سعادة موسى فكي محمد
نكتب إليكم بصفتكم رئيسًا لمفوضية الاتحاد الأفريقي، المنظمة القارية المسئولة عن قيادة جدول الأعمال السياسي والتنموي لشعوب أفريقيا، ونحن مطمئنين إلى تفويضكم بتعزيز أهداف الاتحاد الأفريقي.
تعمل المنظمات الموقعة أدناه على النهوض بحقوق الإنسان في أفريقيا، وتوجه خطابها هذا تعبيرًا عن قلقها العميق بشأن حالة حقوق الإنسان في جمهورية مصر العربية. ففي هذه الرسالة، نسلط الضوء على بعض الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في مصر، التي ربما أنتم على دراية ببعضها، ولكن الواقع يخبر بخطورتها الشديدة.
اتجهت أنظار شعوب أفريقيا نحو مصر بعد استضافتها مؤخرًا منافسات كأس إفريقيا للأمم في الفترة بين (21 يونيو – 19 يوليو)، ولكن أحد لم يلتفت للتهديدات الخطيرة التي تواجهها حقوق الإنسان في البلد المضيفة.
ولعل على رأس قائمة مخاوفنا، يأتي التدخل في نظام العدالة، والتوسع في جريمة الإخفاء القسري، والهجمات المتصاعدة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، والتضييق الشديد على وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن استخدام التعذيب المنهجي، والتوسع في عقوبة الحبس الاحتياطي، وغيرها من الانتهاكات التي تطرق لبعضها تفصيلاً أدناه.
التدخل في نظام العدالة وانتهاك الحق في المحاكمة العادلة
في أبريل 2019، تم تعديل الدستور المصري بما يمنح السلطة التنفيذية سلطات مفرطة للسيطرة على القضاء. وبناء عليه، في المواد الدستورية المعدلة 185 و189 و193، يتمتع الرئيس بسلطات تعيين رؤساء الهيئات القضائية، بما في ذلك رئيس المحكمة الدستورية العليا والنائب العام. بينما تمنح المادة 200، السلطة التنفيذية، ولا سيما الجيش، سلطات “حماية الدستور والديمقراطية وحماية (…) الحقوق والحريات الفردية.”
تنتهك هذه التعديلات، بلا شك، فكرة الفصل بين السلطات الضرورية لضمان الضوابط والتوازن بين أذرع الحكومة. فما لم يتم وضع نظام مناسب من الضوابط، فثمة مخاطر عديدة تتمثل في أن يصبح القضاء ذراع الحكومة، يعمل بما يخدم مصالحها، تحت إمرة الجيش، متخليًا عن دوره.
تعد وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، في 17 يونيو 2019، حدثًا مروعًا آخر يفضح انتهاك مصر لحقوق المحاكمة العادلة. إذ توفي مرسي في قاعة المحكمة أثناء حضوره إحدى جلسات محاكمته بتهمة التجسس.[1] وتشير التقارير إلى أن وفاته قد ترتبط بإهمال السلطات المصرية تزويده بالعلاج الطبي الكافي لمرض السكري والكبد والخلل الوظيفي للكلى. [2]
حالات الاختفاء القسري والاعتقال الجماعي والهجمات ضد النشطاء
استخدمت قوات الأمن حالات الاختفاء القسري لنشر الخوف بين الشعب المصري. إذ وثقت هيومن رايتس ووتش 1,530 حالة اختفاء قسري في مصر بين يوليو 2013 وأغسطس 2018. وفي ذلك نعرب عن قلقنا إزاء استخدام الاختفاء القسري والاعتقالات الجماعية ضد النشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين للرئيس السيسي.
يأتي هذا ضمن محاولة أوسع للقضاء على المعارضة في البلاد، راح ضحيتها نشطاء سياسيون مثل المدافع عن حقوق الإنسان وائل عباس (أطلق سراحه الآن)، والجراح شادي الغزالي حرب، والمحام هيثم محمدين، والحقوقية أمل فتحي، والفنان الساخر شادي أبو زيد. [3] هذا بالإضافة إلى هدى عبدالمنعم، المحامية (60 عامًا) والمدافعة عن حقوق الإنسان، وعلاء عبد الفتاح (تم إطلاق سراحه مؤخرًا). واعتبارًا من 1 نوفمبر 2018، تم الإبلاغ عن اختفاء عزت غنيم لعدة أشهر، وهو المدير التنفيذي لمنظمة تسمى التنسيقية المصرية للحقوق والحريات. [4]
الهجوم على وسائل الإعلام
يمنح قانون 2018 الذي ينظم وسائل الإعلام مجلس إدارة الإعلام صلاحيات واسعة للغاية، تمكنه من حجب المواقع الإلكترونية وإغلاق القنوات التلفزيونية ومنتديات النشر دون الحاجة إلى أمر قضائي مسبق. كما يضع القانون حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الشخصية تحت إشراف مجلس الإعلام. وهذا يعني أنه يمكن القبض على شخص لنشره أخباراً مزيفة على حسابه الشخصي، حتى كان ذلك من باب التهكم!
