في دراسة ميدانية لمركز القاهرة
• أجهزة الأمن تمارس سطوتها على العمل الأهلي تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي
• الضغوط القانونية تشكل عائقا أمام المبادرات الشعبية لنصرة حقوق الشعوب العربية
• قوانين الجمعيات في لبنان والمغرب وفلسطين أقل تسلطا من القانون المصري
بيان صحفي
حذر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان من اتجاه الحكومة المصرية إلى فرض مزيد من القيود المكبلة للعمل الأهلي، عبر التوجهات الرامية لتعديل قانون الجمعيات الحالي، الذي يكرس فعليا مختلف أشكال الهيمنة والوصاية الحكومية على العمل الأهلي. وأشار المركز في هذا السياق إلى أن فرص تحرير العمل الأهلي تقتضي إحداث قطيعة شاملة مع فلسفة الهيمنة والوصاية التي يحفل بها القانون الحالي، وتبني مشروع قانون بديل ينطلق من المعايير الدولية ومبادئ العمل الأهلي، التي تضمن حرية واستقلال العمل الأهلي.
جاء ذلك من خلال الدراسة القانونية والميدانية التي أصدرها المركز تحت عنوان: “نحو قانون ديمقراطي لتحرير العمل الأهلي”.
ويؤكد مركز القاهرة أن الضغوط التي تحاصر العمل الأهلي بموجب القانون، أو بالمخالفة لأحكامه يتبدى واحدا من أبرز تأثيراتها الفادحة، فيما يلمسه كثيرون من عجز قطاعات واسعة من المصريين عن نظم مبادراتهم المستقلة لنصرة الحقوق الجماعية للشعوب العربية. ولا يبدو غريبا في هذا السياق أن التظاهرات الحاشدة للاحتجاج على المجازر الإسرائيلية في غزة انطلقت بالدرجة الأولى من البلدان التي يحظى فيها نشطاء المجتمع المدني بمساحات واسعة للتعبير والتنظيم، مثلما لا يبدو غريبا في هذا السياق أن المبادرات الشعبية المصرية التي انطلقت عبر عدة سنوات لمناصرة الشعب الفلسطيني، نأت بنفسها عن التسجيل في إطار قانون كفيل بإجهاض مختلف مبادراتها في تقديم الدعم الإنساني المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني.
وقد أكدت الدراسة أن التوجهات الرسمية المعلنة لتعديل القانون تأتي في لحظة خاصة تشهد فيها البلاد نزوعا متزايدا لقمع حريات التعبير والتنظيم ومختلف أشكال الحراك السياسي والاجتماعي، مضيفة أنه لا يخلو من دلالة في هذا السياق أن الدفع باتجاه تعديل القانون قد اقترن لأول مرة منذ بروز منظمات حقوق الإنسان بإغلاق أو حل منظمتين حقوقيتين بصورة تعسفية، وهو ما أكدته أحكام القضاء الإداري بعد نحو عام أو يزيد من اتخاذ هذه الإجراءات.
وأشارت الدراسة إلى أن القانون الحالي لا يجافي وحسب المعايير الدولية التي تحمي حرية تكوين الجمعيات، بل أن العديد من التشريعات العربية المنظمة للعمل الأهلي، وبخاصة في لبنان وفلسطين والمغرب تظهر ميلا أكثر للتخفف من القيود الهائلة التي يحفل بها التشريع المصري، سواء فيما يتعلق بإجراءات التأسيس، أو فيما يتعلق بالتدخلات التعسفية من قبل جهة الإدارة في الإدارة الداخلية للمنظمات غير الحكومية، أو فيما يتعلق بحق الجمعيات في تنمية مواردها عبر التبرعات أو المنح الخارجية، أو فيما يتعلق بحق الجمعيات في بناء التحالفات أو إقامة الشبكات والاتحادات بإرادتها المستقلة، فضلا عن حقها في الانضمام إلى شبكات أو منظمات دولية أو إقليمية.
ولاحظت الدراسة التي اعتمدت في جانبها الميداني على مقابلات مع 60 جمعية أهلية في سبع محافظات مصرية، أن الغالبية العظمى من هذه الجمعيات قد تحفظت من حيث المبدأ على أن يرد اسمها في هذه الدراسة، وهو ما يعد في حد ذاته كاشفا لما تستشعره هذه الجمعيات من وطأة الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها عبر الصلاحيات الواسعة التي تحكم من خلالها جهة الإدارة قبضتها على أية جمعية تغضب عليها، سواء من خلال الاعتراض على قرارات مجلس إدارة الجمعية أو المماطلة في إجازة مشروعات أنشطتها، أو حجب الموافقة على تمويلها، أو إخضاع الجمعية للتفتيش المالي والإداري، الذي يمكن أن يمتد لشهور، ناهيك عن فرص اتخاذ قرار بحل الجمعية وتصفيتها وتنفيذه، دون انتظار لحكم القضاء في مشروعية هذا القرار.
وكشفت الدراسة الميدانية أن الجهة الإدارية ممثلة في وزارة التضامن الاجتماعي ومديرياتها بالمحافظات المختلفة، باتت غطاء فعلي تفرض من خلاله أجهزة الأمن كلمتها العليا، سواء في الترخيص للجمعيات، أو في الاعتراض على بعض المؤسسين أو المرشحين لهيئاتها القيادية، كما يظهر هذا الدور الأمني المتزايد حتى فيما يتعلق بالموافقة على المنح الخارجية، رغم أن القانون قد حصر صلاحية الموافقة على التمويل الخارجي في يد وزير التضامن الاجتماعي.
