تــــــغيـــــــــــــير لا تعــــــــديـــــــــل
في إطار قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخير بتعديل القانون الحالي لتنظيم العمل الأهلي رقم 70 لسنة 2017، تؤكد المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه أنه لا جدوى من أية مساعي لتعديل هذا القانون المعيب المبني على فلسفة عدائية تجاه المجتمع المدني، وأنه لا بديل عن عملية إعادة هيكلة متكاملة للقانون تنطلق بالأساس من اعتراف وتقدير لدور المجتمع المدني ورغبة سياسية في تحريره واستقلاله. وتشدد المنظمات على أن مخالفة القانون الحالي للنص الدستوري وضماناته، والتزامات مصر الدولية بموجب مواثيق حقوق الإنسان بل وتعارضه مع أبجديات العمل الأهلي لن تجدي معها أية تعديلات، إذ يتعين تغيير الفلسفة التي بني عليها هذا القانون، وبدء عملية متكاملة- يمثل إصدار قانون جديد أولى خطواتها- نحو تمكين المجتمع المدني وتحرير العمل الأهلي في مصر بما يتسق والدستور والمواثيق الدولية.
من جانبها ترى المنظمات أن يكون مشروع القانون الذي انتهت إليه المشاورات الديموقراطية المثمرة الممتدة لقرابة 6 أشهر بين الدولة والهيئة العليا للعمل الأهلي الصادر بتشكيلها قرار رقم 164 لسنة 2013 لوزير التضامن الاجتماعي أحمد البرعي[1]هو الأساس لأي نقاش حول مستقبل العمل الأهلي في مصر والإطار التشريعي الناظم له. فقد سبق وخضعت تلك المسودة للبحث في جلسات جادة ومناقشات مطولة، واستقبلت اللجنة العديد من الملاحظات من الحكومة والوزارات والأجهزة المعنية ومن المجتمع المدني حول مشروع القانون. بينما صدر القانون الحالي بطريقة تسلطية، دون حوار أو تشاور مع ممثلي العمل الاهلي وفي تجاهل لتأكيدات المنظمات أن هذا القانون يسعى إلى شل قدرة المجتمع المدني.
كان مشروع القانون الذي خرج عن لجنة البرعي محل استحسان الجمعيات المصرية فضلاً عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، إلا أنه وبعد هذا الجهد المثمر تم تنحية القانون والإطاحة بالوزير أحمد البرعي، وإملاء مشروع قانون أخر متناقض معه تمامًا. الأمر الذي أسفر عن تعرض القانون الجديد(الحالي) رقم 70 لسنة 2017 لانتقادات دولية واسعة، واعتبره المقرر الخاص المعني بالتجمع السلمي والحق في تكوين الجمعيات بالأمم المتحدة ” قانون أعد بشكل متعمد لشل قدرة المجتمع المدني على الحركة وقمع قدرته على التعبير عن أرائه.” وتوالت الانتقادات الدولية ووصلت لحد تجميد الإدارة الأمريكية جزء من المعونة العسكرية لمصر بسبب مخاوف تتعلق بمستقبل العمل الأهلي والمنظمات المستقلة في ظل هذا القانون.”
وربما لو كان البرلمان أنصت وتشاور مع المجتمع المدني، ولو ألتفت الرئيس عبد الفتاح السيسي للمذكرة التي قدمها له مركز القاهرة وحظيت بدعم 22 منظمة حقوقية و4 أحزاب سياسية شارحة في 13 صفحة أهم مشاكل القانون الحالي، ما أضطر الرئيس اليوم لاتخاذ خطوات نحو تعديله بعد ضغوط دولية كبيرة، وما عجزت الدولة عن تفعليه لمدة عامين أو حتى وضع لائحة تنفيذية له. فهذا الفراغ التشريعي الذي لم يستطع القانون الحالي تلبية متطلباته، عرقل عمل عدد هائل من المنظمات القائمة وحرم الكثير من الجديد منها من التسجيل، وبالتالي حرم ملايين المواطنين من ملاذ أخير لمواجهة انتهاكات وتعديات صارت شبة يومية على حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق تذّكر المنظمات الموقعة بعدة ضمانات أساسية يفترض أن تكون قوام أي قانون جديد منظم للعمل الأهلي، على رأسها ضمان الحق الدستوري في اكتساب الجمعيات الأهلية الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية والغرامات التي قد تصل إلى مليون جنيه وضمان حرية العمل الأهلي -وفقاً للنص الدستوري أيضاً- من خلال إلغاء السلطات الواسعة والاستثنائية الممنوحة للجهة الإدارية، والتي تتيح لها التدخل في طبيعة أنشطة الجمعيات واختيار أعضائها وتحديد جدول أعمالها، فضلا عن ضرورة تذليل العقبات المادية والبيروقراطية الخاصة بعملية التأسيس والإدارة، والأهم هو رفع يد الأجهزة الأمنية عن العمل الأهلي. كما يفترض أن يتبع أي قانون جديد آلية الرقابة اللاحقة، والتي تنعكس بالضرورة على آلية تأسيس الجمعية بالإخطار وطريقة عملها وتنمية مواردها المالية، وذلك عوضاً عن الرقابة السابقة التي تستلزم الموافقة المسبقة قبل أي نشاط، وتتسبب -من واقع الممارسة العملية- في شل قدرة الجمعيات على العمل.
إن إصدار قانون يضمن استقلال المجتمع المدني وتمكينه من أداء دوره يفترض أن يكون خطوة تكميلية لإجراءات عديدة تضمن وقف الممارسات العدائية تجاهه والانتقام من قياداته، هذا العداء الذي تجلى في هجوم شرس على المنظمات-خاصة الحقوقية المستقلة- من خلال القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة بقضية التمويل الأجنبي، والتي على خلفيتها تم منع 30 حقوقي على الأقل من السفر، وحرمان 7 منظمات و10 مديرين ومؤسسين من التصرف في أموالهم، فضلاً عن التهديدات بالقتل والملاحقات القضائية لبعض المحاميين الحقوقيين، مما أجبر بعض المنظمات على الغلق أو تعليق عملها.
المنظمات الموقعة تأمل أن تكون هناك إرادة سياسية جادة لفتح المجال العام وتحرير العمل الأهلي، وأن يكون قرار الرئيس الأخير فرصة لمراجعة سياسات أثبتت عدم جدواها في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي، وأن تتخطى مساعي تعديل القانون الحالي حدود التغيرات الشكلية أو الاستجابات الظاهرية للضغوط الدولية، خاصة ومصر على أعتاب الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام الامم المتحدة بعد أشهر. إن تحرير العمل الأهلي، عملية متكاملة تبدأ من قانون يضمن استقلال المجتمع المدني وتمر بالعديد من مساعي التمكين المنطلقة من فهم لدور المنظمات المستقلة وليس الانتقام منها.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية- نضال
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- مركز النديم
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- مركز عدالة للحقوق والحريات
- المركز الإقليمي للحقوق والحريات
- كوميتي فور چستس
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
[1] لجنة مكونة من خبراء بالعمل الأهلي ضمت في عضويتها رئيس الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية ورئيس الاتحاد الإقليمي بالقاهرة، وحضر اجتماعاتها بمقر وزارة التضامن ممثلون لمختلف الوزارات. كما نظمت اللجنة جلسات استماع وحوار مجتمعي شارك فيها أكثر من عشرة آلاف شخص من العاملين والمهتمين بالجمعيات الأهلية.
الصورة : Hossam el-Hamalawy
Share this Post