مرسي لن يكون الأخير: الاهمال الطبي في السجون أداة نظام السيسي لقتل الخصوم
تؤكد المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان أن واقعة وفاة رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسي بهذه الطريقة الصادمة أثناء محاكمته، نتيجة الإهمال الطبي والحرمان من الرعاية الصحية، تفضح اتجاه النظام الحالي للانتقام من خصومه السياسيين في السجون، بالتعذيب والإهمال حد القتل العمدي البطيء والحبس الإنفرادي. وتؤكد المنظمات أن محمد مرسي لن يكون الأخير اذا استمر الوضع كما هو عليه، فثمة أخرين خلف القضبان ينتظرون المصير نفسه، طالما بقيت السجون المصرية بمعزل عن المراقبة الفعالة من جهات مستقلة. وفي ذلك تطالب المنظمات مجددًا بالسماح للجنة الصليب الأحمر الدولية بتقصي أوضاع السجون المصرية والوقوف على حالة السجناء ، كذلك السماح للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية والمجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة السجون، على أن يتم نشر تقريرهم حول أوضاع السجون وتوصياتها علانية. كما تطالب المنظمات الموقعة أدنا بالسماح لفريق من خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة للوقوف على أسباب وفاة محمد مرسي والتحقيق في الأمر. وكذلك محاسبة المسئولين عن الإهمال الطبي الذي تعرض له محمد مرسي.
في 8 يوليو الماضي أصدرت خمس منظمات حقوقية مصرية بيان مشترك تحث فيه المجتمع الدولي للتدخل من أجل وقف “القتل التدريجي” لمحمد مرسي وأخرين، مطالبة السلطات المصرية بالوفاء بالتزاماتها القانونية في توفير الرعاية الصحية اللازمة لمرسي في محبسه ولألاف المحتجزين غيره. إلا أن السلطات المصرية لم تجد ردًا على هذه النداءات إلا مزيد من حملات الاغتيال المعنوي والتشوية والتشهير بالمنظمات المصرية المنضمة للبيان وكل من تضامن معها دوليًا، والمضي قدمًا في الاغتيال الفعلي للرئيس الأسبق.
وفي ذلك تحّمل المنظمات الموقعة على هذا البيان السلطات التنفيذية وعلى رأسها الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي مسئولية وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث أنه من غير المعقول أن يتم التنكيل برئيس سابق وحرمانه من الرعاية الطبية اللازمة رغم النداءات المحلية والدولية حيث كان يعاني من أمراض مزمنة منها السكر والضعط، دون علم الرئيس الحالي وتأييده. فمن واقع متابعة المنظمات الحقوقية لحالات عدة يتبين أن تعامل سلطات السجون مع السجناء السياسيين رفيعي المستوى تحددها قرارات سياسية عليا، كتلك التي صدرت بشأن تقديم رعاية صحية فاخرة للرئيس الأسبق حسني مبارك طوال فترة محبسه. ومن ثم تطالب المنظمات الموقعة بإنهاء الضوء الأخضر الممنوح لتوحش الأجهزة الأمنية لاغتيال الخصوم السياسيين بما في ذلك إباحة القتل بوسائل متنوعة مباشرة وغير مباشرة، وتواطؤ المؤسسات الموالية الأخرى- بما فيها الإعلامية- في القتل المعنوي.
كما تستنكر المنظمات الموقعة على البيان التقاعس الدولي وتجاهل رؤساء الدول الذين سبق والتقى بهم محمد مرسي خلال فترة ولايته للنداء الذي أطلقته بعض المنظمات الحقوقية من اجل التدخل لإنقاذ حياته، والتقارير الصحفية المنشورة في صحف دولية حول حالة مرسي الصحية المزرية وأوضاع السجون المتردية في مصر، فربما كان لتدخلهم أثره في تحسين ظروف احتجازه أو إنقاذ أخرين غيره ينتظرون في طابور الموت بالسجون المصرية.
منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في 2014 تم الزج بعشرات الآلاف من المعارضين السياسيين في السجون سواء إسلاميين او علمانيين كذلك تم الزج بأصحاب الأراء والموافق المستقل من ومدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان ، على خلفية اتهامات معظمها ملفقة تتعلق أغلبها بالانضمام إلى جماعة إرهابية أو جماعة محظورة، أو بممارسة العنف والإرهاب والحض عليه. إن التوسع في توظيف مثل هذه الاتهامات في إطار الانتقام السياسي، جعل من الصعب الوقوف على حقيقتها وتحديد هوية مرتكبيها، وألغى الفواصل الشاسعة بين المعارضين السلميين وهؤلاء الذين لجأوا للعنف، والأهم أن أفقد الدولة الكثير من مصداقيتها في مكافحة الإرهاب.
