أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مؤخرا العدد 70 من مطبوعته غير الدورية”رواق عربي“، تحت عنوان “أي مستقبل للإخوان المسلمين بعد خمس سنوات من الثورة المصرية؟”، يتناول العدد بعض إشكاليات تطور جماعات “الإسلام السياسي” في العالم العربي، وذلك من خلال الإجابة على عدة أسئلة وثيقة الصلة بمسار جماعة الإخوان المسلمين في مصر، خاصة منذ انتفاضة يناير2011.
شارك في هذا العدد نخبة من الكتاب والباحثين المصريين: بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والباحث المصري الدكتور معتز الفجيري الناشط في مجال حقوق الإنسان، والدكتور احمد عبد ربه أستاذ النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة، والباحث الزائر في كارجيني للشرق الأوسط الدكتور جورج فهمي، ومختار عوض الباحث المشارك مع فريق الأمن القومي والسياسة الدولية في مركز التقدم الأمريكي، وأخيرا مصطفى هاشم الصحفي بالقسم السياسي لجريدة الشروق المصرية. وأشترك في انجاز العدد كذلك المفكر السوري ياسين الحاج صالح.
في إفتتاحية العدد يعقد بهي الدين حسن مقارنة بين الجماعة في مصر وتونس، مشيرًا إلى بعض المراجعات المنتظرة من جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام على نهج المراجعات المستمرة لحزب النهضة، وفي ذلك يركز حسن على عجز “جماعة الإخوان المسلمين” في مصر حتى أن تلحظ فشلها السياسي الخاص والذريع، أو أن تدرك لاحقًا أسبابه ومسئوليتها عنه، بعد أن اختزلت الانفضاض الشعبي الهائل عليها في 30 يونيو، في مؤامرات أجهزة الدولة العميقة والمؤسسة العسكرية، وهيمنت سيكولوجية “الضحية” على ما بقى من عقل للجماعة، خاصة بعدما مرت بتطورات زلزالية، على رأسها مذبحتي “رابعة والنهضة” فضلاً عن أعمال القمع الأمني والقانوني والقضائي للآلاف من أعضائها.
وشرح حسن كيف انعكس اختلاف مستوى تطور المجتمعين المصري والتونسي، واختلاف البيئة السياسية والثقافية، وكذلك اختلاف المسارات السياسية للحزب والجماعة، والفرق الشاسع في طبيعة الأخطاء الجسيمة المرتكبة، على ماّل حزب النهضة في تونس والجماعة في مصر، وهذا لا ينفي أن خلافًا جوهريًا فكريًا ميز بينهم من قبل 2011، يمكن الاستدلال عليه من تأمل بسيط للبرنامج السياسي الوحيد المعلن لجماعة الإخوان في مصر، والذي أزيح عنه الستار في ٢٠٠٧، ويدل على أن أخطر الجرائم ذات الطابع “الأيديولوجي” التي ارتكبتها الجماعة خلال وضع دستور ٢٠١٢، تجد مصدرها في هذا البرنامج، الذي يستوحي نمط حكم شمولي، يوظف فيه الإسلام لضمان وتكثيف الطابع التوليتاري للحكم.
وينطلق السؤال الرئيسي للعدد حول مستقبل الجماعة بعد 5 سنوات من الثورة المصرية، من خلال مشاركة الدكتور معتز الفجيري تحت عنوان “المراجعات السياسية والفكرية التي لم تجرى بعد داخل الجماعة”، يشرح الفجيري كيف لم يُظهر الإخوان تطورًا في أجواء الانفتاح السياسي في مرحلة ما بعد مبارك، إذ اتجهت الجماعة لتعظيم مكاسبها السياسية على حساب إنجاح عملية انتقالية توافقية، ولم تتردد في الالتقاء مع الأجندة السلطوية لمؤسسات النظام القديم، والقوى المعادية للثورة، مادام ذلك يعظم من هذه المكاسب، كما تبنت الجماعة منظورًا إجرائيا للعملية الديمقراطية، يتنافس مع قيم المساواة والتعددية، ويكرس الإقصاء عبر أدوات الدولة القمعية الموروثة، والسعي للهيمنة على مؤسسات الدولة لخدمة المشروع السياسي والأيديولوجي للجماعة،وكيف عمق من هذا الاتجاه الفجوة بين الجماعة و سائر القوى السياسية.
