يدين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عملية القتل المستهدفة للقائد الإيراني اللواء قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس لجنة الحشد الشعبي العراقية، في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، كما يدين الهجمات الانتقامية الإيرانية في الثامن من الشهر نفسه ضد المواقع العسكرية العراقية التي تستضيف القوات الأمريكية. ويؤكد المركز أن هذه العمليات المتبادلة من القتل والاستهداف تشكل انتهاكًا غير مبرر للسيادة العراقية، وتصعيد مقلق للصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي يهدد في المقام الأول الشعب العراقي ومؤسسات الدولة العراقية الضعيفة بالفعل.
هذه الهجمات الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة في العراق من جهة، وتدخل إيران وروسيا العسكري المستمر في المنطقة سواء في سوريا أو في ليبيا من جهة أخرى، يضاعف المخاوف بشأن الزج بالدول العربية لتصبح مسرحًا لصراعات القوى الكبرى. فمنذ عام2011، تحولت الدول العربية لميادين للنزاعات الإقليمية بين المملكة العربية السعودية وإيران وحلفائهما. كما تدخلت كل من إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر في نزاعات عسكرية خارج حدودهم مما أدى إلى تفاقم العنف ومعاناة المدنيين. وفي المقابل تصاعدت الانقسامات الإقليمية بسبب عجز المؤسسات الدولية، لا سيما مجلس الأمن بالأمم المتحدة، والذي فشل بشكل متكرر في الوفاء بمهمته في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.
كان قاسم سليماني هو المهندس الرئيسي لاستراتيجية إيران المتمثلة في توسيع نفوذها الإقليمي من خلال دعم الميليشيات الموالية لها في مختلف أنحاء العراق وسوريا واليمن ولبنان. وقد اكتسبت هذه الميليشيات شرعيتها بشكل أساسي من معارضتها للجماعات السنية المتطرفة مثل “داعش”، ولكنها ارتكبت الكثير من أعمال العنف ضد المدنيين، خاصة في سوريا، وكان لها دور أساسي في تغذية الانقسامات الطائفية بين الشيعة والسنة في المنطقة.
في الأشهر الأخيرة، اقترفت الميليشيات المدعومة من إيران والخاضعة لسيطرة سليماني العديد من أعمال القمع الوحشي للاحتجاجات الشعبية في العراق، التي طالبت بوضع حد للتدخل الإيراني في العراق، الأمر الذي أسفر عن مقتل المئات من المحتجين واعتقال العديد منهم. كما تورطت هذه الميليشيات في الهجمات الأخيرة على القواعد العسكرية العراقية، حيث تتلقى القوات العراقية تدريباتها لمواجهة “داعش” تحت قيادة أمريكية، مما أسفر عن مقتل مقاول عسكري أمريكي في العراق في 27 ديسمبر 2019. تلك الهجمات كانت سببًا رئيسيًا في تأجج التوتر والاحتقان بين واشنطن وطهران. كما نفذت هذه الميليشيات المدعومة من إيران الهجوم على مجمع السفارة الأمريكية في بغداد في 31 من الشهر نفسه، إلى أن جاء مقتل سليماني والمهندس مطلع الشهر الجاري كردٍ على هذا الهجوم.
يقول نيل هيكس مدير برنامج الحماية الدولية والمناصرة في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “يعد سليماني قائدًا للتدخل العسكري الإيراني غير المشروع في دول المنطقة العربية، وينذر قتله من قبل تدخل عسكري غير شرعي من دولة أخرى(أمريكا) بإمكانية تكرار مثل هذه التدخلات المدمرة.” ويتابع هيكس: “إذا كانت إيران تخطط لسطوة عسكرية خارج حدودها فكيف نطالب القوى الإقليمية الأخرى مثل السعودية أو تركيا بضبط النفس؟ وإذا لم تلتزم قوى عظمى مثل الولايات المتحدة بالقانون الدولي، فكيف يمكن منع أي دولة في العالم من اتباع المسار ذاته إذا رأت مصلحتها فيه؟”.
هذا النمط المدمر من التدخلات الأجنبية لن يتوقف دون تغييرات جذرية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية على حدٍ سواء. فمن ناحية، على الحكومات الوطنية أن تفِي بالتزاماتها في دعم الحقوق والحريات الأساسية لشعوبها، ووضع الأسس اللازمة لتحقيق الاستقرار والتقدم، من خلال تلبية المطالب المشروعة التي سبق وأشعلت حركات الاحتجاج في العديد من البلدان العربية. وعلى الصعيد الإقليمي، يتعين على الدول الإقليمية القوية مثل إيران وتركيا الامتثال في علاقاتها للقانون الدولي، وأن تراعِ في تعاونها في جميع المجالات الحيوية أسس احترام حقوق الإنسان. أما المجتمع الدولي فيتعين عليه الابتعاد عن السياسات التي تغذي جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذلك إذا أراد أن يضع حدًا للصراعات المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ويواجه المخاوف من تنامي الإرهاب والهجرة غير النظامية.
من الضروري أن تنأى كل الدول بنفسها عن سياسة الضربات العسكرية، وأن تستبدلها بتجديد الجهود لإنهاء النزاعات في جميع أنحاء المنطقة بطريقة سلمية، والحرص على بناء دول فاعلة تتمتع بحكومات تمثيلية تلبي احتياجات شعوبها. كما يجدر بالمجتمع الدولي أن يتحمل مسئولياته في تمكين الأمم المتحدة، وليس إضعافها أو تجاهلها، والسماح لوكالاتها المختلفة بأداء مهامها في مجال الوساطة وبناء المؤسسات.
الصورة: الجيش الأمريكي في العراق/ المصدر
Share this Post