تستنكر المنظمات الموقعة أدناه الحكم الصادر أمس الاثنين 28 مارس، من قبل مجلس التأديب الأعلى، بتأييد حكم مجلس التأديب “بهيئة عدم صلاحية” بإحالة 31 قاضيًا إلى المعاش، وإحالة المستشار ياسر محي الدين للتقاعد بعد قبول طعن النيابة العامة على ما جاء بحكم مجلس التأديب برفض طلب الصلاحية بشأنه، وذلك بسبب إصدارهم بيانًا بتاريخ 24 يوليو 2013 يُعبرون فيه عن موقفهم من احتجاجات 30 يونيو وما تبعها من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي يوم 3 يوليو.
تعتبر المنظمات الموقعة أن قرار إحالة 32 قاضيًا للتقاعد بسبب إصدارهم بيانًا يعبر عن موقفهم السياسي يتعارض مع المبادئ بشأن استقلال السلطة القضائية –التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1985– والتي تنص في البند رقم 8 على أنه “وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائمًا، لدى ممارستهم حقوقهم، مسلكًا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء“. فضلًا عن أن إعلان القضاة آراءهم ومشاركتهم في الحياة العامة أمر ليس بجديد، فقد شارك عدد كبير من القضاة في الاحتجاجات الشعبية في 25 يناير 2011 وفي 30 يونيو 2013.
وعلى الجانب الأخر، يأتي هذا القرار في الوقت الذي يتغاضى فيها مجلس التأديب عن معاقبة بعض القضاة عن إبداء آراءً ومواقف سياسية في دعاوى ينظرون فيها بالفعل –وأثناء اعتلائهم منصة القضاة– الأمر الذي يعتبر خرقًا لكافة الأعراف القضائية في العالم كله، وذلك دون أن يتم إحالتهم إلى مجلس تأديب أو فقدانهم الصلاحية لولاية القضاء، أو مساءلتهم، بل إنهم مستمرون في مواقعهم على منصة القضاء وتُحال إليهم قضايا بعينها للفصل فيها.
في هذا الصدد تحدد المادة 73 من قانون السلطة القضائية المقصود بحظر اشتغال القضاة بالسياسة، بما يشمل عدم جواز الترشح لانتخابات مجلس الشعب أو الهيئات الإقليمية أو التنظيمات السياسية إلا بعد تقديم الاستقالة من العمل بالقضاء. وقد أكدت على ذلك فتوى مجلس الدولة رقم 351 لسنة 4 قضائية، والتي انتهت إلى أن المقصود بالحظر هو الاشتغال بالسياسة اشتغالًا فعليًّا. إلا أن مجلس التأديب والصلاحية في الدعوى المشار لها، قرر توسيع مجال الحظر ليشمل مناقشة القاضي أو تعليقه على قرارات السلطة التشريعية أو الحكومية.
هذا بالإضافة إلى العديد من الخروقات القانونية التي شابت المحاكمات، بداية من تشكيل مجلس التأديب الذي ضم 3قضاة، أحدهم من مقدمي البلاغ ضد القضاة محل “التأديب”، فيما أبدى الاثنان الآخران رأيهما في القضية المنظورة، وأقرا أنه ترسخ في وجدانهما رجحان إدانة القضاة، وذلك بالمخالفة لقانوني المرافعات والإجراءات الجنائية اللذان حظرًا على القاضي أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة. كما صدر أمرًا مؤبد بمنع 13 قضايَا من السفر –من أصل 75 قاضيًا قُدموا للتحقيق– دون سؤالهم أو سؤال المبلغين، ودون مبرر قانوني، رغم أنهم محالين لمحاكمة تأديبية وليست جنائية حتى يُخشى هروبهم وإفلاتهم من العقاب. فضلًا عن حرمان القضاة من الاطلاع على ملف الدعوى، ورفض طلبهم بسؤال المبلغين باعتبارهم شهود إثبات بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية. كما امتنع مجلس التأديب الأعلى عن تسجيل طلب الرد الموجه إليه بمحضر الجلسة في جلسات سابقة وأخرها جلسة 22 فبراير من العام الجاري، وذلك بالمخالفة للقانون الذي أعطى الحق للدفاع في إبداء طلباته ودفاعه بمحاضر الجلسات، كما أنه من المفترض أن تُمتنع الجهات القضائية عن نظر الدعاوى المعروضة أمامها بمجرد إبداء طلب الرد.
