يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء الانتهاكات المتزايدة لحق المواطنين في المغرب في التنظيم وحرية التعبير، إذ يمَثُل مساء اليوم الخميس 19 نوفمبر، سبعة من الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والعاملين بمنظمات حقوقية أمام المحكمة الابتدائية في الرباط، على خلفية اتهامات يُعتقد أنها ذات دوافع سياسية تتعلق بعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان والصحافة. تأتى هذه المحاكمة في خضم سلسة متزايدة من التضييقات بحق نشطاء وبعض المنظمات الحقوقية في المغرب، وهو ما يثير شكوكًا حول مدى جدية الالتزام المعلن من المملكة المغربية بالإصلاح الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان.
إن إسكات الأصوات المستقلة عبر محاكمات وقيود من هذا القبيل يُقوّض عملية الإصلاح وتعزيز حقوق الإنسان التي شرع فيها المغرب منذ عام 2011، ويشير إلى تراجع مثير للقلق عن الدور الرائد –بالمقارنة ببقية دول المنطقة– الذي تولته البلاد عقب الانتفاضات الشعبية المطالبة بحقوق الإنسان والديمقراطية التي اجتاحت المنطقة العربية منذ خمس سنوات.
يمثل للمحاكمة في الرباط بتهمة “الإضرار بالأمن الداخلي” كل من معطي منجب، وهو مؤرخ وصحفي ورئيس جمعية “الحرية الآن” لحرية التعبير في المغرب؛ وهشام منصوري، مدير المشروعات بالجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية؛ وهشام الميرات الرئيس السابق للجمعية المغربية للحقوق الرقمية؛ وعبد الصمد عياش المنسق السابق لمشروع التدريب في مركز ابن رشد للبحوث، والصحفي والقائم بأعمال مدير المشروعات بالجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية؛ ومحمد الصبر رئيس الجمعية المغربية لتربية الشبيبة. ومن المقرر بالإضافة إلى ذلك، أن يمثل كل من رشيد طارق الرئيس الحالي للجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية وماريا مكرم الرئيسة السابقة للجمعية ذاتها، يوم 19 نوفمبر أمام المحكمة نفسها بتهمة تلقي تمويل أجنبي للجمعية دون إخطار الأمانة العامة للحكومة.
ويواجه كل من منجب ومنصوري وعياش والميرات والصبر –حال إدانتهم– عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة تصل إلى 10.000 درهم تهمًا، بموجب الفصل “المعيب” رقم 206 من القانون الجنائي المغربي الذي “يؤاخذ بجريمة” أي شخص “يتسلم بطريق مباشر أو غير مباشر من شخص أو جماعة أجنبية، بأي صورة من الصور، هبات أو هدايا أو قروضا أو أية فوائد أخرى مخصصة أو مستخدمة لتسيير أو تمويل نشاط أو دعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة المغربية أو سيادتها أو استقلالها أو زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي“.
ويتيح هذا الفصل من القانون الجنائي المغربي، من خلال المصطلحات الفضفاضة والغامضة التي يتضمنها، مجالاً لتجريم عددًا من الأنشطة المرتبطة بحرية التعبير والحق في التنظيم، وينال كذلك من حق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني المغربي في السعي بحرية للحصول على تمويل لأنشطتها في إطار القانون وعلى النحو الذي تكفله الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها المملكة المغربية. إن العديد من حكومات المنطقة تستخدم –بشكل متكرر– اتهامات ذات طابع فضفاض وعام مثل تلك المنصوص عليها في القانون السابق لقمع المعارضة وتشويه سمعة النشطاء، وذلك دون تقديم أي سند قانوني سليم يتوافق مع الطابع الخطير لتلك الاتهامات.
إن التدابير المتخذة لحماية الأمن الوطني يجب ألا يتم استخدامها لفرض قيود على الوسائل السلمية للتعبير عن الرأي وتكوين الجمعيات، فضلًا عن أن تلك التدابير يجب ألا تتعارض مع مسئولية الدول عن حماية حقوق الإنسان. بل على النقيض من ذلك، فإن تهيئة بيئة مناسبة لعمل المجتمع المدني وتمكين المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين المستقلين من العمل هو الأمر الذي سيساهم في استقرار المغرب وتقدمه.
وقد وُجهت اتهامات لـ ماريا مكرم ورشيد طارق بموجب ظهير الحريات العامة لسنة 1958 فيما يتعلق بتلقي تمويل أجنبي دون إخطار الأمانة العامة للحكومة، وقد يُحكم عليهما بموجب المادة 8 من القانون ذاته بدفع غرامة تصل إلى 5000 درهم.
