الطوارئ ..في سؤال وجواب
تنتهي حالة الطوارئ رسمياً اليوم الخميس الموافق 31 مايو 2012 ، فبناء على المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010 "تمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 560 لسنة 1981 المشار إليه لمدة سنتين اعتباراً من أول يونيه سنة 2010 حتى 31 مايو سنة 2012.
فما المقصود بحالة الطوارئ وما الحقوق التي تقييدها؟ والتزاماتنا في إطارها؟ وهل نحن بحاجة لها الان؟
حالة الطوارئ هي نظام قانوني استثنائي، تلجأ إليه الدول لمواجهة أوضاع استثنائية عاجلة تمر بها البلاد. وتؤدى حالة الطوارئ إلى تقوية السلطة التنفيذية لمواجهة مثل هذه الأخطار على حساب مساحات الحرية المتاحة، حيث تبيح ما لا يباح في الأوقات العادية. ففكرة الطوارئ هي إعطاء سلطات استثنائية لمواجهة حالة غير عادية تعجز القوانين والإجراءات العادية عن مواجهتها.
وقد نظم العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية- الذي صدقت عليه مصر فأصبح جزء من قوانينها- ممارسة المواطنين لحقوقهم في الأحوال الطبيعية المستقرة وأيضاً في حالات تطبيق الطوارئ، وذلك حتى تضمن الأمم المتحدة آليات لحفاظ وصيانة الدول لحق مواطنيها في ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية في أي وقت، وأن ممارسة هذه الحقوق لا يجب ربطها بتطبيق حالة الطوارئ.
وتتيح الاتفاقية لمصر ولأي دولة أخرى اتخاذ حزمة من الإجراءات والتدابير الاستثنائية أثناء تطبيق حالة الطوارئ لضمان فرض النظام وحفظ الأمن بشرط ألا يتعارض ذلك مع الواجبات المفروضة على الدولة وفقاً للاتفاقية في الحفاظ وصيانة حقوق المواطنين، شريطة أن تقوم الدولة بإبلاغ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجراءات التي تنوي اتخاذها عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة موضحة الأسباب اللي دفعتها لاتخاذ مثل هذه الإجراءات والمدة التي تنوي تطبيق هذه الإجراءات فيها.
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أيضاً حدد مجموعة من الحقوق والحريات التي يجب على الدول العمل على احترامها وصيانتها حتى في ظل حالات الطوارئ، وهي الحق في الحياة والحق في المعاملة الكريمة وعدم جواز إخضاع أي شخص للمعاملة اللاإنسانية أو لأي عقوبة قاسية أو للتعذيب، وكذلك حرية الفكر والوجدان والدين.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلي أن التدابير المتخذة في تقييد باقي الحقوق هي ذات طابع استثنائي ومؤقت ويمكن لها أن تستمر فقط طوال المدة التي يكون فيها بقاء الدولة ذاتها مهددا، وانه في أوقات الطوارئ، تصبح حماية حقوق الإنسان أهم مما عداها، وخصوصا تلك الحقوق التي لا يمكن الانتقاص منها.
طبقت حالة الطوارئ /الأحكام العرفية خلال المائة عام الماضية من عام 1912 وحتى 2012 أي لمدة 72 عام. فمصر عاشت 28 عاماً فقط بقوانين غير استثنائية.
كانت المرة الأولي التي أعلنت فيها حالة الأحكام العرفية مع بداية الحرب العالمية الأولى في عام 1914، تحت الاحتلال البريطاني، حيث كانت بريطانيا من ضمن الدول المشاركة في الحرب. ثم تم رفع حالة الأحكام العرفية / حالة الطوارئ وإعلانها لمدد مختلفة منذ ذلك التاريخ، إلا أن أطول مدة تم إعلان حالة الطوارئ فيها هي تلك التي بدأت منذ اغتيال الرئيس أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 وحتى الآن أي 31 عاماً.
