يطالب مركز القاهرة لدرسات حقوق الانسان و منظمات ائتلاف المنصة[1] المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق الفوري في واقعة العثور أمس الخميس 27 أكتوبر على 36 جثة- برصاص في الرأس- على قارعة طريق مدينة الأبيار -70 كيلو متر من مدينة بنغازي- والتي تقع تحت سيطرة المجموعات العسكرية التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي في الشرق.
وتذّكر المنصة مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتأكيدات والتعهدات[2] الصادرة عنه بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا, كما يناشد الائتلاف المحكمة الجنائية بالإسراع في التحقيق بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تتكرر بشكل ممنهج في ليبيا، وقد تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب.[3]
إن تباطؤ مكتب المدعي العام والدول الأعضاء بالمحكمة الجنائية في تنفيذ أوامر القبض الصادرة عن مكتب المدعي العام،[4] وفي إصدار المزيد من أوامر القبض ضد المشتبه بارتكابهم جرائم جسيمة, يشجعهم على الاستمرار في تلك الانتهاكات، و يزيد من أعداد المنتهكين طالما بقوا بمعزل عن المحاسبة الدولية.
ومن جانبها تناشد منظمات المنصة المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية باتخاذ اللازم إزاء الدول التي تنتهك حظر السلاح الصادر عن مجلس الأمن في 2011، باعتبارها تأجج الصراع الداخلي في ليبيا، وتصبح بذلك شريكة في المسئولية عن الانتهاكات المرتكبة من الجهات التي تمدها بالسلاح، تحت مسمى الحرب علي الإرهاب، وذلك علي الرغم من وجود مجموعات راديكالية مسجلة في الشرق و الغرب تستفيد من الدعم المسلح لتلك الدول.
لقد تقاعست السلطات التنفيذية الرسمية والفعلية في الشرق والغرب عن اتخاذ أي تدابير فعلية فيما يزعزع الثقة في جدية قيادات المجموعات المسلحة والعسكرية القيام بتحقيقات ضد أحد أفرادها النافذين. إذ لم تتخذ القيادة العامة للجيش الليبي في الشرق أية إجراءات ملموسة ضد عمليات القتل خارج نطاق القانون التي ارتكبها النقيب محمود الورفلي، والتي ترتقي لجريمة حرب، ضمن عمليات قتل شملت 33شخصًا في الفترة بين 3 يونيو 2016 أو ما قبله و17 يوليو 2017, وذلك رغم إعلان القيادة العامة للجيش الليبي في الشرق بدء التحقيق مع الورفلي في 2 أغسطس 2017،[5] إلا انه تمكن لاحقًا من استصدار قرار رسمي في 14 أغسطس بصفته أمر محاور القوات الخاصة. [6]
وبالمثل لم تتحرك ساكنة إثر إعلان المجلس الرئاسي عن بدء التحقيقات في واقعة إعدام عمد لما لا يقل عن 30 أسير في براك الشاطئ جنوب ليبيا، في 18 مايو 2017 من الكتيبة الـ12 التابعة للقيادة العامة للجيش الليبي، علي أيدي مجموعات مسلحة تابعة للمجلس الرئاسي في جنوب ليبيا.
كما لم تٌتخذ أية تدابير ضد أفراد كتيبة أولياء الدم، بالرغم من توثيق انتهاكات بعض أفرادها في تقرير لجنة تقصي الحقائق المكلفة من مجلس حقوق الإنسان في 16 فبراير2016، وذلك رغم إقرار القيادة العامة في البيان رقم 2 في 27 فبراير 2016 بوقوع الانتهاكات وإعلان عزمها ملاحقة المتورطين في الانتهاكات، إلا انه فعليا قد تم توزيع الأفراد على مجموعات أخرى دون أية إجراءات قانونية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات. كما لم يتمكن مكتب النائب العام الليبي بطرابلس من اتخاذ أية إجراءات فعلية لملاحقة مرتكبي جريمة قتل جماعي لـ13 شخصا أفرج عنهم من سجن “الرويمي” بطرابلس في 10 يونيو 2016.
