٧٠ عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
قام مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتنظيم المنتدى الإقليمي الواحد والعشرون للحركة العربية لحقوق الإنسان في تونس خلال يومي 3 و4 نوفمبر 2018. وشارك في فعاليات المنتدى مجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان والباحثين والأكاديميين والكُتّاب الصحفيين والإعلاميين كما شارك في فعاليات المنتدى ممثلين عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. بلغ عدد المشاركين نحو 50 مشارك من 13 دولة (تونس، المغرب، الجزائر، مصر، ليبيا، اليمن، العراق، سوريا، فلسطين، لبنان، ألمانيا، إيران والولايات المتحدة الأمريكية). افتتحت أعمال المنتدى الإقليمي الواحد والعشرون للحركة العربية لحقوق الإنسان برئاسة كمال جندوبي، رئيس فريق الخبراء الدوليين و الإقليميين البارزين المعني باليمن. وتضمنت الجلسة الافتتاحية كلمات رئيسية لكل من: بشرى بلحاج حميدة رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة وعضو مجلس النواب التونسي، وأندرو جيلمور الأمين العام المساعد لحقوق الإنسان ورئيس مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في نيويورك، وبهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
سبق وأصدر رواق عربي ملف حول تحديات الحركة الحقوقية بعد الربيع العربي كجزء من نقاشات المنتدى
وفيما يلي خلاصات مناقشات المشاركين في المنتدى:
- تحتاج المنظمات الحقوقية في العالم العربي لبناء تصور متكامل بعيد المدي للدفاع عن حقوق الإنسان وللحفاظ على وجود الحركة الحقوقية ذاتها ومواجهة موجات القمع الضارية في أعقاب الربيع العربي. لذا من الضروري أن تسعى لبناء رؤية استراتيجية للعمل الحقوقي تتجاوز الحدود المحلية، وتتعاطى مع ما تفرضه التحديات الإقليمية والدولية الجديدة عليها. هذا يتطلب أيضا تعزيز التحالفات والتشبيك مع المنظمات الحقوقية في المنطقة، والسعى للعمل المشترك مع شركاء محليين وإقليميين ودوليين، وتطوير أساليب عملها وخطابها ومقارباتها، لكي تستطيع التفاعل البنّاء مع التحديات والمتغيرات التي تواجهها.
- تحديات الحركة الحقوقية بعد الربيع العربي ليست فقط تحديات خارجية، أي ما تواجهه من أنظمة حكم قمعية أو تغييرات كبري في المجتمع الدولي؛ بل هناك مشكلات عميقة داخل الحركة عليها أن تتمتع بالجرأة اللازمة لمواجهتها ومعالجتها. مثل عدم الاتساق أحيانا في المواقف الصادرة عن المنظمات نتيجة الحسابات قصيرة النظر أو تأثير الانتماءات السياسية والتوجهات الأيديولوجية على العمل الحقوقي؛ أوضعف الثقافة المهنية؛ أوعدم تثمين العمل والتنسيق المشترك بين المنظمات، أو عدم تثمين أهمية تطوير رؤية استراتيجية للتغيير وتحقيق الأهداف. ذلك يتطلب فتح نقاش صريح ونزيه ومعمق حول القضايا والمشكلات الداخلية. وليس بالضرورة أن تثمر النقاشات حلول فورية للأزمات الداخلية، ولكن المهم أن تطرح النقاشات الأسئلة الصحيحة والضرورية أولا. هذا ما سعى المنتدى الإقليمي الواحد والعشرون للحركة العربية لحقوق الإنسان إليه.
- أدت موجات القمع غير المسبوقة التي تشنها الثورات المضادة في المنطقة إلى تصدع أو إضعاف بعض الائتلافات الحقوقية المحلية المستقلة التي سجلت نجاحات سابقة في مستويات التعاون والتأثير. وفيما انتقل العديد من المدافعين من أكثر من بلد عربي إلى العمل في الخارج حيث تتوافر بيئة عمل آمنة نسبيا؛ نشب خلاف بين بعض المنظمات التي اختلفت أنماط استجاباتها للقمع، وتجاوز الخلاف تقييم المشهد السياسي وتحديد الأولويات، وأصبح هناك انقسام حاد بين بعض أطراف الحركة في أكثر من بلد عربي. على المدافعين عن حقوق الإنسان، “الذين يصرون على الحفاظ على استقلالهم” ومواصلة العمل، الاستفادة من التجارب السابقة للحركات الحقوقية التي مرت بظروف مشابهة مثل الحركة التشيلية في عهد بينوشيه والحركة التونسية في عهد بن علي، وكلا الحركتين نشطتا بقوة في الخارج وكانتا صوتًا قويًا في فضح انتهاكات حقوق الإنسان وفي الدفاع عن نشطاء الداخل. وغالبية المنظمات الحقوقية الناشطة حاليا خارج بلدانها لديها كوادر وشركاء في الداخل، فضلا عن تمتعها بميزات لم تتوافر للمدافعين التشيليين في الدياسبورا خلال عقد التسعينات، وهي ثورة الاتصالات والإمكانات التي توفرها في التواصل والبحث والنشر، والخبرة الواسعة في المناصرة الدولية والتشبيك، وهو ما يمنح الحركة فرص قوية للتأثير لا بد من استغلالها.