يمكن تمديد حالة الطوارئ إذا دعت الظروف والأوضاع في الدولة إلى ذلك، إلا أنه وعلى مدار الواحد والثلاثون عاماً الماضيين كان قرار تمديد حالة الطوارئ غير محدد لمواجهة مخاطر بعينها، باستثناء عام 2008 حيث تم تمديد حالة الطوارئ لمدة عامين لحين صدور قانون لمكافحة الإرهاب. وفي عام 2010 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010 بتمديد حالة الطوارئ بحجة مواجه أخطار الإرهاب وتمويله وجلب وتصدير المواد المخدرة والاتجار فيها.
بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير تم استفتاء الشعب علي بعض التعديلات الدستورية على دستور 1971 وتم إقرار تلك التعديلات في 30 مارس 2012 في صيغة إعلان دستوري أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وطبقاً للمادة 59 من الإعلان الدستوري، لا يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ إلا بعد أخذ رأي مجلس الوزراء وموافقة مجلس الشعب. كما اشترطت المادة أنه في حال الموافقة على إعلان حالة الطوارئ ألا تتجاوز المدة 6 أشهر، ولا يجوز تمديدها إلا بعد استفتاء شعبي. وبناء عليه فاليوم 31 مايو 2012 لا يستطيع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تمديد حالة الطوارئ إلا بعد موافقة مجلس الشعب واستفتاء شعبي.
في 2010 اختلف موقف نواب مجلس الشعب من قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ لمدة عامين، فقد أيد نواب الحزب الوطني (المنحل) القرار وصوتوا لصالحه بنسبة 68% وأكدوا على إن مبررات العمل بالطوارئ باقية، ولكنهم أوضحوا بأن هناك تقدماً ملموساً في قصر العمل بحالة الطوارئ على حالات مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات والتي اعتبروها من المخاطر التي تهدد استقرار وأمن البلاد وتتطلب مواجهتها بكل حزم.
أما نواب المعارضة (الإخوان المسلمون 85% منهم) فقد رفضوا تماماً تمديد العمل بحالة الطوارئ وبرروا رفضهم بأن القرار يوسع من صلاحيات أجهزة الأمن في اعتقال النشطاء والمعارضين، كما أن القرار سيكون له آثار واضحة على تقييد الحريات العامة وإسكات الأصوات المعارضة قبل الانتخابات البرلمانية. كما أصدروا نواب الإخوان بيان أعربوا فيه عن رفضهم للقرار، وقالوا إن أسباب استمرار حالة الطوارئ قد أنتفت وأن البرنامج الانتخابي لمبارك في سنة 2005 أكد على إنهاء الطوارئ وعليه الالتزام، وهو ما أشار إليه عصام العريان القيادي في جماعة الإخوان ونائب مجلس الشعب مؤخرا مشيرا إلي أن النضال ضد استمرار الطوارئ لابد أن يستمر، فلولا تحدِّي الطوارئ وعدم الاستسلام للإجراءات القمعية؛ ما أصبح داخل السجون المصرية عشرات الآلاف من السياسيين ولا تعرَّض المئات للمحاكمات العسكرية، حيث أدمن النظام المصري العمل بحالة الطوارئ المقيدة لكل الحريات، والتي تهدر ضمانات التقاضي الطبيعية، وتشوّه صورة مصر في بلاد العالم. والموقف نفسه أعلنه حزب الكرامة وحزب التجمع.
