يدعو تحالف المنظمات الأفريقية من أجل دارفور (ويضم أكثر من أربعين منظمة مجتمع مدني أفريقية) ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمة حقوق الإنسان أولا الدولية (لجنة المحامين من أجل حقوق الإنسان سابقا) مجلس الأمن إلى تحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية بدون المزيد من الإبطاء. إن تحويل المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية سيمنح هذه المحكمة ولاية التحقيق وتوجيه الاتهام في الفظائع والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في الإقليم.
وقد صرح مجدي النعيم، المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – عضو تحالف المنظمات الأفريقية من أجل دارفور – “إن استعادة السلام في دارفور مستحيلة ما لم يقدم المسئولون عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في دارفور إلى العدالة ويتم تعويض الضحايا بشكل مرضٍ”. وقد أكد النعيم أنه” كخطوة أولى يجب السماح للمحكمة الجنائية الدولية باستجواب من تقع عليهم المسئولية الأعظم عن هذه الجرائم وتوجيه الاتهام ضدهم”.
لقد قدمت لجنة التحقيق التي عينتها الأمم المتحدة تقريرها إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي. وقد وجدت اللجنة المكونة من خمسة أعضاء – منهم محمد فائق أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان – أن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب قد ارتكبت في دارفور. وقد وجدت على وجه الخصوص أن قتل المدنيين والتعذيب والاختفاءات القسرية وتدمير القرى والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي و سرقة الممتلكات وإرغام السكان على النزوح القسري قد ارتكبت على نطاق واسع وبشكل منهجي. وقد قدمت اللجنة أيضا إلى الأمين العام للأمم المتحدة قائمة مختومة بالشمع الأحمر بأسماء الأشخاص المشتبه في مسئوليتهم جنائيا عن هذه الانتهاكات وأوصت بضرورة تحويلهم فورا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الرغم من التوصية العاجلة للجنة التحقيق الدولية، فإن المسودة التي وزعت حاليا لقرار مجلس الأمن حول درافور والتي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية لا تنص على تحويل هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية – أو تتيح أي آلية معقولة لمحاسبة سريعة للمسئولين عما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بـ “جهنم على الأرض”.
وقد صرح جون ستومبر المسئول في برنامج العدالة الدولية في منظمة حقوق الإنسان أولا (هيومان رايتس فيرست) قائلا “ليس من المقبول تأجيل إنصاف ضحايا دارفور”. ومضى ليقول “إن الوعد الغامض بتحقيق العدالة في المستقبل هو بديل غير مقنع عن تحويل المتهمين إلي المحكمة الجنائية الدولية فورا”.
لقد لاحظت بعثة أوفدها تحالف دارفور عيانا استمرار معاناة أهل دارفور مع عدم اكتراث الخرطوم بالمجتمع الدولي، وعدم فعالية قرارات مجلس الأمن الصادرة حتى الآن.
يقول أشرف ميلاد روكسي، ممثل تحالف دارفور “لقد طرد ما يربو على المليوني شخص من منازلهم ويعيشون الآن في حالة رعب وفي ظروف صعبة كنازحين داخل السودان أو كلاجئين في تشاد. وقد فقد ما يصل إلى 300 ألف شخص حياتهم نتيجة للنزاع في دارفور”.
يقول ديسماس انكوندا (أوغندا) ممثل تحالف دارفور “يجب ألا يكافح أهل دارفور بمفردهم من أجل العدل ، بل يجب أن يحظوا بدعم كل محبي السلام – خاصة إخوانهم وأخواتهم في أفريقيا والعالمين العربي والاسلامي”. وواصل ديسماس قائلا “إن الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في دارفور تتطلب تحركا دوليا. إننا ندعو الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء – خاصة الجزائر وبنين وتنزانيا التي تتمتع بعضوية مجلس الأمن – أن يضعوا كل ثقلهم خلف تحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
حكومة السودان فشلت في وضع حد لإفلات الجناة من العقاب
لقد فشلت حكومة السودان في تقديم المسئولين عن هذه الجرائم إلى العدالة، في حين أن جيشها والمليشيات التي تعمل بالوكالة عنها، أو ما يعرف بالجنجويد، هم المسئولون عن معظم جرائم العنف في دارفور.
