يتابع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (بلبنان) بمزيد من القلق والانزعاج الشديدين، الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في لبنان، جراء العدوان الاسرائيلي المتواصل منذ نحو شهر على الأراضي اللبنانية، واتباع سياسة العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين. على الجانب اللبناني سقط ضحية النزاع منذ اندلاعه ما يزيد عن 1000 قتيل معظمهم من المدنيين، وأصيب الآلاف بجروح، وتعرض نحو مليون مدني للنزوح واللجوء في أوضاع إنسانية بالغة القسوة والسوء. في حين سقط على الجانب الإسرائيلي عدة عشرات من القتلى من المدنيين بالإضافة لعشرات الجرحى.
استهدفت الهجمات التي شنتها إسرائيل تدمير البنية التحتية اللبنانية ، حيث تم قصف مطار بيروت الدولي وعدة مطارات أخرى، ومحطة الكهرباء، والجسور والطرق البرية، والقرى والأحياء المأهولة بالسكان، وقوافل الشاحنات التي تحمل إمدادات الأدوية والغذاء، وسيارات الصليب الأحمر اللبناني، وقوافل السيارات التي تحمل النازحين من جنوب لبنان، ومبنى قناة المنار الإخبارية التابعة لحزب الله. كما سقط عدد من المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة ضحايا للقصف الإسرائيلي. وقد أدى الاستهداف المتكرر و المنهجي للمدنيين من قِبَل آلة الحرب الإسرائيلية إلى وقوع عدد من المجازر المروِّعة أبرزها مجزرة قانا الثانية التي سقط فيها 54 قتيلاً نصفهم من الأطفال.
من ناحية أخرى فقد تعرض في اسرائيل عدد من المعاهد التعليمية والطبية، وأحد المستشفيات ومحطة للقطارات وعدد من المنازل إلى الضرر، جراء هجمات الصواريخ التي تطلقها جماعة حزب الله، وقد أدت هذه الهجمات إلى سقوط عشرات القتلى من المدنيين الإسرائيليين (اليهود والعرب) وإصابة آخرين بجروح.
إن من قبيل تبسيط الأمور اختزال جوهر المشكلة في تاريخ بداية الاشتباكات المسلحة بين حزب الله والقوات الاسرائيلية في 12 يوليو 2006، أو حتى إرجاعها لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا. إن جذور الأزمة تكمن في الفشل المزمن للمجتمع الدولي على مدار نحو نصف قرن في إحلال سلام عادل وشامل للمسألة الفلسطينية، وإنفاذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وفلسطين وسوريا، والحرص الانتقائي على تنفيذ قرارات دون الأخرى، مثلما يبدو واضحاً في الحرص على تطبيق قرار مجلس الأمن الهام رقم 1559 الخاص بلبنان، وفي المقابل غياب الإرادة السياسية الدولية الضرورية لإلزام إسرائيل بتنفيذ باقي القرارت ذات الصلة بجوهر الصراع العربي الإسرائيلي، مثل قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر منذ نحو أربعة عقود.
من الضروري أن يدرك المجتمع الدولي أن أسباب انعدام الاستقرار وتفشي العنف والإرهاب في المنطقة لا ينبع فقط من غياب الديمقراطية والتنمية، ولكن أيضا نتيجة الشعور المتفاقم بالظلم جراء سياسة ازدواجية المعايير، وصمت المجتمع الدولي عن جرائم إسرائيل المتواصلة في حق الشعوب العربية، على مدار نحو نصف قرن، فضلاً عن غياب محاسبة جادة لسجل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني على مدار 4 عقود، رغم أن هذه الانتهاكات توثقها تقارير مقرري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وجرت مناقشتها في الاجتماعات السنوية للجنة حقوق الإنسان.
في هذا الإطار يقترح مركز القاهرة والمنظمة الفلسطينية على مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اجتماعه التوصيات التالية:
• دعوة مجلس الأمن لإصدار قرار بالوقف الفوري لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان، وتمكين الجيش اللبناني من بسط سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وتعزيز قوات الأمم المتحدة العاملة هناك.
• إلى حين ذلك، دعوة أطراف النزاع لعدم استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، والتوقف عن اتباع سياسة العقاب الجماعي.
• دعوة مجلس الأمن لفرض حظر على تصدير ونقل الأسلحة والذخائر المستخدمة في انتهاك القانون الدولي الإنساني في هذا النزاع.
• حث إسرائيل على تمكين منظمات الإغاثة اللبنانية والدولية من ممارسة دورها الإنساني، وعدم التعرض لقوات الأمم المتحدة.
• الإفراج عن كافة المعتقلين والمحتجزين تعسفيا لدى كل الأطراف.
• حث كل أطراف المجتمع الدولي على تعبئة وحشد الموارد المالية والمساعدات الإنسانية للنازحين واللاجئين اللبنانين بشكل عاجل، ومساعدة الدول المستضيفة لهم مؤقتا على توفير الاحتياجات الإنسانية لهم.
• إيفاد بعثة لتقصي الحقائق تتكون من المقررين الخاصين لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ذوي الصلة، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت منذ 12 يوليو 2006، بما في ذلك جرائم الحرب المرتكبة، وإحالة ما يتعلق بهذه الجرائم إلى مجلس الأمن لاتخاذ كافة الإجراءات للملاحقة القضائية لمرتكبيها.
Share this Post