من المهم إننا نشير إلى إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان قد أعلن أكتر من مرة عن نيته لإنهاء حالة الطوارئ ولم ينفذ تعهده. فعلي سبيل المثال وعد المجلس بإنهاء حالة الطوارئ قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في شهر سبتمبر الماضي، وذلك لإجراء أول انتخابات حرة في تاريخ مصر بعيداً عن مساوئ حالة الطوارئ التي ميزت الانتخابات في عهد النظام السابق. ولكن على عكس التعهدات لم يلغى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حالة الطوارئ، بل وسع من الأفعال التي يطبق عليها قانون الطوارئ بتعديله لقرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2012 لتشمل ” الاضطرابات في الداخل وكافة أخطار الإرهاب والإخلال بالأمن القوميوالنظام العام بالبلاد أو تمويل ذلك كله وحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار فيها وجلب وتصدير المواد المخدرة والاتجار فيها، وكذا على حالات مواجهة أعمال البلطجة, والاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت وتعطيل المواصلات وقطع الطرق, وبث أوإذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة عمداً” (مادة 1 من قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 193 لسنة 2011)
فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يتوسع فقط في الحالات التي يطبق فيها قانون الطوارئ، بل أنه استخدم عبارات فضفاضة وغير منضبطة مثل النظام العام والأمن القومي. كما أن قراره لم يقتصر علي توسيع الحالات التي يطبق عليها قانون الطوارئ، بل أيضا توسع في التدابير المتخذة وفقاً لقانون الطوارئ، فبعد أن قصر قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010 المشار إليه التدابير على تلك المنصوص عليها في البندين (1) و(5) من المادة 3 من قانون الطوارئ والمتعلقين بحق الاجتماع والتنقل والقبض على المشتبه فيهم (بند1) وسحب تراخيص السلاح وإغلاق مخازن السلاح (بند 5)، وجاء القرار رقم 193 لسنة 2011 المشار إليه بالتوسع في اتخاذ كافة التدابير المنصوص عليها في قانون الطوارئ
في 24 يناير 2012 وقبل يوم من الذكرى السنوية الأولى للثورة، أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرار بإنهاء حالة الطوارئ وقصرها على حالات البلطجة فقط، وفي حقيقة الأمر فإن “البلطجة” أو الخروج عن القانون ليست مبرراً لاستمرار حالة الطوارئ، فهي أفعال مهما بلغت أثارها السلبية لا تصل لدرجة “تهديد حياة الأمة” والتي أقرها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية سببا لاتخاذ تدابير استثنائية في أضيق الحدود لمواجهتها.
وجود حالة طوارئ نافذة بدون توقف تقريباً على مدار المائة عام الماضيين في مصر لا يجعلها حالة استثنائية؛ وهو ما يتنافى مع فكرة الظروف الاستثنائية. بالإضافة إلي انه في ظل سريان حالة الطوارئ يفقد المواطنون حرياتهم الأساسية التي كفلها لهم الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية، ويعطي الحق للسلطة التنفيذية في انتهاك حقوق المواطنين بعيداً عن رقابة القضاء.
ولعل أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في ظل حالة الطوارئ هي:
الاعتقال الإداري: يجوز تقييد حرية الأفراد بالقبض عليهم أو اعتقالهم (إداريا) بأمر من الحاكم العسكري أو من يفوضه، وقد يكون هذا الأمر شفهي أو كتابي (مادة 3، بند1 من قانون الطوارئ) كما لم يحدد قانون الطوارئ الفترة الزمنية القصوى للاعتقال الإداري لأي شخص لتهديده للأمن القومي، وهو ما يعني أن الشخص يمكن حبسه إلى أجل غير مسمى بموجب هذا القانون، وذلك خلافاً للقانون والدستور اللذان يقضيا بأن يكون تقييد حرية الأفراد وفقاً لأمر قضائي مكتوب. البند رقم (1) من المادة يجيز تقييد الحرية الشخصية بأمر من الحاكم العسكري بينما يقرر الدستور أن هذا التقييد لا يجوز إلا بأمر القاضي أو النيابة العامة (المادة 41 من الدستور).
انتهاك حرمة المنازل: استباحة حرمة المنازل ودخولها وتفتيشها دون سند قضائي، بل يكفي أمر كتابي أو شفهي من الحاكم العسكري (مادة 3 بند رقم 1 من قانون الطوارئ) وهو ما يتعارض مع القانون والدستور الذي يستوجب سند قضائي لتفتيش ودخول المنازل.
انتهاك الحق في الخصوصية عن طريق مراقبة الرسائل: انتهاك الحق في الخصوصية وسرية المراسلات عن طريق السماح بمراقبة الرسائل البريدية بأمر كتابي أو شفهي من الحاكم العسكري (مادة 3 بندر رقم 2 من قانون الطوارئ)، وذلك خلافاً للقانون الدستور اللذان كفلا حظر مصادرة الرسائل أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بسند قضائي.