يقول عبد المنعم الجاك، مسئول برنامج السودان بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “لقد وعدت حكومة السودان في يوليو 2004 خلال زيارة السيد أمين عام الأمم المتحدة أنها ستحقق في جرائم دارفور، لكن لم نر منذ تلك اللحظة أي تحرك جدي لوضع حد لإفلات الجناة من العقاب”. ومن ثم، يقول الجاك “لا تلوم الحكومة إلا نفسها عندما لا يصدق الناس حديثها عن تحقيق العدالة في هذه الجرائم”.
وفي الواقع، فقد وجدت لجنة التحقيق الدولية أنه “قد ثبتت عدم قدرة النظام القضائي السوداني وكذلك عدم رغبة السلطات في كفالة المحاسبة على الجرائم المرتكبة في دارفور”.
المحكمة الجنائية الدولية خطوة أولى مهمة في تحقيق العدل
إن المحكمة الجنائية الدولية هي المؤسسة القضائية الدولية الوحيدة الدائمة التي تملك صلاحية ممارسة ولايتها على الأفراد في الجرائم الأكثر خطورة التي تؤرق العالم – مثل الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وطبقا للمادة الثالثة عشرة من نظام روما الأساسي، يحق لمجلس الأمن وهو يتحرك بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أن يفوض المحكمة الجنائية الدولية فورا بممارسة ولايتها في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في دافور.
وحيث إن المحكمة الجنائية الدولية تعمل الآن فعلا، يمكنها البدء بسرعة في التحقيق وتوجيه الاتهامات ضد من يتحملون المسئولية الأكبر عن الجرائم في دافور. فالمحكمة تملك الآن التجهيزات والبنية التحتية اللازمة ويعمل بها حاليا ما يزيد على 250 شخصا بما فيهم كبار مسئوليها.
اقتراح الولايات المتحدة بإنشاء محكمة جديدة يواجه العديد من القيود
لقد حاول المسئولون الأمريكيون في الأسابيع الماضية السعي لتغيير مسار المطالبة بتحويل المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية بالترويج لإنشاء محكمة دولية مؤقتة جديدة، يفوضها وينشئها مجلس الأمن وتديرها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي معا.
إن دعم الولايات المتحدة لإنشاء محكمة جديدة يرجع معارضتها الايديولوجية للمحكمة الجنائية الدولية – وليس لأسباب عملية تتصل بكفالة العدالة لأهل دارفور. وفي الواقع فإن المحكمة التي تقترحها الولايات المتحدة ستحتاج وقتا طويلا لإنشائها وبدء إجراءاتها، كما تستلزم نفقات يمكن توفيرها للمحكمة الجنائية القائمة بالفعل.
وقد صرح جون ستومبر قائلا “من المؤسف أن نرى الولايات المتحدة تقوض الدور الكبير الذي لعبته في تركيز انتباه العالم على وضع حقوق الإنسان في دافور”.
إن الخبرة بالمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة التي شكلت ليوغسلافيا السابقة ورواندا – قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية – تعلمنا أن إنشاء وبدء عمل محكمة جديدة خاصة بالسودان قد تستغرق شهورا عديدة، إن لم يكن سنوات.
ومثل هذه المحكمة تستلزم أيضا إلتزامات مالية مستمرة وكبيرة تبلغ مئات الملايين من الدولارات. وليس من المرجح أبدا أن تدعم أي من البلدان السبعة والتسعين الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية إنشاء محكمة جديدة، في حين أنهم يقدمون سلفا الدعم المالي للمحكمة الجنائية الدولية التي هي قائمة الآن وجاهزة لاستلام ملف دارفور.
والقيد الآخر لإنشاء محكمة جديدة أنها ستواجه على الأرجح مشاكل خاصة بعدم تعاون السلطات السودانية شبيهة بتلك المشكلات التي واجهت المحاكم المؤقتة الأخرى. فبعض من وجهت لهم هذه المحاكم الاتهامات نجحوا حتى الآن في تجنب الظهور أمامها، آملين في استنفاد الوقت المحدود الذي ينبغي أن تنهي فيه هذه المحاكم عملها. وعلى العكس من ذلك فالمحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دائمة يصعب كثيرا على المتهمين الإفلات منها نظرا لدوام ولايتها.