- تستقبل الحركة الحقوقية جيلا جديدا من المدافعين ومن المنظمات، بعضه من المنفيين إجباريًا أو اختياريًا بحثًا عن مساحة آمنة وحرة للعمل والحركة؛ بسبب توحش النظم السلطوية في العداء للمدافعين عن حقوق الإنسان. تتمتع بعض هذه المنظمات الحقوقية الجديدة بالمرونة والقدرة على التأثير في مجال المناصرة الدولية، وهو ما قد تستفيد منه منظمات الداخل. كما استطاعت بعض هذه المنظمات أن تؤسس تحالفات وائتلافات جديدة في الخارج، لكن تقتصر مستويات التنسيق والتشبيك على المنظمات التي تنتمي لبلد واحد. من المفيد أن تمتد مستويات التشبيك بين منظمات مختلفة تنتمي إلى بلدان متنوعة؛ وأن يكون لها استراتيجيتها التي تسعى من خلالها للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز دور الحركة عبر المنطقة.
- شهدت المنطقة العربية خلال العقود الماضية، وبسبب قمع الأحزاب السياسية؛ لجوء عدد من النشطاء السياسيين المنتمين لأيديولوجيات مختلفة، إلى تأسيس منظمات حقوق إنسان، كبديل يمكن من خلاله تعويض عدم القدرة على ممارسة النشاط السياسي. وبينما التزم كثير منهم بقيم ومعايير حقوق الإنسان وظهر ذلك في أداء العديد من المنظمات عبر سنوات طويلة؛ انزلق البعض الآخر إلى ممارسة الدفاع عن حقوق الإنسان بانتقائية وبمعايير مزدوجة. إذ لم يؤدي العمل في المجال الحقوقي إلى تغيير أفكار بعض المحسوبين على أحزاب ومجموعات قومية أو إسلامية أو ليبرالية أو يسارية، أو التأثير على تقييماتهم للتطورات السياسية من منظور حقوق الإنسان. بالعكس، حاول أولئك تطويع خطاب حقوق الإنسان لخدمة أحزابهم أو أيديولوجياتهم. وهو ما برز في السنوات الأخيرة في تباين مواقف منظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية إزاء الكارثة الإنسانية في سوريا. برز التباين في تصريحات ومواقف علنية أو بتبني الصمت التام عن انتهاكات جسيمة متواصلة غير مسبوقة منذ عدة عقود. وفيما تؤسس المنظمات الحقوقية في الدول العربية خطابها على طلب التضامن الإقليمي والدولي فإن بعضها صمت تماما إزاء الكارثة الإنسانية المستمرة في سوريا، فيما صمتت منظمات سنوات على قتل وتهجير وسجن مئات الآلاف من الشعب السوري وتكلمت فقط لدعم النظام الذي ارتكب هذه الجرائم. ينبغي أن تجري المنظمات الحقوقية مراجعة جادة لكيفية بناء الخطاب الحقوقي في المنظمات العربية، وكيف يمكن تجنب استخدام منابر حقوقية لخدمة أغراض سياسية. وذلك عبر مناقشات ينخرط فيها كل من يهمه الأمر من منظمات حقوقية. وقد يعني هذا أن الحركة ربما تحتاج لبذل جهود مناصرة من نوع جديد لا يستهدف التأثير على الحكومات، بل يستهدف التأثير على خطاب وممارسات بعض المنظمات الحقوقية لتكون أكثر اتساقا مع معايير حقوق الإنسان الدولية.