يتفاقم الوضع أيضًا في سياق يتم فيه احتجاز خبراء وسائل الإعلام والصحفيين. على سبيل المثال لا الحصر، حُكم على المصور محمود أبو زيد (شوكان) بالسجن لمدة 5 سنوات، وعلى الصحفي عبد الله الشامي بالسجن لمدة 15 عامًا غيابيًا لا لشيء سوى لقيامه بعمله، وقد أضرب أيضًا عن الطعام في السجن. ومنذ وقت ليس ببعيد، تم اعتقال الصحفي هشام جعفر، وهو مدافع عن حقوق الإنسان ومدير منظمة غير حكومية تركز على الدراسات الإعلامية. وقد تم احتجازه لمدة 3 سنوات ولم يفرج عنه قبل أبريل 2019.
وفي السياق نفسه، نؤكد أن الحملة على وسائل الإعلام أثرت سلبًا على التمتع بحقوق حرية التعبير والوصول إلى المعلومات. ومن وجهة نظرنا، لن تزدهر هذه الحقوق في مصر دون أن تسعى السلطات إلى تحسين سجل حقوق الإنسان في البلاد من خلال السماح بحرية وسائل الإعلام وضمان الحق في الوصول إلى المعلومات. كما يجب على السلطات المصرية الامتناع عن مهاجمة العاملين في مجال الإعلام.
التعذيب
أشار تقرير لجنة مناهضة التعذيب حول مصر لعام 2017 إلى أن ممارسة التعذيب في مصر “أصبحت ممنهجة”. ويضيف التقرير أنه يبدو أن التعذيب يحدث بشكل متكرر بعد الاعتقالات التعسفية وغالبًا ما يتم استخدامه للإجبار على الاعتراف أو لمعاقبة وتهديد المعارضين السياسيين.
يرتكب جريمة التعذيب ضباط من الشرطة والجيش وضباط الأمن القومي وحراس السجن. كما يسهّل المدعون العموم والقضاة وموظفو السجون هذه الممارسة السيئة بفشلهم في كبح ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة أو التحرك بناءً على الشكاوى. [5]
الاحتجاز السابق للمحاكمة (الحبس الاحتياطي)
يرسخ قانون الإجراءات الجنائية المصري [6] الأحكام التي تسمح بالحبس الاحتياطي المبرر بأسباب غامضة للغاية. وقد أدى ذلك إلى احتجاز مطوّل للصحفيين والنشطاء السياسيين. ومن الأمثلة على ذلك، الاحتجاز المطول للصحفي المصري محمود حسين جمعة علي، الذي حُبس احتياطيا لأكثر من عامين دون تهمة. كما يشتبه في أن اعتقال محمود العقابي قبل المحاكمة هو رسالة من الحكومة المصرية إلى الصحفيين الذين يجرؤون على التحدث علنًا ضد السلطات الحاكمة.
غلق المجتمع المدني
شابت الدورة العادية الـ64 للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والتي انعقدت في شرم الشيخ في مصر، تقارير رهيبة عن تقييد المجتمع المدني. كما واجه العديد من مندوبي منظمات المجتمع المدني العاملين في القارة صعوبات جدية خلال محاولاتهم الحصول على تأشيرات دخول. ولم يتمكن المشاركون من غانا وملاوي والسودان وأوغندا وتنزانيا من الحصول على تأشيرات لحضور الجلسة. كما شملت القيود غير المباشرة فرض رسوم باهظة على استضافة اللقاءات الجانبية التي تقودها الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، بالإضافة إلى تعمد تضمين أخطاء معوّقة في التواصل بشأن لوجستيات هذه اللقاءات. كان من الصعب التسجيل في الجلسة، وحكى بعض المشاركين ما بدا أنه تدخلات تقييدية من قبل رجال الأمن. فإذا كان هذا هو الحال خلال حدث رسمي جلل، فلنا أن نتخيل حجم التحديات التي تواجهها جماعات حقوق الإنسان في مصر.