رقابة الصحف والمطبوعات وتعطيلها: انتهاك حرية الرأي والتعبير وذلك عن طريق الرقابة على الصحف والمطبوعات وإمكانية تعطيلها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، وذلك بأمر كتابي أو شفهي صادر من الحاكم العسكري (مادة 3 بند رقم 2 من قانون الطوارئ). وذلك خلافاً للقانون والدستور المانعان الرقابة على الصحف أو تعطيل الصحف بالطريق الإداري
محاكم أمن الدولة العليا طوارئ هي محاكم منشأة وفقاً لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، وتعتبر من قبيل المحاكم الاستثنائي الجائرة التي تفتقد لقواعد المحاكمات العادلة والمنصفة. وقد تتخذ تلك المحاكم شكلا واحدا من ثلاث أشكال: محكمة مشكلة من قضاة عاديين فقط، محكمة ذات تشكيل مختلط من قضاة وعسكريين، محكمة مشكلة من عسكريين فقط.
وطبقاً للمادة السادسة من قانون الطوارئ يحال المقبوض عليهم بناء على قرار من رئيس الجمهورية لمحاكم أمن الدولة العليا طوارئ، الذي وفقا للقانون يشكل محاكم أمن الدولة العليا طوارئ وبيده أيضاً سلطة تحديد اختصاصاتها وذلك خلافاً للدستور الذي أوجب أن يكون إنشاء المحاكم وتحديد اختصاصاتها بموجب القانون. كما أن محاكم أمن الدولة العليا (طوارئ) هي محاكم من درجة واحدة لا يجوز الطعن على أحكامها أمام محاكم الاستئناف أو النقض، ولا يعتبر الحكم نهائياً إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية.
وتنتهك المادة 12 من قانون الطوارئ مبداء التقاضي على درجتين حيث يحصن القانون أحكام محكمة أمن الدولة من كافة سبل الطعن عليها ولا تعتبر أحكامها نهائية إلا بعد تصديق رئيس الدولة عليها ، فهي بذلك تعتبر محكمة لا يجوز استئناف أو نقض أحكامها. وتنتهك المادة 14 من قانون الطوارئ مبدأ قانوني ودستوري هام وهو مبدأ (عدم جواز المعاقبة على ذات الفعل مرتين) فقد أعطت المادة 14 لرئيس الجمهورية الحق في إعادة المحاكمة في قضية يكون قد سبق الفصل فيها أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ
تعتبر نيابة امن الدولة من النيابات المتخصصة التي صدر بإنشائها وتحديد اختصاصها قرار وزير العدل الصادر في 8 مارس 1953، والمعدل بالقرارات 1270 لسنة 1972، 296 لسنة 1979، 2453 لسنة 1980، وتختص بالتحقيق في الجرائم الآتية:
- الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من الداخل والخارج، وجرائم المفرقعات، والرشوة، والجنح المتعلقة بالأديان، والجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها إذا كان المجني عليه موظف عام.
- الجنايات التي يصدر بها أو بإحالتها إلى محاكم امن الدولة العليا أمر من رئيس الجمهورية.
- جرائم الإضراب عن العمل والتحريض عليه وتحبيذه، والاعتداء على حق العمل وحريته والتوقف عنه بالمصالح ذات المنفعة.
- جرائم المظاهرات في الطرق العمومية والاجتماعات العامة والتجمهر والجرائم المرتبطة بها.
- جرائم التسعير الجبري وتحديد الأرباح.
- الجرائم المنصوص عليها في قانون الأحزاب السياسية.
ويشوب نيابة أمن الدولة العليا عوار دستوري حيث أن النيابات عموماً تعتبر أحد الجهات القضائية، وطبقا للمادة 167 دستور عام 1971 فالقانون فقط هو الذي ينشئ الهيئات القضائية ويحدد اختصاصها بينما نجدا أن نيابة أمن الدولة العليا منشأة
وفقاً لقرار وزير العدل المشار إليه وذلك يعد مخالفة لأحكام الدستور.