضوية نواب البرلمان، منتقدا عدم احترام قرارات المحكمة في هذا الشأن وإخضاعها لقرار البرلمان وقال أن عدم تنفيذ أحكام محكمة النقض، وهي المحكمة الأعلى في البلاد، يتعارض مع النص الدستوري القاضي بحجية الأحكام القضائية.
وتساءل بهي الدين حسن قائلاً: إذا كانت نسبة المشاركة كانت ضعيفة في ظل الإشراف القضائي فما هو الحال إذا تم إلغاء هذا الإشراف ؟. مؤكدًا في ذات الوقت على أن قدرة منظمات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات ستتراجع إذا ما تم إجراؤها في يوم واحد حيث لن تتمكن من التغطية لكافة دوائر الجمهورية.
وتناول حسن بالنقد الرأي الذي يتحدث عن تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وقال إن الجميع يؤكد أن كل ما قيل من قبل عن هيئة مستقلة لم ينتج أي هيئة تتمتع باستقلال حقيقي، فيما قدّمت العديد من الطعون على الهيئة التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية السابقة، والتي بعد تعيين المشرف عليها وزيرًا للعدل وكأنه مكافأة على ما قام به في هذه الانتخابات!
Share this Post