قررت محكمة القضاء الإداري في جلستها أول أمس السبت 23 نوفمبر 2019 مد أجل الحكم في الدعوى المقامة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وأكثر من 32 شخصية عامة، رقم 26245 لسنة 71 قضائية، والمطالبة بإلزام السلطة التنفيذية بنشر قانون إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية.، إلى جلسة 4 يناير.
تعود تفاصيل هذا القضية إلى العام 1928، حين قضى البرلمان المصري وقتها بإجماع أعضائه بضرورة إلغاء قانون الاحتلال الصادر في 1914 بشأن التجمهر، لأنه: “قانون استثنائي أقرب للأحكام العرفية” وصفته سلطة الاحتلال وقتها بأنه: “كتب بروح استبدادية.” وفي يناير 2017 أثبت مركز القاهرة في تقريره “نحو الإفراج عن مصر” المزود بالوثائق والمستندات- أكثر من 20 وثيقة تاريخية- أن قانون التجمهر قد تم إلغائه فعلاً في 30 يناير 1928 بإجماع أراء نواب البرلمان المصري بغرفتيه، ولكن الملك تقاعس عن نشر قرار الإلغاء في الجريدة الرسمية، ومن ثم فاستمرار العمل بهذا القانون يشكل مخالفة قانونية جسيمة مستمرة لأكثر من 90 عامًا.
وعلى عكس سلطات الاحتلال التي رفضت الاستمرار في تطبيق هذا القانون، ضاعفت السطات المصرية من توظيف هذا القانون في التنكيل بخصومها، وخاصة أعقاب عام 2011 وحتى اليوم، فقبع بموجبه الآلاف من المصريين في السجون بتهمة التجمهر، وذلك قبل أن يلحق به في 2013 القانون رقم 107 “قانون التظاهر” ليصبحا أداتي الحكومة في العصف بالمجال العام كله، والانتقام من النشطاء السياسيين، والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان لسنوات طويلة. ولعل من أبرز القضايا التي يقبع المتهمين فيها ظلمًا في السجون بتهم التجمهر، قضية مجلس الشورى وقضية الاهرامات. والأخطر أن بعض هذه القضايا قد انتهت بأحكام نهائية بالإعدام مثل قضية كرداسة والتي أيدت فيها محكمة النقض الحكم بالإعدام بحق 20 مصرياً.
بعد تقرير مركز القاهرة، طالبت العديد من المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية مجلس القضاء الأعلى بتجميد العمل بقانون التجمهر لحين فصل القضاء الإداري في دعوى تفعيل إلغائه، كما أرسل مركز القاهرة في فبراير 2017، خطابًا لمجلس النواب الحالي- باعتباره امتدادًا لسابقيه، طالب فيه بعقد جلسة عامة علانية لمناقشة القضية الشائكة المتعلقة بقانون التجمهر، دون جدوى. كما دفع بعض المحاميين في قضايا تجمهر، ببطلان القانون مطالبين ببراءة موكليهم من تهمه، مثل قضية أحداث مجلس الوزراء، والمتهم فيها الناشط السياسي أحمد دومة.
وعلى الجانب الأخر تعمدت الحكومة المصرية باعتبارها الخصم في الطعن ضد القانون المغالاة في مد أجل فترة التقاضي، التي امتدت لأكثر من عامين، بسبب طلبات محامي الحكومة المستمرة بالتأجيل للاطلاع أو لتقديم مستندات، وذلك بغرض وقف مساعي تجريم هذا القانون للحيلولة دون فتح المجال العام وكفالة حرية التنظيم والتجمع السلمي وتفويت الفرصة على الاف الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم تحت مزاعم التجمهر من نيل حريتهم، خاصة في ظل الاحتجاجات الأخيرة التي وقعت في سبتمبر الماضي، والتي شنت فيها السلطات المصرية أسوأ سلسلة اعتقالات وتوقيفات وحملات للتفتيش الذاتي والهواتف المحمولة للمواطنين.
توظيف قانون التجمهر، غير أنه يصادر الحق في التجمع السلمي بداية من تجمع 5 أفراد دون أذن أمني، فأنه يوفر على المحاكم مشقة البحث في المسئولية الجنائية لكل شخص – الأمر الذي يعد من صميم عملها لتحقيق العدالة- فيكفي إثبات حدوث “تجمهر” لتطبيق المسئولية الجنائية على كل المشاركين فيه والداعيين له -حتى لو لم يشاركوا- ومن ثم يصبح بإمكانها إصدار أحكام جماعية على جميع المحتجين بلا تمييز، على نحو يضرب بمبدأ شخصية العقوبة عرض الحائط.”
Share this Post