عرفت سوريا ظاهرة الاعتقال السياسي في فترات مختلفة من تاريخها الحديث ما بعد الاستقلال، لكن هذه الظاهرة لم تتخذ منحى ممنهجا ومنتظما قبل مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، الذي شهد للمرة الأولى اعتقال آلاف السوريين من مختلف التيارات والانتماءات. واستمر الوضع على ما هو عليه حتى نهاية العقد الذي شهد القضاء على جميع أشكال الحراك المجتمعي المستقل. إلا أن تلك المرحلة مهدت للمرحلة التي ستليها موسومة بتغييب سلطة القانون لصالح القوانين الاستثنائية السارية منذ أو بعيد إعلان حالة الطوارئ عام 1963، وتكريس سياسة الحزب الواحد التي نص عليها دستور عام 1973 في مادته الثامنة، ومصادرة المجال العام بأبعاده كافة، وهي جميعا أمور جعلت من استمرار ممارسة الاعتقال التعسفي أمرا حتميا ومستمرا حتى اللحظة. مع اختلاف نسبي في ظروف الاعتقال والمستهدفين به. فإن انصبت اعتقالات العهد القديم على كوادر الأحزاب السياسية الناشطة بفعالية تلك الفترة ، فإنها قد استهدفت أساسا منذ عام 2001 المثقفين والنشطاء المستقلين الذين شكلوا بطبيعة الحال محور الحراك الناشئ.
Share this Post