- منذ عقود تعاني العلاقة بين منظمات حقوق الإنسان وجماعات الإسلام السياسي من أزمات متواصلة، وذلك للتباين الشديد بين المنطلقات الفكرية لكلا الطرفين. استطاع قطاع واسع من الحركة الحقوقية تجاوز الجدل القديم حول “هل يجب أن تدافع المنظمات عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان المنتمين لتيار الإسلام السياسي؟” وكانت إجابة المنظمات المستقلة هي الدفاع عن جميع الضحايا دون تمييز، برغم أن المدافعين عن حقوق الإنسان وقعوا ضحايا لانتهاكات بعض نظم الحكم المنتمية لتيار الإسلام السياسي. وفي ظل ما شهدته السنوات الأخيرة من تأسيس مجموعات حقوقية تنتمي لتيار الإسلام السياسي؛ يدور الآن جدل داخل الحركة الحقوقية المستقلة حول كيفية التعامل مع هذه المنظمات الحقوقية وحول صواب التعامل معها كشريك أو كحليف في الدفاع عن حقوق الإنسان. وتتباين مواقف المنظمات الحقوقية المستقلة إزاء “الوافدين الجدد” فبعضها يتعامل معهم بحذر وارتياب وتعتبر أن تأسيس هذه المنظمات هو إجراء تكتيكي كرد فعل على قمع جماعات الإسلام السياسي في المنطقة، ولكنه لا يعبر عن اقتناع حقيقي بمنظومة حقوق الإنسان. فيما تقوم منظمات حقوقية أخرى بتقييم الموقف وتراقب أداء الحقوقيين المنتمين لحركات الإسلام السياسي وتدرس إمكانات التعاون في بعض الحملات والقضايا.
- “المحاسبة أم السلم الأهلي؟” هو سؤال مثير للجدل، لأنه يبدو كما لو أن أن هناك تعارضا بين توفير السلم الأهلي وبين تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات وجبر ضرر الضحايا. لكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن الآليات المحلية والدولية ليست بالفعالية اللازمة لتحقيق العدالة وأنها تحتاج لمزيد من التطوير، كما أن على المنظمات الحقوقية الراغبة في تفعيل ملف المحاسبة أن تدرس كيفية التعامل مع بعض المعضلات التي ستواجهها. مثل أن تكون أولوية الضحايا والمتضرين تحقيق السلم ولو على حساب العدالة.
- كانت انتفاضات الربيع العربي أحد أبرز التجليات لتفاقم الأزمات الاقتصادية التي تراكمت واشتدت قسوتها في السنوات الأخيرة. وتعد الحركات الاجتماعية الجديدة التي تنتشر في أكثر من بلد عربي ظاهرة جديرة بأن تحظى باهتمام حركة حقوق الإنسان والتعامل معها كحليف لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولدعم حركة حقوق الإنسان في مواجهة الأنظمة السلطوية. فضلا عن أهمية أن تكون هناك مقاربة إقليمية ملموسة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المنطقة.
- تحتاج حركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية أن تدرس بتمعن تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على وجودها وقدرتها على الاستمرار، وأن تقرأ دلالات الجدل الدائر حول أطروحة نهاية حقوق الإنسان.[1] فالدعم الأدبي والسياسي الذي كان المجتمع الدولي يقدمه لقضايا حقوق الانسان قبل الربيع العربي، قد شهد تراجعا كبيرا. فبعد فشل الانتفاضات في تحقيق أهدافها اختارت العواصم الغربية مساندة نظم حكم قمعية ومستبدة خوفًا من تبعات انهيار الدول وما يمكن أن تؤدي إليه من صعود الجماعات الإرهابية وزيادة تدفق موجات الهجرة غير النظامية. وتزامن ذلك مع التغييرات السياسية والاجتماعية وزيادة الضغوط الاقتصادية في الغرب الذي تبدلت نخبته السياسية في ظل الصعود المتواصل لقوى اليمين المتطرف وظهور النزعات الانعزالية والعنصرية، وهي كلها أمور تصب في صالح الحكومات القمعية في الجنوب. هذا فضلا عن الدور الذي تلعبه ملكيات الخليج الديكتاتورية في القضاء على آثار انتفاضات الربيع العربي، سواء بدعم الثورات المضادة أو بشن حروب همجية يسقط فيها أعداد هائلة من الضحايا دون محاسبة. وهو ما على الحركة الحقوقية أن تدرسه وتشرع في استكشاف حلفاء جدد لكي تتمكن من الاستمرار في معركة الدفاع عن حقوق الإنسان وعن وجودها ذاته، حيث بات القضاء على المنظمات الحقوقية المستقلة أحد أهداف نظم الحكم في المنطقة.