ترجع تفاصيل القضية إلى يوليو 2013، حيث تقدم رئيس نادي القضاة وعددًا من أعضائه ببلاغ للنائب العام، يتهم 75 قاضيًا بالتوقيع على بيان يتهم الجيش المصري بانتهاك الشرعية، ويتضمن بعض “الأكاذيب” على حد نص البلاغ. ومن ثم أحال النائب العام البلاغ لمجلس القضاء الأعلى بتاريخ 25 يوليو 2013 والذي بدوره أحاله لوزير العدل لندب قاضي للتحقيق من محكمة استئناف القاهرة. وعلى إثر ذلك تم إحالة 56 قاضيًا في القضية رقم 13 لسنة 2014 “تأديب” والمعروفة إعلاميًا بــ”قضاة البيان” إلى مجلس التأديب بهيئة صلاحية، واستبعاد 19 قاضيًا رأى قاضي التحقيق أن التوقيعات المنسوبة إليهم لا يعلمون عنها.
وفي 14 مارس 2015، أصدر مجلس التأديب والصلاحية حكمه بإحالة 31 قاضيًا إلى المعاش، وعدم قبول الدعوى المتعلقة بـ 25 آخرين وإعادتهم إلى عملهم في القضية المعروفة إعلاميا بقضية “قضاة البيان”. وقد استند مجلس التأديب بهيئة الصلاحية في حكمه إلى تحريات الأمن الوطني وما قام القضاة بتدوينه بموقع التواصل الاجتماعي facebook، ومقاطع الفيديو التي نُشرت على صفحاتهم.
تخشى المنظمات الموقعة من أن يرسخ الحكم النهائي اليوم بإحالة 32 قاضيًا للتقاعد، لاسيما بعد صدور حكم مشابه الأسبوع الماضي بحق 15 قاضيًا أخر (قضاة من أجل مصر)، قيدًا جديدًا على حق القضاة في آرائهم، وبخاصة غير المؤيدة منها للإدارة الحاكمة في البلاد، وذلك في ظل غياب معايير محددة للأفعال التي تستوجب إحالة القاضي إلى التأديب، أو فقدانه صلاحية ولاية القضاء في قانون السلطة القضائية، فضلًا عن أن لمجلس التأديب سلطة مطلقة في الاختيار بين السير في إجراءات المحاكمة أو إخضاع الأمر لرؤيته.
وتشدد المنظمات على أن هذه المحاكمات لم تكن لاشتغال القضاة بالسياسة كما هو ظاهر، لكنها في الحقيقة تصفية للحسابات والنيل من كل من يتعارض رأيه مع النظام الحاكم، إذ أن هناك العديد من القضاة الذين أبدوا آراءً سياسة لم يتم إحالتهم لمجالس التأديب. بل سبق وأن رُفض طلب التأديب في الدعوى رقم 7 لسنة 2014 لأحد القضاة المقامة ضده من قبل النائب العام، واكتفى المجلس بالتوصية والتنبيه بعدم تكرار الأفعال التي آتاها، والتي كانت سندًا للنيابة العامة في اتهامه، ومن بينها الإسراف في الظهور في وسائل الإعلام، الحديث إلى وسائل الإعلام في أمور ذات شأن سياسي مختلف عليها والتعليق على المشكلات التي تعاني منها البلاد بما يفهم منه مهاجمته لفصيل سياسي معين.
المنظمات الموقعة على هذا البيان تطالب رئيس الجمهورية بعدم التصديق على الحكم، وتطالب أيضًا بوقف محاكمات القضاة أمام مجلس التأديب. وإلغاء الأحكام الصادرة ضد “قضاة البيان”، وقضاة من أجل مصر، وأيضًا الحكم الصادر بإحالة المستشار زكريا عبد العزيز للمعاش لإدانته بالانخراط في العمل السياسي والتحريض على اقتحام مقر أمن الدولة أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير.
المنظمات الموقعة:
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- مركز حابى للحقوق البيئية
- مركز عدالة للحقوق والحريات
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
Share this Post