صاحب المعالي: في عام 1984، صدقت مصر على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وهو آلية تلزم الدول الأعضاء باحترام وحماية وإعمال جميع حقوق الإنسان المعترف بها في الميثاق. علاوة على ذلك، فإن مصر دولة عضو بالاتحاد الإفريقي وتشغل حاليا منصب رئيسه، والمتوقع منها أن تقود عملية نشر حقوق الإنسان وتدعم مبادئها المنصوص عليها في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي.
والواقع أن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في مصر لا تتناسب مع التزاماتها الأفريقية ولا مع قوانينها المحلية، بما في ذلك الدستور والآليات الدولية والإقليمية الرئيسية لحقوق الإنسان والتي صادقت عليها مصر. كما تتعارض هذه الانتهاكات مع الهدفين 3 (ز) و(ح) من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي الذي يحث الدول الأعضاء على تعزيز المشاركة الشعبية وحقوق الإنسان والشعوب.
وإذ نشير هنا إلى دور الاتحاد الأفريقي باعتباره المؤسسة الإقليمية الرائدة المكلفة بتحسين حياة شعوب أفريقيا، وخاصة المواطنين المصريين، نطلب منكم بكل احترام اتخاذ تدابير واضحة لضمان التزام حكومة مصر واحترامها لسيادة القانون، وضمان الحماية الكافية لحقوق الإنسان، وتوفيق ممارساتها مع المعايير الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان المصدق عليها بما في ذلك القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. كما نطلب منكم بكل احترام أن تنظروا في إدراج مناقشة حالة حقوق الإنسان في مصر على جدول أعمال القمة القادمة لمجلس رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، مع توصيات للقمة أن تتداول في شأن مطالبة حكومة مصر بالآتي:
- اتخاذ خطوات لضمان الامتثال التام لمعايير حقوق الإنسان الدولية والإقليمية.
- احترام الفصل بين السلطات والامتناع عن التدخل في نظام تحقيق العدالة.
- وقف حالات الاختفاء القسري والتحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها.
- التحقيق مع الجناة ومعاقبتهم، ووقف الهجمات ضد المعارضين السياسيين والمتظاهرين السلميين والصحفيين.
- احترم حق الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام. وعلى وجه الخصوص، رفع الحظر المفروض على الصحافة ووسائل الإعلام المستقلة.
- التحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مرتكبي التعذيب وضمان المساعدة والتعويضات للضحايا.
- معالجة مشكلة طول فترة الحبس الاحتياطي، والإفراج عن جميع المعتقلين المحبوسين احتياطيا دون تهم حقيقية.
- تعزيز ثقافة الحوار والمشاركة والامتثال للمعايير المعترف بها دوليًا وإقليميًا بشأن سيادة القانون وتمكين المجتمع المدني.
بالإضافة إلى ذلك، نطلب منكم أن توصوا الاتحاد الأفريقي بأن:
- يطلب من مصر الإبلاغ عن التدابير بشأن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في البلاد وعن التقدم المحرز في هذا الشأن.
الموقعون:
- التحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين (CIVICUS)
- الشبكة الأفريقية للمدافعين عن حقوق الإنسان
- المبادرة المسيحية في الجنوب الأفريقي (SACHI)
- المدافعون عن حقوق الإنسان في غرب إفريقيا
- شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان في الجنوب الأفريقي (SAHRDN)
- مبادرة الحرية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز المشورة والمساعدة في مجال حقوق الإنسان (CREAA)
- معهد حقوق الإنسان والتنمية في أفريقيا
- منّا لحقوق الإنسان
- International-Lawyers.org
[1] صحيفة وول ستريت جورنال على https://www.wsj.com/articles/egypt-s-ousted-islamist-president-mohammed-morsi-has-died-11560789900 .
[2] تقرير ميدل إيست مونيتور متوفر على الموقع https://www.middleeastmonitor.com/20180331-morsis-health-has-deteriorated-severely/amp/ .
[3] تقرير هيومن رايتس ووتش – 2018 ، متاح على الموقع https://www.hrw.org/world-report/2019/country-chapters/egypt#f95966 .
[4] راجع التفاصيل على https://www.middleeasteye.net/news/egyptian-security-forces-arrest-19-rights-activists-and-lawyers.
[5] الفقرة 69 من تقرير لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب عن مصر، متاح في الملف: /// C: /Users/mandlate/Downloads/G1717367.pdf (Doc A / 72/44 ).
[6] انتقدت مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي، التابعة للأمم المتحدة، مصر انتقادا شديدا بسبب وجود قوانين غامضة بشأن الحبس الاحتياطي. لمزيد من التفاصيل انظر https: //www.ohchr.org/Documents/Issues/Detention/Opinions/Session80/A_HRC_WGAD_2017_83.pdf .
Share this Post