نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حلقة نقاشية مساء أمس حول “مشروع الشرق الأوسط الكبير والمجتمع المدني العربي”، وذلك لتدارس الموقف من المبادرة التي طرحتها الإدارة الأمريكية مؤخرا بدعوى مقرطة العالم العربي. شارك في مداولات الحلقة النقاشية 20 من الباحثين والسياسيين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان. وأدارها د. محمد السيد سعيد المستشار الأكاديمي لمركز القاهرة ونائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.
اتجهت المناقشات إلى محاولة الإجابة على العديد من الأسئلة الهامة التي تثيرها المبادرة، والتي تتجاوز حدود الرفض أو الإيجاب، لتعطي الأهمية الأكبر لدراسة فرص وإمكانات التأثير على الواقع الراهن من أجل تبني برامج ومبادرات للإصلاح من الداخل مصريا وعربيا والتي تعرضت دوما للإجهاض في ظل القمع المنهجي المتواصل في العالم العربي لدعوات الإصلاح من الداخل.
وقد اتفقت آراء المشاركين بعد ثلاث ساعات من النقاش على ضرورة إعداد عريضة جماعية يوقع عليها مائة من المثقفين المصريين ذوي الثقل والثقة تتضمن مطالب الإصلاح الشامل وتعبر عن تطلعات مختلف الفعاليات الوطنية والديمقراطية لبناء دولة وطنية ديمقراطية علمانية وإنقاذ البلاد من المخاطر والتحديات التي تواجهها.
وأكدوا في هذا السياق أن الحلول والمسكنات الوقتية والجزئية، من قبيل الاتجاه لإلغاء العقوبات السالبة للحرية في بعض قضايا النشر، أو إلغاء بعض الأوامر العسكرية، أو حتى إلغاء حالة الطوارئ، لم تعد تجدي في مواجهة التحديات الداخلية التي قد تصل بالبلاد إلى حافة الفوضى والانهيار.
وأجمع المشاركون على ضرورة أن تنطلق العريضة أساساً من مبدأ الرغبة الذاتية في الإصلاح وبناء مجتمع ديمقراطي يستطيع تحقيق النهوض الشامل في مختلف جوانب الحياة المصرية وفي مقدمتها الإصلاح السياسي والنهوض الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي.
أكد المشاركون أن هناك إمكانيات واسعة ذاتية وموضوعية لإعادة ترتيب الوضع الداخلي المصري بشكل ديمقراطي محذرين من رغبة البعض وسعيهم للإبقاء على الوضع الحالي والذي أصابته الفوضى في شتى المجالات منذ سنوات طويلة.
ودعا عدد من المشاركين إلى التوجه بالخطاب إلى الدولة، وإلى القطاع الأوسع من الشعب والذي يرفض التغيير من الخارج ولكنه في نفس الوقت يرفض استمرار الأوضاع الحالية الراكدة والمتردية مؤكدين أن كثيرا من الفئات ترى إمكانية إعادة ترتيب الأوضاع في إطار الموارد والمعطيات الموجودة بشرط التحول إلى دولة القانون وترسيخ العقلانية في الأداء والسياسات وضبط آلة الدولة في إطار القانون وإحياء المجتمع.
وحمل العديد من المشاركين فشل الدولة في قضية التنظيم المجتمعي من بعد عام 1952 مسئولية إشاعة الفوضى وعجز الدولة عن تطبيق حتى تلك الشعارات التي كانت تحملها ومدللين على ذلك بقيام الدولة بإصدار القوانين وإهدارها في نفس الوقت مما أدى إلى الفوضى في البنية الاجتماعية والسياسية المصرية.
وتراوحت اتجاهات المشاركين بين المطالبة بعريضة موجزة تحمل شعارات محددة كالاستقلال والديمقراطية والعلمانية والعدل الاجتماعي وتناول الموضوعات الأساسية كالنظام السياسي والدستور والتوجه به للمثقفين والدولة معا، وبين المطالبة ببيان مفصل يشخص الحالة المصرية وعدم التركيز على النقاط المطلبية فقط والاتجاه إلى تأصيل فلسفة الإصلاح وانعكاسات ذلك على البنى المختلفة في المجتمع المصري.
وانتقدت بعض الآراء تكرار المثقفين لأحاديث ومبادرات سابقة عن الإصلاح والاكتفاء بدور التحليل والتنظير والتوجه بخطابهم إلى الدولة دون التوجه به إلى قوى وحركات سياسية تناضل من أجل تحقيق هذا الإصلاح، ودعت هذه الآراء المثقفين إلى السعي إلى تشكيل قوة ضغط وطرح رؤية تفصيلية للإصلاح والاشتباك بها مع الشارع، فيما دافعت آراء أخرى عن هذا التكرار مشيرة إلى عدم وجود اتفاق حتى الآن بين الآراء المختلفة المطروحة في قضية الإصلاح.
ورغم أن الكشف عن المشروع الرسمي لمبادرة الشرق الأوسط الكبير لا يزال محددا بشهر يونيو المقبل حيث تعقد قمم: الدول الصناعية الثماني في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في دبلن وحلف الأطلسي في اسطنبول، فقد أكد جانب من المشاركين رفضه للمبادرة باعتبارها جزءا من السياسة الأمريكية، وأشارت آراء أخرى إلى توقيت طرح المبادرة الأمريكية والذي يجئ بعد عام من الحرب على العراق والتغيرات الحاصلة في العراق موضحة أن المبادرة الأوروبية المشتركة حدث تشاور حولها، لكنه اقتصر على الحكومات فقط في حين أن المبادرة الأمريكية لم يحدث أي تشاور حولها من جانب الأمريكيين سواء مع الحكومات أو منظمات المجتمع المدني في المنطقة، بما يجعلها تمثل نوعا من التعالي والعجرفة الشديدة وعدم تحديد الطرف الشريك منها، وعما إذا كان هو الحكومات أو الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني أم القوة العسكرية.
ولفتت هذه الآراء إلى أن ما يضعف المبادرة الأمريكية تجاهلها للقضية الفلسطينية، إلا أن هذه الآراء نفسها أشارت إلى أن تفاصيل المبادرة لا يوجد فيها ما يمكن رفضه، باعتبارها تتحدث عن الحريات والتنمية والإصلاح، وهى عناصر مطروحة من داخل المنطقة نفسها.
وسخر عدد من المشاركين من ضعف حجج الرفض الخارجة من المنطقة العربية للمبادرة الأمريكية وفي مقدمتها التحجج بخصوصية المنطقة، مؤكدين أن هذه الحجة تحمل إهانة لثقافة المنطقة وتحملها مسئولية وجود التعذيب والفساد، لافتين إلى عدم إثارة مثل هذه الحجج عند وجود اتفاقات مع الخارج في مجال الأمن.
ودعا مشاركون القوى السياسية والمجتمع المدني العربي إلى أن تكون طرفا فعالا في مخاطبة القمة العربية القادمة التي تناقش مشروعات هزيلة للإصلاح وطرح مبادرات من جانب المجتمع المدني العربي على الرأي العام والسعي للتأثير فيما يجري إعداده في واشنطن وفي القمة العربية، وفي القمم الثلاث التي ستنعقد في يونيو القادم.
Share this Post