لأفريقيا مصلحة كبيرة في السلام في دارفور وفي تحويل قضيتها إلى المحكمة الجنائية الدولية
لقد لعب الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء دورا محوريا في السعي من أجل السلام في دارفور – من التوسط في وقف إطلاق النار، ورعاية العملية السياسية، وإرسال قوة مراقبة إلى دافور. كما عبرت البلدان الأفريقية صراحة بالتزامها بالمحكمة الجنائية الدولية – وهو الالتزام الذي لا يعيره الاقتراح الأمريكي بإنشاء محكمة جديدة بالا.
وقد صرح ديسماس انكوندا “إن المحكمة الجنائية الدولية ليست محكمة دولية فحسب – بل هي أيضا محكمة أفريقية”. ومضى قائلا “لقد أشارت لها الكثير من البلدان الأفريقية بوصفها الأداة الأكثر ملاءمة للمحاسبة على الجرائم الخطيرة ضد القانون الدولي عندما لا ترغب أو تقدر المحاكم المحلية على العمل”.
وقد وقع أربعة وأربعون بلدا أفريقيا – بما في ذلك السودان ومصر – على ميثاق روما، وهو الاتفاقية المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية. وصادقت ست وعشرون دولة افريقية على ميثاق روما، وهم اليوم أطراف كاملة العضوية في المحكمة.
وإضافة إلى ذلك، فالعديد من مسئولي المحكمة الرئيسيين هم قضاة أفارقة. كما يحق للمحكمة عقد جلساتها في أفريقيا إذا ما كان ذلك ضروريا.
سلسلة من الإجراءات الإضافية
إن إحالة قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس إلا واحدا من عدد من الإجراءات المهمة التي ينبغي أن تخذ لضمان السلام والعدالة والمصالحة والعودة الطوعية لأهل الإقليم.
إن المحكمة الجنائية الدولية سيكون بمقدورها التحقيق وتوجيه الاتهام ضد عدد محدود فحسب من الأشخاص القياديين المسئولين عن الجرائم الفظيعة المرتكبة في دارفور.
أما بالنسبة لآلاف المقاتلين العاديين ranks and file من الجنجويد وغيرهم من المتهمين بارتكاب الفظائع في دارفور، فيجب السعي وراء العدالة ومحاكمتهم على المستوى المحلي.
كما ينبغي وضع آليات أخرى بالمشاركة الكاملة والواعية لأهل دارفور، خاصة ضحايا العنف الحالي. وهذه مهمة ضخمة، لكنها حيوية. وهي لا تقتضي دعم إصلاح النظام القضائي في السودان فحسب، وإنما أيضا الاعتراف بالدور المهم الذي يمكن أن تلعبه آليات فض النزاعات المحلية التقليدية في دارفور.
وعلاوة على ذلك يجب أن يكون هناك مشروع لتعويض ضحايا النزاع، وأن توضع برامج تعليمية لتعزيز ثقافة السلام وحقوق الإنسان، وأن تنشئ، في مرحلة لاحقة، لجنة للحقيقة والمصالحة كجزء من الاستراتيجية طويلة المدى لتعزيز سلام مستدام في الإقليم.
و صرح عبد المنعم الجاك قائلا “على المجتمع الدولي أن يلتزم جنبا إلى جنب مع تحويل قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، بتوفير دعم كبير لأهل دارفور للسعي وراء المحاسبة والمصالحة على المستوى المحلي”. ومضى الجاك ليقول: “ويجب أن يتضمن هذا فهم جذور الصراع وتأثيراته على مجتمعات دارفور. كما يتطلب أيضا توفير موارد إضافية يحتاجها أهل دارفور لإعادة بناء البنية التحتية الاجتماعية والمادية لإقليمهم التي دمرت تماما”.
للمزيد من المعلومات، يمكنكم الاتصال بـ:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
عبد المنعم الجاك
تليفون: 7951112 – 2027946065+
فاكس: 2029721913
www.cihrs.org
تحالف المنظمات الأفريقية من أجل دارفور
ديسماس انكوندا
تليفون: 2027946065 (في القاهرة) – 25678310404 (في كمبالا)
www.darfurConsortium.org
حقوق الإنسان أولا
جون ستومبر
تليفون: 2027946065 (في القاهرة) – 12128455247 (في نيويورك)
أنا نيالا
تليفون: 12128455240
www.HumanRightsFirst.org
Share this Post