لقد تحولت السجون المصرية إلى معسكرات اعتقال كبرى، الهدف منها هو معاقبة المعارضين السياسيين على نشاطهم السياسي، تارة بالحبس وأخرى بالإهمال الطبي المتعمد سواء لاحتياجاتهم الصحية أو ما ألم بهم من أمراض جديدة بسبب ظروف الاحتجاز السيئة، إذ وصف تقرير حقوقي بعنوان “كيف تعالج سجيناً حتى الموت“، بطئ الاستجابة للحالات الحرجة وعدم تقديم العلاج والاعتماد على المسكنات فقط، بأبرز الطرق المؤدية للقتل البطيء داخل أماكن الاحتجاز. الأمر الذي يحمل أيضاً رسالة تحذير قوية للمعارضين السياسيين خارج السجون بالكف عن نشاطهم حتى لا يلقوا المصير نفسه.
الرئيس الأسبق محمد مرسي ليس الأول في قائمة القتل البطيء في السجون المصرية ولن يكون الأخير، لكن واقعة وفاته تعكس بشاعة الجرم الذي يرتكب بحق المحتجزين جميعهم، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، في جريمة مكتملة الأركان يشترك فيها كل القائمين على تحقيق العدالة بداية من الرئيس الحالي، مرورًا بجهات سن القوانين وسلطات إنفاذها. ففي نوفمبر 2017 لاقى الناشط النوبي جمال سرور حتفه في السجن إثر تعرضه لغيبوبة بعد تدهور حالته الصحية نتيجة تقاعس سلطات السجن عن توفير الرعاية الطبية له بسجن الشلال بأسوان. وقبله بشهرين فقط، توفى المرشد العام السابق لجماعة الاخوان المسلمين مهدي عاكف 89 عاماً في محبسه، إذ لم ترحم سلطات السجن شيخوخته ولا معاناته مع مرض سرطان البنكرياس وأمراض أخرى، هذا بالإضافة إلى 245 حالة وفاة أخرى في تقرير مراقبة مراكز الاحتجاز لعام 2018 داخل أماكن الاحتجاز المختلفة.
وفي هذا السياق تحذر لمنظمات من أن مؤشر الوفيات نتيجة الإهمال الطبي في السجون مرشح للزيادة طالما بقيت السجون المصرية بلا رقابة، وبقي المسئولون عنها بمعزل عن المحاسبة والمساءلة. إذ تخشى المنظمات الموقعة على حياة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح 67 عام، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ورئيس حزب مصر القوية، المحبوس انفراديًا منذ فبراير 2018، والذي سبق وأفاد ذويه ومحاميه بمعاناته من مشاكل صحية ضخمة في التنفس، وسبق أن تعرض إلي سته ذبحات صدرية في محبسه الانفرادي بالإضافة إلي آلام في المعدة ومشاكل في الظهر تعيقه عن الحركة، ورفضت إدارة سجن طرة تحسين ظروف احتجازه وتنفيذ أمر نيابة أمن الدولة العليا بنقله للعلاج بالمستشفى وعمل الفحوصات الطبية. كما يعاني نائب رئيس حزب مصر القوية محمد القصاص المحبوس من فبراير 2018 أيضا، من اضطراب ضغط الدم والسكر وهي أمراض مزمنة تحتاج لرعاية طبية مستمرة، يتقاعس سجن طرة سيئ السمعة عن تقديمها. كذلك يعاني المحامي الحقوقي إبراهيم متولي من تضخم في البروستاتا ويتعرض للإهمال الطبي في سجن طرة شديد الحراسة (العقرب). كما ينعرض أيضا المستشار هشام جنينة والدكتور جمال عبد الفتاح للإهمال الطبي مما يهدد صحتهم وحياتهم.
المنظمات الموقعة (أبجدياً):
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- كومتي فور جستس
- مبادرة الحرية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز النديم
- مركز عدالة للحقوق والحريات
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- مركز بلادي للحقوق والحريات
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
Share this Post