كان معطي منجب –الذي تعرّض لحملة تشهير واسعة على مدى العام الماضي– قد استدعي للتحقيق في مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في 14 سبتمبر الماضي. ووفقًا لما أورده منجب، فقد استُجوب أثناء التحقيق عن عمله الحقوقي في مركز ابن رشد وهو مركز للبحوث أسسه هو بنفسه وتولى إدارته حتى نهاية عام 2014، وعن صلته بمنظمات دولية حقوقية ومنظمات داعمة للديمقراطية. ووُجهت إليه اتهامات بالتشهير وزعزعة الولاء الذي يدين به المواطنون لمؤسسات الدولة، والعمل مع جهات أجنبية ضد الدولة، ونشر اتهامات كاذبة. وقد بدأ منجب في أكتوبر الماضي إضرابًا عن الطعام لمدة ثلاثة أسابيع احتجاجًا على منعه من السفر، حيث استدعي مرة أخرى لاستجوابه في مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية يوم 19 أكتوبر. وقد رُفع حظر السفر عنه في وقت لاحق.
واستُدعي أيضًا عبد الصمد عياش للاستجواب في 15 أغسطس الماضي، في مكاتب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، حيث استغرق التحقيق معه عدة ساعات، وتم سؤاله خلالها عن عمله كصحفي ومدافع عن حقوق الإنسان وأُفرج عنه بعد ذلك وعلم بحظر السفر المفروض عليه عندما حاول الصعود على متن طائرة متجهة إلى تونس في وقت لاحق.
كذا فإن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية المغربية في الدار البيضاء قد استدعت في سبتمبر الماضي هشام الميرات وزميلة أخرى تعمل معه في الجمعية المغربية للحرية الرقمية، وذلك على خلفية شكوى قضائية قدمتها ضدهما وزارة الداخلية، حول تقرير مشترك عن المراقبة في المغرب ساهمت الجمعية المغربية للحرية الرقمية فيه. وكان التقرير المشار إليه والمعنون “عيونهم عليّ” يعالج مسألة المراقبة الرقمية في المغرب، وقامت المنظمة الدولية لحماية الخصوصية بنشره.
ويقضي هشام منصوري حاليًا مدة العقوبة المفروضة عليه بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة التواطؤ في جريمة الزنا، وذلك بموجب المادتين 490 و491 من القانون الجنائي المغربي. وقد وصف مراقبون محاكمته بأنها كانت “مشوبة بالعديد من المخالفات القانونية”. وقد أُحضر منصوري إلى مقر الفرقة الوطنية وتم استجوابه حول عمله مع الجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية، وعن علاقته بـ معطي منجب وهشام الميرات وصمد عياش، فضلاً عن علاقته بمنظمة الصحافة الحرة غير المحدودة، والمنظمة الدولية لحماية الخصوصية ومنظمة الأصوات العالمية. كما تم سؤاله عن مصادر تمويل الجمعية، ووُجهت إليه تُهمة إثارة الفتنة، وتنفيذ أجندات خارجية من خلال نشاطه مع تلك المنظمات.
تأتي هذه المحاكمة وسط تصاعد موجة من القيود المفروضة على عمل منظمات وطنية ودولية مستقلة معنية بحالة حقوق الإنسان في المغرب، حيث تواجه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان –وهي واحدة من أكبر وأهم المنظمات التي تعبر عن رأيها بشكل صريح– قيودًا متكررة تشمل منعًا مستمرًا للعديد من أنشطتها، ومعوقات إدارية أمام تسجيل فروعها. كذلك فإن الشرطة المغربية قد داهمت مقر الجمعية مرة واحدة –على الأقل– خلال العام المنصرم. كما تحفظت الشرطة لفترة وجيزة في يونيو 2015على باحثيْن يعملان في منظمة العفو الدولية كانا يجريان بحثًا في المغرب، وتم ترحيلهما من البلاد.[1] كذا راسلت الحكومة المغربية منظمة هيومن رايتس ووتش في أكتوبر طالبة منها بشكل رسمي تعليق أنشطتها في البلاد.[2] ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن كافة المنظمات غير الحكومية التي يمثل نشطاؤها للمحاكمة تواجه قيودًا تتراوح بين فرض الحظر على أنشطتها –كما في حالة المنظمة المغربية للصحافة الاستقصائية– وصولًا إلى الحرمان من التسجيل دون تقديم سند قانوني في إطار القوانين التي تحكم عمل الجمعيات –كما في حالة الجمعية المغربية للحقوق الرقمية، وهو ما يشير إلى تحول في سياسة المغرب إزاء حرية تكوين الجمعيات وعدم التسامح مع الآراء الناقدة.
إن مركز القاهرة يدعو الحكومة المغربية إلى إسقاط كافة التهم الموجهة إلى النشطاء السبعة، بالإضافة إلى رفع القيود المفرطة وغير الضرورية المفروضة على المجتمع المدني في البلاد. كما يدعو البرلمان المغربي إلى إدراج تنقيح الفصل 206 من قانون العقوبات في المناقشات الجارية حاليًا لإصلاح هذا القانون بغية الامتثال للالتزامات التي تعهدت بها البلاد باحترام الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، وحسبما ينص الدستور المغربي لسنة 2011.
[1] https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2015/06/amnesty-international-staff-members-expelled-from-morocco/
[2] https://www.hrw.org/ar/news/2015/10/02/281883
Share this Post