الاستعراض الدوري فرصة لمواجهة القمع غير المسبوق في مصر
في رسالة مفتوحة قدمتها 18 منظمة حقوقية دولية ومحلية- بينهم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان- لأعضاء مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، طالبت المنظمات المجلس باستغلال فرصة المراجعة الدورية الشاملة للملف الحقوقي المصري بالأمم المتحدة، والمقررة في نوفمبر المقبل، في التصدي لمعدلات القمع غير المسبوقة في مصر.
قدّمت المنظمات عدة توصيات بشأن وقف عقوبة الإعدام، والتعذيب، والعنف ضد النساء والفتيات، واحتجاز النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير والتجمع السلمي، ضمن انتهاكات واسعة أخرى في مصر.
الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي ( UPR) هو آلية تتضمن مراجعة واستعراض أوضاع حقوق الإنسان في كافة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بالتناوب كل أربع سنوات. وتحل المراجعة الدورية لمصر في 13 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وفيما يلي نص الرسالة:
رسالة مفتوحة إلى الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي قبل الاستعراض الدوري الشامل لمصر
أصحاب السعادة،
لقد تقرر انعقاد جلسة الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي المصري بالأمم المتحدة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفي هذا الصدد نكتب إليكم من أجل استخدام هذه المناسبة في التصدي للأزمة المستمرة لحقوق الإنسان في مصر. فمنذ الاستعراض الأخير لسجل مصر الحقوقي في 2014، تضاعفت انتهاكات حقوق الإنسان بصورة مقلقة، ووثقت المنظمات الموقعة أدناه وشركاؤها معدلات غير مسبوقة من قمع المنظمات الحقوقية، والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان، ولعل هذا الاستعراض هو فرصة للدول للمساهمة في التصدي لمثل هذه التوجهات وتعزيز احترام حقوق الإنسان في مصر.
وفي ذلك، ندعو حكومتكم للمشاركة في عملية الاستعراض وتبني توصيات محددة للسلطات المصرية بشأن العديد من الانتهاكات الحقوقية في ملفات مختلفة نذكر منها:
- وقف تنفيذ عقوبة الإعدام كخطوة لإلغائها، ومراجعة قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية وقانون مكافحة الإرهاب (رقم 94 لسنة 2015)، وقانون في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين (رقم8 لسنة 2015) على ضوء الضمانات الدنيا للمحاكمة العادلة، وبما يضمن عدم إحالة المدنيين إلى محاكم استثنائية أو عسكرية، واحترام مبادئ المسئولية الجنائية الفردية، ووقف المحاكمات الجماعية.
- وضع حد لممارسات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، بما في ذلك الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والحبس الانفرادي المطول. كما يجب السماح للمحتجزين بتلقي العناية الطبية العاجلة في المنشآت الطبية الملائمة، وعدم حرمانهم من حقهم القانوني في الزيارة. هذا بالإضافة إلى فتح تحقيقات في ادعاءات التعذيب والاختفاء القسري والمعاملة السيئة، لضمان المحاسبة. كما يجب أن تسمح السلطات بالزيارات المستقلة غير المقيدة وغير المعلنة مسبقًا لجميع أماكن الاحتجاز، واعتماد قانون شامل لمكافحة التعذيب يتسق مع مبادئ دستور 2014 واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
- تعديل واعتماد تشريعات للقضاء على جميع أشكال التمييز، وتجريم جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وتنفيذ هذه التشريعات بفعالية. وذلك بما يشمل تعديل قانون الأحوال الشخصية وسنّ مواد قانونية تحظر العنف الأسري، بما فيها الاغتصاب الزوجي، فضلا عن حظر التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي والاغتصاب. كما يجدر بالسلطات المصرية تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء بشكل فعال، بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني المستقلة ذات الخبرة في هذا المجال.
- إخلاء سبيل جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني، وكافة المحتجزين والمعتقلين بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، بما في ذلك المحامين، والصحفيين، والنشطاء العماليين، ونشطاء حقوق الأقليات، ونشطاء مجتمع الميم. كما ينبغي إنهاء تدابير المراقبة الشرطية المتعسفة، والكف عن استخدام الحبس الاحتياطي في معاقبة المعارضين، وحفظ القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني المصرية، ورفع حظر السفر التعسفي عن الحقوقيين.
- حماية حرية التعبير، والحق في تكوين الجمعيات، وحرية التجمع السلمي، وذلك من خلال ت قانون التظاهر (رقم 107 لسنة 2013) بما يتسق مع دستور 2014 والمعايير الدولية، ويسمح بالتظاهر بمجرد الإخطار المسبق السلطات، ويحد من استخدام قوات الأمن للقوة. هذا بالإضافة إلى إلغاء قانون التجمهر (10 لسنة 1914)، وقانون الإعلام (180 لسنة 2018)، وقانون جرائم تقنية المعلومات (175 لسنة 2018)، وقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي (149 لسنة 2019). والكفّ عن إغلاق منظمات حقوق الإنسان بأوامر إدارية، ووقف حجب مواقع الإنترنت، لا سيما التابعة لمنظمات حقوق الإنسان والمواقع الإخبارية.
- السماح لمنظمات الإغاثة الإنسانية والمراقبين المستقلين والصحفيين بالوصول لشمال سيناء، وفتح تحقيقات عاجلة في جميع الانتهاكات من قبل الجماعات المتطرفة والقوات الحكومية على حد سواء. كما ينبغي سرعة صرف التعويضات للسكان المهجرين قسرًا أو المهدمة بيوتهم بالتشاور مع المجتمعات المحلية، على أن تضمن الحكومة توفير المساعدات الإنسانية الملائمة، والدعم في الحصول على سكان مؤقت بديل للسكان النازحين.