كما أكدت الدراسة الميدانية أنه على الرغم من الصلاحيات الهائلة التي تتمتع بها جهة الإدارة بموجب القانون، فإن التطبيقات العملية للقانون تظهر ليس فقط التعسف في استخدام هذه الصلاحيات، بل أن الجهة الإدارية تغتصب لنفسها مزيدا من الصلاحيات بالمخالفة لأحكام القانون ذاته.
وأشارت الدراسة في هذا السياق إلى أن أحد أوجه مخالفة القانون يتبدى بشكل خاص فيما يتعلق بتلقي المنح الخارجية. فعلى الرغم من أن اللائحة التنفيذية للقانون قد ميزت بين المنح المخصصة من جانب منظمات أجنبية لها مكاتب معتمدة في مصر بموجب اتفاق مع الحكومة، والمنح التي ترد من منظمات ليس لها مكاتب تمثيلية داخل مصر، حيث اكتفت اللائحة بإلزام الجمعية الأهلية بالإخطار في الحالة الأولى. في حين أن وزارة التضامن تلزم الجمعيات بالتقدم بطلب للتحصل على الموافقة من الوزارة، سوءا كانت المنحة من مؤسسات أجنبية ممثلة داخل مصر أم لا.
كما لاحظت الدراسة كذلك نزوع جهة الإدارة لاستدعاء لوائح وقرارات وزارية صادرة منذ السبعينيات تمنحها الحق في التدخل التعسفي في إدارة شئون الجمعية على نحو لا يوفره لها القانون الحالي. كما أن التعليمات التي تصدرها الجهة الإدارية للجمعيات بين الحين والآخر لا تظهر وحسب تدخلا تعسفيا في العمل الأهلي، بل إن بعضها ينطوي على انتهاك صريح لحقوق المواطنين في التنقل والسفر، ولحقوق المواطنين وحقوق الجمعيات في تداول المعلومات وعقد الاجتماعات والتواصل مع محيطها المحلي أو الإقليمي أو الدولي.
ومع أن هذه التعليمات مذيلة باسم مديريات التضامن الاجتماعي، إلا أن الأرجح أنها مملاة من قبل دوائر أمنية، وتذهب هذه التعليمات الرسمية إلى حد إلزام الجمعيات بعدم تقديم أية بيانات أو معلومات لأي جهة قبل الرجوع إلى جهة الإدارة، وإلزام الجمعيات بعدم تلبية أي دعوة أو عقد اجتماعات مع جمعيات أخرى، دون الرجوع لجهة الإدارة.
وقد وصل الأمر في بعض هذه التعليمات حد تحذير الجمعيات من دعوة وفود أجنبية أو عربية أو قبول دعوات من جهات أجنبية أو عربية، من دون الحصول على موافقة أمنية، وأنه يتعين على الجمعية استطلاع رأي هيئة الأمن القومي، وينتهي التعميم بتهديد من الجهة الإدارية –وليس وزارة الداخلية- بأن أي تقصير في هذا الشأن سيقابل بمنتهى الحزم والشدة!!
وقد اختتمت الدراسة بتناول الأسس التي قام عليها مشروع القانون البديل الذي أعده مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والذي حظي إطلاقه بدعم واسع من عدد من المنظمات الحقوقية والمنظمات العضوة في حملة الدفاع عن حرية التنظيم والتحالف المصري لحرية الجمعيات الأهلية.
ويتبنى هذا المشروع البديل الحق في تأسيس الجمعيات بمجرد الإخطار، ولا يمنح الجهة الإدارية صلاحيات تجيز لها الرقابة المسبقة على إشهار الجمعيات، أو على مختلف أوجه عمل الجمعية التي تخضع في مختلف شئونها لسلطة جمعيتها العمومية، فضلا عن المراقبة اللاحقة عبر القضاء.
ويقر المشروع بحق الجمعية في القيام بكل الأنشطة المدرة للأموال، وجمع التبرعات مع الاكتفاء بإخطار جهة الإدارة. كما يقر بحق الجمعية في عقد الاجتماعات العامة داخل أو خارج مقرها، وحقها في إصدار النشرات والمجلات الدورية وحقها في إنشاء فروع أو مكاتب لها. كما يكفل حق الجمعية في الانضمام إلى شبكات أو هيئات خارج مصر، مع الالتزام بإخطار جهة الإدارة.
ولا يتضمن المشروع أية عقوبات جنائية، ويميل إلى التدرج في العقوبات التي يمكن أن توقع على الجمعية بموجب حكم قضائي، ويحظر حل الجمعية إلا بموجب حكم قضائي نهائي.
وينوه مركز القاهرة في هذا الإطار إلى أنه ينظم اليوم ورشة عمل في الخامسة مساء بفندق شبرد، يشارك فيها لفيف من البرلمانيين والحقوقيين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، لحفز الجهود من أجل وضع نهاية لحقبة مصادرة العمل الأهلي، وتبني قانون ديمقراطي يعيد الاعتبار لحرية التنظيم والحق في تكوين الجمعيات.
Share this Post