- لا يعني تبدل النخب وصعود قوى اليمين المعادية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في بعض الدول الغربية أن المجتمعات الغربية أصبحت خالية من الأصوات أو المؤسسات الداعمة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وللحركة الحقوقية في الجنوب. فبعض المجالس التشريعية في العواصم الغربية تتخذ في بعض الأحيان مواقف حيوية داعمة لضحايا حقوق الإنسان في المنطقة العربية، مثل بعض مواقف البرلمان الأوروبي والكونجرس الأمريكي، وهو ما يمكن للحركة الحقوقية البناء عليه والاستفادة من الفرص التي توفرها لدعم قضايا حقوق الإنسان.
- تحتاج حركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية أن تبحث كيفية التعاون مع والاستفادة من وسائل الإعلام الدولية التي تتمتع بالحرية بما يمنحها القدرة على التأثير أحيانًا على صناع القرار في الغرب والمنطقة تجاه قضايا حقوق الإنسان في الدول العربية. ففي الوقت الذي حاولت فيه حكومات دول كبرى أن تتغاضى عن جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، وأن تسمح للنظام السعودي بالإفلات من العقاب؛ لعبت وسائل الإعلام الغربية دورًا بارزًا في تسليط الضوء على القضية ومنع نسيان الجريمة حتى اعترفت السعودية باقترافها. وواصلت وسائل الإعلام جهودها في كشف سجل السعودية في انتهاكات حقوق مواطنيها وجرائم الحرب التي ترتكبها في اليمن، وتواصل حملاتها لوقف دعم الحكومات الغربية للمملكة في حربها على اليمن وإلغاء صفقات بيع الأسلحة معها. على حركات حقوق الإنسان أن تستفيد من هذه الخبرة وأن تسعى لتعزيز قنوات التعاون مع وسائل الإعلام الغربية، خاصة في ظل القضاء الممنهج على حرية وسائل الإعلام المحلية وتغييب أي صوت معارض أو مختلف، والحرص على تبعية وسائل الإعلام في المنطقة لسيطرة الأجهزة الأمنية.
- هناك ضرورة للالتفات لأهمية المقاربة الإقليمية لحركة حقوق الإنسان في المنطقة العربية، واستمرار الحوار والنقاش المشترك حول القضايا والتحديات التي تواجهها الحركة في المنطقة، والسعي لوضع استراتيجية عمل إقليمية. وذلك على أن لا تقتصر أهداف العمل الإقليمي المشترك على تحليل التحديات الخارجية والداخلية للحركة ووضع خطط المواجهة والمعالجة، وإنما ينبغي أن تتضمن الأهداف أن يكون للحركة إسهامها في النقاش العالمي الدائر حول نهاية حقوق الإنسان. فالحركة لا تهدف فقط لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدان المنطقة، وإنما هي مكون أساسي في حركة عالمية من أجل حقوق الإنسان في كل مكان.
[1] يتنبأ الأكاديمي ستيفن هوبجود بنهاية وشيكة لحقوق الإنسان، إذ يرى أن التحول إلى عالم متعدد الأقطاب سيدفع مجلس الأمن إلى التركيز على قضايا السلم والأمن وينحي جانبًا قضايا حقوق الإنسان، حيث سيقتصر الاهتمام بها على مناقشات غير مؤثرة ربما في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. هذا فضلا عن غياب قوة عالمية مهيمنة تعمل على تعزيز قيم حقوق الإنسان التي يتراجع تأثيرها في مجال العلاقات الدولية. ويشير في هذا الإطار إلى ضعف دور المحكمة الجنائية الدولية والفشل المتكرر للمجتمع الدولي في حماية المدنيين خلال النزاعات المتفاقمة مثلما حدث في سوريا واليمن وغيرهما. يرى هوبجود أن العالم يدخل مرحلة يزداد فيها تركيز كل دولة على شئونها الداخلية وإعلاء مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة أخرى، وهو ما سيكون له تاثير على حماية حقوق الإنسان. وفي نهاية المطاف؛ سيغدو مفهوم حقوق الإنسان محل تنازع أو رفض من قِبل بعض الأطراف المؤثرة في المجتمعات المختلفة وسيتم إضعاف حركة حقوق الإنسان الدولية ويتقلص تأثيرها بمرور الوقت. لمزيد من التفاصيل حول أطروحة هوبجوود، يمكن الإطلاع على:
Stephen Hopgood (2013) The Endtimes of Human Rights, Cornell University
Share this Post