ضمت الدورة الطلابية الصيفية الرابعة عشر لحقوق الإنسان، والتي ينظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 42 مشاركا حريصين على معرفة وفهم قضايا حقوق الإنسان الراهنة التي تحدث دولياً وإقليمياً ومحلياً. وقد تألف المشاركون بالأساس من طلاب الجامعات المصرية مع عدد قليل من الخريجين والطلاب الأجانب؛ اختيروا من بين 250 متقدم والذين سمعوا بهذه المدرسة من خلال ملتقى التوظيف بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وإعلانات في بعض المنظمات غير الحكومية، ومن مشاركين سابقين. ولأول مرة، شارك في البرنامج مصريون بهائيون، الأمر الذي ساعد على كسر بعض الصور النمطية المحلية عن العقيدة البهائية ومعتنقيها، كما أضفى ذلك منظوراً فريداً لمختلف الحوارات بشأن الحقوق المدنية والدينية هنا في مصر.
شهد البرنامج تحولا عن الثلاثة عشر دورة السابقة من نظام المحاضرات إلى أنشطة أكثر فاعلية، حيث تكوَّن كل يوم من محاضرتين ونشاطين. جمعت الأنشطة بين المشاركين لمشاهدة الأفلام والتعبير عن الآراء والأفكار حول الموضوعات المختلفة عن طريق الفن (الرسم ، المسرح)، ومجموعات المناقشة، وحملة الجماعات (حيث كانوا يعملون كفريق واحد لبناء الحملات ضد مختلف الانتهاكات والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان مثل ختان الإناث وتسجيل الدين على بطاقات الهوية).
قامت الدورة التدريبية التي استمرت 18 يوما ، بتغطية مجموعة مختلفة من قضايا حقوق الإنسان، بدئا بمقدمة واسعة لحقوق الإنسان وماهيتها. خلال الأيام التي تلت، تم التركيز على حقوق بعينها وأمثلة متعلقة بها داخل مصر، مثل التمييز والعنصرية… فقد قاموا بدراسة الارتداد والتقهقر في سياسات مصر الاجتماعية المتعلقة بالتسامح في السنوات العشرين الأخيرة. في اليوم الثالث، استمعوا إلى محاضرة عن دور الشباب في تعزيز مبدأ المواطنة، و كفل وجود المشاركين البهائيين إضافة مباشرة للمناقشات. تم أيضا مناقشة التعذيب وسلامة الإنسان ومدى انتهاكات حقوق الإنسان في السجون المصرية، ثم حقوق المرأة ودور المجتمع في العنف ضد المرأة. كما تم تعليمهم كيفية الدعوة والعمل اللا عنفي، ومعنى استقلال الجامعات واتحادات الطلاب ، والحركات الاجتماعية الجديدة في مصر. كما تم أيضا شرح قانون حقوق الإنسان، والآليات الدولية والإقليمية لحماية هذه الحقوق، و دور النظام القضائي في المشاركة في حماية حقوق الإنسان. تعرف المشاركين أيضاً على انتهاكات بعينها لحقوق الإنسان في دارفور بالسودان، وعلاقة وسائل الإعلام بحقوق الإنسان.
قامت الدورة بتعريفهم –للمرة الأولى- على ما تفعله منظمات حقوق الإنسان من يوم إلى آخر. فقد قاموا بجولة أمضوا خلالها وقتاً في مكاتب منظمات حقوق إنسان كمركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضه العنف، و مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز مساعدة السجناء وغيرهم.
كانت الأنشطة مصممة لتيسر التوصل إلى فهم أعمق لحقوق الإنسان والتحيز الخاص داخل كلٍ منّا. بدأ الأسبوع بنشاط يناقش أهمية الكرامة الإنسانية والحاجة إلى أن يكون الجميع موضوعيون؛ فقد قام المشاركون بصنع جوازات سفر لأحدهم الآخر زعماً بأنهم من ’كوكب آخر’ حتى يمكنهم مجازياً التخلي عن العمليات الفكرية المقيدة الخاصة بالدولة. وبحلول اليوم الثالث، تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين حيث تم توجيههم لبناء جدران منزل أو سقف (من ورق الجرائد والأشرطة اللاصقة). هذا النشاط أظهر لهم حاجتهم لبعضهم البعض وأهمية الاتصال الجيد من أجل النجاح في حل المشكلات.
كما طُلب من أربعة مشاركين أن يحكوا عن أي انتهاك لحقوق الإنسان كانوا قد شهدوه من قبل، إلا أن التفاعل كان شديدا في اليوم التالي حيث تبادل المشاركون حكايات شهدوها أو كانوا ضحيتها أو كانوا حتى مرتكبي هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان في جو من التسامح والمناقشة. وقد ناقشوا فكرة الإرهاب مقابل فكرة الدفاع عن الوطن والمنطقة الرمادية الكائنة بينهما، مع الإشارة إلى حزب الله كمثال محدد. من خلال هذا تعلموا فن الاستماع والمناقشة دون اتهام، كما شاهدوا أفلاما سلطت الضوء على مختلف الموضوعات مثل فيلم ’بداية’ حول الفرق بين الديمقراطية والديكتاتورية، وفيلم ’الحدود’ حول الحدود العقلية والحقيقية بين دول العالم العربي وفيلم ’وراء الشمس’ المثير للجدل حول التعذيب في السجون المصرية. وأخيرا، عملوا بشكل جماعي على مدى يومين على إقامة حملة من أجل اتحادات الجامعات وحقوق الطلاب والتعديل المقترح لميثاق الطلاب بمصر. وقد قدموا النتائج التي توصلوا إليها لاثنين من رواد مصر المستقلين في مجال حقوق الطلاب وهم السيدة ليلى سويف والسيد عماد مبارك، الذين قدما نصائح بشأن سبل تحسين مثل تلك الحملات. وقد قدمت لهم الأنشطة فرصة التعلم واكتساب المهارات بشكل مباشر والتي عززت المعلومات التي قُدمت لهم خلال المحاضرات.
في نهاية الثمانية عشر يوما كان المشاركين قد اكتسبوا معرفة واسعة بحقوق الإنسان، وفهموا أهميتها وقيمتها، واكتسبوا مهارات الخروج والتصدي للتحديات من انتهاكات حقوق الإنسان في المجتمع، وعلى وجه التحديد، أكثر من نصفهم ذهب إلى المحكمة العليا من أجل دعم أسرة بهائية في معركتها وذلك بعد انتهاء برنامج الدورة بيوم. كما نظموا اليوم العالمي للسلام الذي عقد في الحادي والعشرين من سبتمبر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان؛ و بدءوا العمل على نشرة أنباء من تنظيمهم وتأليفهم وتوزيعهم بشكل جماعي.
كان نجاح هذه الدورة منقطع النظير. فقد تعلم الطلاب الكثير ووضعوا ما تعلموه قيد التنفيذ حيث تحدوا مفاهيمهم القديمة عن العالم وحقوق الإنسان وأصبحوا أكثر إدراكا للتحديات التي تواجه مصر في التغلب على انتهاكات حقوق الإنسان والمهارات التي ينبغي توافرها من أجل التصدي لها.
إلى المئات من الشباب الذين شاركوا في الدورة الطلابية الصيفية الرابعة عشر لحقوق الإنسان، والتي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والى المئات الذين سيشاركون في السنوات المقبلة… نود أن نقول: “أنها ليست مجرد 18 يوماً، إنها حياةً كاملة”.
Share this Post