ومازالت السلطات القضائية الليبية في جميع أنحاء البلاد عاجزة على ضمان المساءلة القانونية الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. فضلا عما يعانيه القضاة والمدعين العامين والهياكل القضائية من هجمات مستمرة في المنطقة الغربية من ليبيا – في طرابلس، الزاوية، الجميل، والعجيلات. وفي الجزء الشرقي من ليبيا، بالإضافة إلى عشرات المدنيين الذين يواجهون محاكمات عسكرية في انتهاك للإطار القانوني الليبي.
وفي هذا السياق تدعو منظمات المنصة المحكمة الجنائية الدولية لعدم الالتفات لأية وعود من السلطات الليبية الرسمية أو الفعلية في الشرق والغرب بإجراء تحقيقات علي المستوي المحلي، بعدما ثبت عجز السلطات الليبية التنفيذية والقضائية بشكل الكامل عن التعامل مع الانتهاكات الجسيمة في ليبيا. كما تطالب المنصة المحكمة بمتابعة التحقيقات وإصدار المزيد من مذكرات الإيقاف بحق المشتبه تورطهم في جرائم جسيمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة، والبدء في إجراء تحقيقات داخل ليبيا كلما كان ذلك ممكنًا،أو مباشرة التحقيق من تونس بصفتها الجار العضو في اتفاقية روما، وذلك لتمكين الضحايا من الإدلاء بأكثر قدر ممكن من الشهادات والتفاعل مع المحامين، والقضاة وممثلي المجتمع المدني.
حالياَ في ليبيا، توجد عدة سلطات متنافسة لكل منها مجموعات مسلحة وعسكرية، واستمرارهم في المنافسة على الشرعية يدفع نحو مزيد من تدهور حالة حقوق الإنسان، وارتفاع وتيرة الهجمات على موظفي القضاء ومنظمات المجتمع المدني المحلية، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والإعلاميين والمدنيين والمهاجرين. كما يؤدي لمزيد من عمليات القتل خارج نطاق القانون، التعذيب، الاغتصاب، الاحتجاز التعسفي، الهجمات العشوائية على الأحياء السكنية والبنية التحتية للدولة، على نحو قد يصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب خلال الصراعات الداخلية الدائرة بين المجموعات المسلحة وشبه العسكرية.
ونحن نعتقد أن مكافحة الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال آلية دولية سوف يعزز من حماية المدنيين في ليبيا، ويمهد الطريق لإرساء دولة القانون والعدالة، بل ينتظر أن تخفف هذه الآلية من وطأة هجمات المجموعات المسلحة والعسكرية على مؤسسات الدولة الوليدة، كما يفترض أن تساعد هذه الآلية في منع المجموعات المسلحة من تقويض محاولات الليبيين للوصول لحل سلمي مستدام.
ثمة فرصة حقيقية في ليبيا اليوم لمكافحة الإفلات من العقاب، ودفع عملية السلام إلى الأمام من خلال دعم المجتمع الدولي وجميع السلطات الليبية لعمل المحكمة الجنائية الدولية على الملف الليبي.
[1] ترتكز رؤية الائتلاف على خلق فضاء للالتقاء والتحاور والتنسيق من أجل تطوير ورفع كفاءة المجتمع المدني الليبى وتمكينه من القيام بدور فعال في تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان ووضع إستراتيجية متكاملة للتغيير والتأثير على مختلف الأصعدة.. لمزيد من المعلومات: https://cihrs.org/?p=19098
[2] التقرير المحال من محكمة الجنايات الدولية الى مجلس الامن في مايو 2013/ بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 24 يوليو 2014/ بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 11 نوفمبر 2014/ بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 11 مايو 2015 /بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 4نوفمبر 2015 /بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 25 مايو 2016 / بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 8 نوفمبر 2016/ بيان السيدة المدعية العامة بمحكمة الجنايات الدولية بتاريخ 14 أغسطس 2017.
[3] كما توضحه المادة 7 و 8 من نظام روما.
[4] وفقًا لقرار مجلس الأمن 1970 الصادر في 15 فبراير 2011 يحيل إلى المحكمة الجنائية النظر في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية ومنها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ولا تزال ولاية المحكمة الجنائية ممتدة إلى الجرائم المرتكبة منذ 2011 إلى الوقت الحالي.
[5] تحت رقم 31/1957
[6] تحت رقم 167/311.
Share this Post