وينتقل العدد مع الدكتور أحمد عبد ربه إلى سؤال: “أين تقف جماعة الإخوان اليوم؟”مفندًا خسائر الجماعة السياسية والاجتماعية، وكيف انكشف الخواء الفكري والسياسي لها، ونجحت الأجهزة القديمة في تفجير الجماعة داخليًا، مقرًا في النهاية بأن موقف الجماعة الآن أسوأ بكثير من موقفها قبل تنحي مبارك، بل أسوأ حتى من موقفها في التسعينيات، بعد أن فقدت الآن موقعها في السلطة، وفي المعارضة، وفقدت قدرتها علي مداعبة خيال العامة والخاصة في كونها بديلاً يصلح للتعويل. وعادت لمربع الحظر والإرهاب.
يركز الدكتور جورج فهمي تحت عنوان “الصراع على قيادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر” على تفسير كيفية تفجير الجماعة من الداخل، مفندًا جوهر الصراع الداخلي للجماعة وكيف تم التعامل معه، واعتبر فهمي انه إذا كانت القيادة الجديدة تريد الحفاظ على تماسك الجماعة، وإعطاء الأعضاء مساحة أكبر للعمل، مع الحفاظ على ضمان قدرتها على اتخاذ القرارات وتنفيذها حتى لو لم يقبل جميع الأعضاء، فينبغي عليها العمل على وضع قواعد تنظيمية جديدة تراعي التوازن مابين الديمقراطية الداخلية من خلال إشراك الأعضاء الأدنى مرتبة في عملية صنع القرار، وضرورة التأكد من التزام جميع الأعضاء بالقرارات، وأن الهيكل اللا مركزي الحالي لا يمنع القيادة من اتخاذ قراراتها وتنفيذها عند الحاجة.
في السياق نفسه وبنظرة أشمل يشرح كل من مختار عوض ومصطفى هاشم كيف كان “تصاعد التمرد الإسلامي في مصر نتيجة أكبر لذلك صراع داخل جماعة الإخوان المسلمين”، وفي ذلك تطرقا لأشكال مختلفة لجماعات العنف في مصر من خلفيات إسلامية مختلفة، في رصد دقيق لمؤشر العنف، وجماعات العنف الجديدة المتصاعدة في أنحاء متفرقة في مصر، ولأسباب مختلفة، أوصيا بضرورة الاعتراف بالعواقب المدمرة لتنامي التطرف بين شباب الإسلاميين، ومواجهة التزايد المطرد لفكرة التمرد المسلح، والذي قطعا سيعرقل أي خطة للإصلاح أو الاستقرار، ويحتاج في مواجهته لخطط واعية.
وألقى المفكرالسوري ياسين الحاج صالح في “مقال العدد” نظرة أوسع على الخطاب الداعشي في العالم، والآثار الحقوقية والسياسية لظهور وتنامي تنظيم داعش، حيث فند صالح الماّسي الحقوقية والسياسية التي يعاني منها العالم اجمع بسبب داعش.يبحث المقال في أصول داعش ونشأتها من التقاء منظمة القاعدة بالبعثية العراقية السنية المتماهية من خلال نظام صدام في العراق، وكيف أسهم في تغذية القسوة الوحشية -التي لم تكن غريبة على أجهزة صدام- مع وفود مجاهد أردني سفاح بمعنى الكلمة، هو أبو مصعب الزرقاوي الذي أعلن دولة العراق الإسلامية في 2006، ويشرح صالح انعكاس الوحشية على أحوال السكان في دولة داعش، وكيف تربوعلى العنف والكراهية على نحو يفسر الصعود الدموي لداعش في سوريا.
وفي جانب أخر يستعرض صالح في مقاله الآثار المترتبة على التصاعد المطرد في القوة الوحشية لداعش، ليس فقط على الأزمة السورية التي كانت داعش احد أهم مبررات التخاذل الدولي تجاهها، وإنما الآثار الحقوقية والسياسية والاجتماعية والثقافية لصعود هذه المجموعات الدموية، إذ يشير صالح إلى أن صيغ التفاعل مع صعود داعش، حمل الطابع الداعشي نفسه، بمعنى استجابات تعزز داعش ويشجع ظهور كائنات مثله، لما فيها من قطيعة مع البيئة والشروط السياسية والأخلاقية التي أفضت إلى ظهورها، وفي ذلك يقدم المقال أربعة محاور أساسية يعتقد الكاتب أنها يفترض أن تكون ركيزة مواجهة داعش بما يحمي من ظهور دواعش جدد.
يذكر ان ملاحق العدد 70 تضمنت على عديد من الوثائق والبيانات الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين في فترات مختلفة، وفي المقابل ضم العدد خطاب المنظمات الحقوقية في مناسبات وأزمات وقعت في جزء منها بسبب الخطاب الإقصائي لجماعة الإخوان المسلمون.
Share this Post