- تلبية طلبات هيئات الأمم المتحدة والآليات الأممية الخاصة بشأن إرسال بعثات رسمية إلى مصر، وضمان عدم تعرض أفرادها والمتعاونين معها للتنكيل – كالاعتقال التعسفي أو الترهيب.
ونحن بشكل عام، نحث حكوماتكم أيضًا على متابعة حالة حقوق الإنسان في مصر عن كثب بعد اعتماد نتائج الاستعراض، وذلك – على سبيل المثال- من خلال طلب تحديث بعد عام من الاستعراض. إذ أن أغلب توصيات الاستعراض الدوري الشامل الماضي التي قبلتها مصر لم تُنفَّذ، الأمر الذي يبرز الحاجة لمتابعة توصيات الاستعراض الدوري الشامل المقبل، والتأكيد على أن تجاهل مصر لحقوق الإنسان لم يعد مقبول.
وضمان أن يكون هذا الاستعراض منبرًا فعالاً للانخراط بشأن سجل مصر الحقوقي، ينبغي على مصر رفع حظر السفر التعسفي عن العديد من الحقوقيين، بحيث يتمكنّوا من المشاركة بحرية في أعمال الاستعراض في جنيف، ويُتاح لهم المشاركة دون خوف من الانتقام.
وتفضلوا بقبول فائق احترامنا،
المنظمات المنضمة لهذه الرسالة:
- الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان
- الخدمة الدولية لحقوق الإنسان
- رابطة حقوق الإنسان
- سوليدار (SOLIDAR)
- التحالف العالمي لمشاركة المواطنين (CIVICUS)
- اللجنة الدولية للحقوقيين
- الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
- منظمة الخط الأمامي
- كرامة – المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب
- لجنة حماية الصحفيين
- مراسلون بلا حدود
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط (TIMEP)
- المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب
- منظمة العفو الدولية
- هيومن رايتس ووتش
نبذة حول حالة حقوق الإنسان في مصر
في تجاهل تام لالتزامات مصر الدستورية وتلك المترتبة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بلغت السلطات المصرية معدلات غير مسبوقة من القمع، معظمها تحت دعاوى حفظ الأمن. فخلال السنوات الماضية، بالغت السلطات في استخدام عقوبة الإعدام، مع حرمانها المتهمين من الضمانات الدنيا للمحاكمة العادلة، فضلاً عن تعريض المحتجزين والسجناء بشكل متكرر وعلى نطاق واسع لانتهاكات حقوقية جسيمة.
توصلت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في 2017 إلى استنتاج لا مفر منه بأن “التعذيب يُمارس بصورة ممنهجة في مصر.” وفي 2018، حُكم على 75 متهمًا بالإعدام في محاكمة جماعية غير عادلة، على صلة باعتصام ميدان رابعة في 2013. وصفتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان المحاكمة بأنها “إجهاض فظيع لا رجعة فيه للعدالة.”
وفي المقابل، لم يُحاكَم أي مسئول أمني على المجزرة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 800 متظاهرًا في الاعتصام، في مثال واضح على الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترعاها الدولة في مصر.
وفي السياق نفسه، تتصاعد استعانة السلطات المصرية بالأساليب القمعية مثل الحبس الاحتياطي المطوّل، والإخفاء القسري، والملاحقات القضائية لقمع جميع الأصوات المستقلة، بما يشمل الاستعانة بتحقيقات لا أساس لها من الصحة بناء على اتهامات تتصل بالأمن القومي. فضلاً عن أن مصر من أكثر الدول حبسًا للصحفيين في العالم، والقضاء المنهجي على مجموعات حقوق الإنسان المستقلة.
فعّلت الحكومة المصرية قانونًا جديدًا لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية (قانون العمل الأهلي لعام 2019) في 22 أغسطس/آب الماضي، قالت عنه أنه صورة مُحسّنة من قانون 2017 بالغ التشدد. لكن القانون الجديد يحتفظ بالجوهر القمعي نفسه لسابقه، فيفرض غرامات باهظة على انتهاكات مبهمة التعريف، ويمنع المنظمات من ممارسة أي عمل تعتبره السلطات “سياسيا”. هذا بالإضافة إلى استمرار ممارسات منع المدافعين عن حقوق الإنسان من السفر، وتجميد أصول المنظمات الحقوقية، وذلك منذ إعادة افتتاح التحقيق في قضية “التمويل الأجنبي” في شقها الخاص بالمنظمات المصرية في 2014.
كانت التعديلات الدستورية المقررة العام الماضي قد أمعنت في تقويض سيادة القانون، وزادت من المحاكمات غير العادلة وكرّست إفلات القوات المسلحة من العقاب، وجعلتها تسمو فوق أية سلطات منتخبة. إذ اعتُمدت هذه التعديلات الدستورية على عجل عبر استفتاء في أبريل/نيسان 2018، وسط حملة قمعية متمادية على حرية التعبير، شملت حجب أكثر من 500 موقعًا إلكترونيًا داخل مصر، وفرض قيود مشددة على الإعلام المستقل، فضلاً عن اعتقال المنتقدين والمعارضين.
Photo: Tahrir Square Hossam el-Hamalawy
Share this Post