يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن استياءه الشديد من الحكم الصادر عن الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، السبت 18 يناير 2020، بعدم قبول دعواه بإلزام رئيس الجمهورية بنشر إلغاء قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 في الجريدة الرسمية ووقف العمل بالقانون، وذلك لانتفاء القرار الإداري بالدعوى. ويعتبر المركز قرار المحكمة يضرب بكافة السوابق القضائية المستقر عليها عرض الحائط، منتصرًا لدفاع الخصم (الدولة) رغم عجزه عن تقديم ما يثبت شرعية استمرار العمل بهذا القانون، الذي أثبت دفاع المركز بالوثائق والمستندات إلغائه من قبل السلطة التشريعية منذ أكثر من90 عامًا.
فعلى مدى ثلاث سنوات من التقاضي، تعمدت الحكومة المصرية تعطيل الفصل في هذه الدعوى بهدف ضمان استمرار العمل بهذا القانون الملغي، الذي يعد الأداة الرئيسية للتخلص من المعارضين وأصحاب الآراء المستقلة في كل المجالات، فضلاً عن مئات الالاف من المحتجزين بموجبه حاليًا سيصبح من حقهم- إذ ثبت الغائه- إعادة محاكمتهم، وتعويض من الحكومة على سنوات حبسهم بموجب قانون ملغي. لذا وبعد تأجيل ومماطلة استمرت ثلاث سنوات، عجزت خلالها الحكومة عن الخروج من هذا المأزق القانوني والسياسي بتقديم أي قرائن تعزز استمرار العمل بهذا القانون، أسدلت محكمة القضاء الإداري الستار على الدعوى رافضة الطعن.
تعود تفاصيل هذه القضية إلى العام 1928، حين قضى البرلمان المصري وقتها بإجماع أعضائه بضرورة إلغاء قانون الاحتلال الصادر في 1914 بشأن التجمهر، لأنه: “قانون استثنائي أقرب للأحكام العرفية” وصفته سلطة الاحتلال وقتها بأنه: “كتب بروح استبدادية“. وفي يناير 2017 أثبت مركز القاهرة في تقريره “نحو الإفراج عن مصر” المزود بالوثائق والمستندات- أكثر من 20 وثيقة تاريخية- أن قانون التجمهر قد تم إلغائه فعلاً في 30 يناير 1928 بإجماع أراء نواب البرلمان المصري بغرفتيه، ولكن الملك تقاعس عن نشر قرار الإلغاء في الجريدة الرسمية، ومن ثم فاستمرار العمل بهذا القانون يشكل مخالفة قانونية جسيمة مستمرة لأكثر من 90 عامًا.
اعتمدت السلطات المصرية المتعاقبة على هذا القانون لوأد حرية التجمع السلمي والزج بألوف من المواطنين في السجون بتهمة التجمهر من بينهم نشطاء سياسيين، صحفيين، مدافعين عن حقوق الإنسان. كما اتسعت دائرة المقيدة حريتهم بموجبه بعد صدور القانون 107 لسنة 2013 (قانون التظاهر) ليصبح أداة أخرى في قمع الاحتجاجات، كان آخرها احتجاجات 20 سبتمبر 2019 والتي أسفرت عن احتجاز أكثر من 4000 شخصًا. كما كان القانون سببًا مباشرًا في الحكم بالإعدام على 474 شخص بين 2014 – 2017 كونه يأخذ بمبدأ المسئولية الجماعية للمشاركين في التجمع عن أية جرائم ترتكب خلاله، بما يسهل على السلطة القضائية إنزال العقاب على مئات المتهمين بشكل جماعي.
وكان بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة قد بعث برسالة إلى رئيس مجلس النواب، 6 فبراير 2017، يطالب فيها المجلس بعقد جلسة عامة علانية لمناقشة القضية الشائكة المتعلقة بقانون التجمهر مرفقًا بها دليلًا توضيحيًا لأعضاء البرلمان يضم ردودًا على أبرز الأسئلة المطروحة بشأن تقرير المركز الخاص بقانون التجمهر الملغي. كما أرسل المركز خطابا بتاريخ 12 فبراير 2017 إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، يطلب فيه وقف تطبيق قانون التجمهر في المحاكم المصرية، لحين الفصل في دعوى إلغاءه، فضلاً عن دليل الدفاع في قضايا التجمهر الذي أصدره المركز مارس 2017، ويضم 4 دفوع قانونية تُوقف العمل بقانون ملغي وتساعد في الإفراج عن المحبوسين بموجبه.
وفي ذلك يؤكد المركز على استمراره في معركته نحو إلغاء هذا القانون القمعي بكافة الطرق القانونية والسياسية، رغم إدراكه بصعوبتها في ظل مساعي الدولة نحو الإبقاء عليه باعتباره حجر لأي نظام قمعي، معتبرًا أن دوافع النظام الحالي في ذلك تتفق إلى حد كبير مع دوافع سلطة الاحتلال التي سنت هذا القانون منذ قرن، وربما الفرق الوحيد أن سلطة الاحتلال تراجعت عنه لما عجزت عن تبريره للشعب البريطاني وقتها لأنه قانون مستبد غير ديموقراطي، ولكن الحكومة المصرية لا يعنيها كثيرًا تبرير استمرار العمل به للشعب المصري رغم إلغائه.
Share this Post