زارع يدفع ببطلان قرار انتداب قاضي التحقيق فى القضية رقم 173 لسنة 2011.
انتهت منذ قليل جلسة التحقيق الثانية مع الحقوقي محمد زارع مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمام قاضي التحقيق هشام عبد المجيد، بعد إخلاء سبيله مقابل دفع كفالة مالية 30 ألف جنية، وذلك على خلفية قضية المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة رقم 173 لسنة 2011.
وجه القاضي لزارع اتهامات بالاشتراك مع آخرين في تلقي مبالغ مالية من جهات خارجية، وارده لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان كونه كيان غير مسجل، و صرفها في أوجه غير مشروعة بقصد الإضرار بالأمن القومي وصالح البلاد، فضلا عن اتهامه بالاشتراك مع اخرين في إعداد تقارير للأمم المتحدة ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل بغرض تشويه سمعة مصر. وهو الاتهام الذي يعد -بحسب القواعد التي أرستها الأمم المتحدة ووافقت عليها مصر- بمثابة انتقام من الحقوقيين على التعاون مع آليات الأمم المتحدة. بينما أكد زارع في أقواله أن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يسيئ لصالح البلاد، وإنما في الحقيقة انتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات هو ما يضر بالأمن القومي ويتعارض مع صالح البلاد، مؤكدا أن أوجه صرف تلك الأموال كانت جميعها لدعم ثقافة حقوق الإنسان والمساعدة في وقف الاعتداءات المتكررة على حقوق المصريين.
في هذه الجلسة دفع “زارع” ببطلان قرار ندب قاضي التحقيق مقدمًا مذكرة شارحة لأسباب بطلان القرار وتجديده، لمخالفته للمادة 66 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على أنه “على قاضي التحقيق المندوب وفقاً لأحكام المادتين 64 و 65 من هذا القرار بقانون أن ينجز التحقيق خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من وقت مباشرته، إلا إذا حال دون ذلك مقتضى تستلزمه ضرورات التحقيق. فإذا قام المقتضى وجب عليه العرض على الجمعية العامة أو من تفوضه في إصدار قرار الندب، بحسب الأحوال، لتجديده لمدة لا تجاوز ستة أشهر. و إذا غاب المقتضى أو خالف قاضي التحقيق المندوب إجراءات عرض الدعوى وفقاً لأحكام الفقرة السابقة من هذه المادة، ندبت الجمعية العامة أو من تفوضه قاضياً آخر لاستكمال التحقيق.”
ولما كان هذا النص واضح لا يحتمل التأويل أو التفسير، فلا يمكن بأي حال أن يستمر نفس القاضي في مباشرة عمله بالتحقيق في القضية نفسها لمدة تقترب من ثلاث سنوات، وتحديدا منذ إعادة فتح القضية في ديسمبر 2014 ! ناهيك عن أنه لم يرد بين أوراق القضية ما يفيد عرض قاضي التحقيق “المقتضى” الذي كان وراء إعادة تجديد انتدابه لا لمرة، وإنما ربما لخمس مرات بالمخالفة للقانون. الأمر الذي يعتبر مركز القاهرة أنه يحمل شبه اختيار قضاة بعينهم للبت في قضايا معينة، تمهيدا لإصدار أحكام محددة سلفًا.
الأمر الذي دفع “زارع” منضمًا إليه بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة، فضلاً عن حقوقيين آخرين بصفتهم ضمن قوائم المطلوبين للتحقيق بالقضية، بالتقدم قبل يومين-الاثنين22 مايو- بطلب لرئيس محكمة استئناف القاهرة للحصول على المستندات التالية: صورة من قرار ندب القاضي هشام عبد المجيد، وصورة من قرارات مد مدة الندب والمتضمنة تاريخ المد وأسبابه، وصورة من قرارات الجمعية العامة بمد مدة الندب، وصورة من أية مذكرات يكون المستشار هشام عبد المجيد قد تقدم بها لإبداء أسباب عدم قدرته على الانتهاء من التحقيقات وطلب مد فترة انتدابه. وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة فيما يتعلق بصحة التحقيقات التي يجريها سيادته أو بطلانه.
وفي هذا السياق تلزم الإشارة لتصريحات قاضي التحقيق نفسه لجريدة الأهرام المسائي في 20 مارس 2016 والذي جاء فيها نصًا أنه: “استمع خلال فترة التحقيق التي امتدت إلى عام ونصف العام إلى أقوال200 شاهد في القضية كشفوا عن تفاصيل عمل منظمات المجتمع المدني والقوانين التي تنظم عملها وطرق مخالفة وتحايل عدد من الجمعيات علي القانون لتحقيق مكاسب مالية لأعضائها.” فإن كان قاضي التحقيق هشام عبد المجيد يباشر عمله بالتحقيق في هذه القضية لمدة عام ونصف قبل تاريخ الخبر(مارس 2016) فهذا يعني أن زمن انتدابه للتحقيق في هذه القضية تجاوز اليوم عامين ونصف العام!
فضلًا عن ما تكشفه تلك التصريحات لقاضي التحقيق نفسه، أن أوراق القضية تضم أقوال 200 شاهد على الأقل لا يعرف المتهمون من هم وضد من قدموا شهاداتهم، ناهيك عن عريضة اتهامات يقرأ عنها الحقوقيين يوميًا في وسائل إعلامية تدعي أنها اطلعت- وربما حصلت- على أوراق تؤكد اختلاسات مالية، وتهرب ضريبي، ومخاطبات مع جهات أجنبية، ولقاءات سرية تثبت جميعها فساد هذه المنظمات وتطعن ليس فقط في الذمة المالية لمديريها والعاملين فيها، وإنما في وطنيتهم وانتمائهم وتغتالهم معنويًا وأدبيًا، بينما يمثلوا هم أمام قضاة التحقيق مدافعين عن أبسط حقوق المتهمين في التعرف على التهم الموجهة لهم وسبل التوصل والتحقق من صحة الادعاء بها.
هذه الوسائل الإعلامية التي تنازلت طواعية عن دورها المهني والحيادي، وقبلت أن تكون ضمن أذرع الأجهزة الأمنية في عملية وأد الحركة الحقوقية المصرية، لم تجد عيبًا في التشوية والتشهير والتخوين لمنظمات لطالما تكبدت الخسائر دفاعًا عن الحقوق والحريات وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير واستقلال الإعلام. فإن كان الإعلام في حملته الشرسة ضد المنظمات المستقلة قد قبّل التنازل عن دوره كشريك للمجتمع المدني في الدفاع عن الحريات، فهذا لن يحدث مع المنظمات الحقوقية مهما بلغ حجم الضغط عليها والانتقام منها.
Share this Post