قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمس 16 يونية 2020 بيانًا شفهيًا أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، نيابة عن 114 منظمة من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والإقليمية والدولية، موجهًا رسالة قوية للدول الأعضاء بالمجلس بشأن الضرورة القصوى للاعتراف الدولي بفرض إسرائيل وإدامتها نظامًا للفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني ككل، بمن في ذلك الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر واللاجئين الفلسطينيين والمنفيين في الخارج.
تقول جميلة الرقيبي، الباحثة المختصة بشئون بلاد المشرق في مركز القاهرة: “لقد أكد المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم مرارًا دعمه للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، داعمًا سعيه لتحقيق العدالة الدولية والمحاسبة. ومن ثم فالاعتراف دوليًا بواقع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي أضحى ضرورة ملحة من أجل انطلاق العمل المشترك للتغلب على الفصل العنصري في القرن الـ 21.”
جاء تقديم هذا البيان الشفهي المشترك ضمن فعاليات الجلسة الـ 43 لمجلس حقوق الإنسان والمنعقدة حاليًا في جنيف، وفي إطار البند 9 من جدول الأعمال، الخاص بمعالجة قضايا العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب. وقد أكد البيان على فشل الدول الأعضاء بالأمم المتحدة المستمر في وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب.
بداية من مطلع يوليو القادم، من المقرر أن تنطلق خطة الحكومة الإسرائيلية في ضم أجزاء كبيرة جديدة من الضفة الغربية المحتلة في مخالفة صارخة للقانون، الأمر الذي سيزيد من ترسيخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الهادف للسيطرة والقمع العنصري المنهجي للشعب الفلسطيني. وبينما نحن على مقربة من بدء تنفيذ هذا القرار بالضم، حذر 47 خبيرًا أمميًا من أن “صباح اليوم التالي للضم يترسخ واقع جديد غير عادل، شعبان يعيشان في المكان نفسه، تحت حكم الدولة نفسها، ولكنهما لا يحظا بنفس الحقوق، في صورة من أوضح صور الفصل العنصري في القرن الـ 21. ”
وبناء على ذلك، دعت المنظمات المنضمة للبيان الشفهي إلى إعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، كخطوات حاسمة نحو إنهاء نظام الفصل العنصري وإفلات إسرائيل المؤسسي من العقاب. فهذه الآليات الأممية تمثل أدوات مهمة لرصد انتهاكات إسرائيل واسعة النطاق والمنهجية لحقوق الشعب الفلسطيني. كما دعت إلى اضطلاع الدول الأعضاء بمسئولياتها بموجب القانون الدولي، سواء في التعاون مع الأمم المتحدة من أجل إنهاء الفصل العنصري، أو في الامتناع عن تقديم المساعدة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي أو للعمليات التي تعزز استدامته. هذه بالإضافة لدعوة المنظمات للدول الأعضاء إلى الموافقة على الملاحظات الختامية للجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، والصادرة في ديسمبر 2019، والتي اعترفت، للمرة الأولى، بالتأثير غير المتناسب للسياسات والممارسات الإسرائيلية للتمييز العنصري والفصل العنصري على الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.
وفي السياق نفسه، قدمت مجموعة من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والإقليمية والدولية تقرير مواز ومشترك وشامل إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري، عرض بالتفصيل كيف أسست إسرائيل وحافظت على نظام الفصل العنصري ضد جميع الفلسطينيين.
على الجانب الأخر، أعربت بعض البلدان مثل جنوب أفريقيا وناميبيا وباكستان، خلال هذه الجلسة، عن قلقها البالغ إزاء توسع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. إذ تطرقت دولة جنوب أفريقيا في بيان لها تحت البند 7 من جدول الأعمال إلى حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى، جاء فيه: “لقد أعرب وفدي عن قلقه العام الماضي من أن ضم الأراضي الفلسطينية أمر محتمل للغاية، بعدا أشارت لجنة القضاء على التمييز العنصري في ملاحظاتها ديسمبر 2019 إلى أن التفتت الاستراتيجي للشعب الفلسطيني يشكل جزءًا من سياسة وممارسة العزل والفصل العنصري الإسرائيلي. وعليه سيكون الضم مثالاً آخر لإفلات إسرائيل التام من العقاب، في استخفاف واضح بهذا المجلس ومخالفة خطيرة للقانون الدولي.”
دولة باكستان أيضًا سلطت الضوء في بيان لها على حق تقرير المصير، باعتباره حق أساسي من حقوق الإنسان للأشخاص تحت الاحتلال الأجنبي غير القانوني أو الهيمنة الأجنبية، مشيرة إلى استمرار حرمان الفلسطينيين والملايين في أماكن أخرى من هذا الحق، عقد بعد آخر، مشددة على أنه: “خلال سبعين عامًا، طُردوا من ديارهم ووطنهم، واحُتلوا عسكريًا، واضطروا للعيش في ظروف تشبه الفصل العنصري. ”
وخلال جلسة المناقشة العامة في إطار البند 9 من جدول الأعمال لهذه الجلسة، استعرضت ناميبيا تجربتها التاريخية تحت الاحتلال والفصل العنصري ودرجة تشابها مع الوضع في فلسطين، مشددة على: “استمرار السعي نحو اتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة على الصعيد العالمي الرامية للقضاء على العنصرية والتمييز العنصري وما يتصل بذلك من تعصب، بما في ذلك أولئك الذين هم تحت الاحتلال الأجنبي مثل الصحراء الغربية وفلسطين.”
تقول رانيا محارب، الباحثة القانونية ومسئولة المناصرة في مؤسسة الحق: “جنوب إفريقيا وناميبيا، بلدان هزما الفصل العنصري، وقد تحدثا أمام المجلس أمس ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وانتهاكاته المنتظمة والمنهجية لحقوق الشعب الفلسطيني. هذه الدول اختبرت قسوة الفصل العنصري وتعرف ماهيته وأثره. ونحن، منظمات المجتمع المدني، ندعو جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تحذو حذو جنوب إفريقيا وناميبيا، في اتخاذ هذا الموقف الشجاع المدين والمندد بالفصل العنصري الإسرائيلي المفروض على الشعب الفلسطيني، ووضع حد لهذا الظلم.”
- مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة- الجلسة الـ 43
- البند 9: العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب: متابعة وتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان
- مداخلة شفهية مشتركة: على المجتمع الدولي الاعتراف بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي والتصدي له
- 16 يونية 2020
- ألقتها: ندى عوض ، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
سيدتي الرئيسة،
منذ عام 1948، يواجه الفلسطينيون نكبة مستمرة من النزوح والتشريد، كجزء من مساعي إسرائيل لاقتلاع السكان الفلسطينيين الأصليين من منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم. وعلى مدى 72 عامًا، تعمدت إسرائيل تجزئة الشعب الفلسطيني وفصله وعزله استراتيجيًا، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة، ومصادرة حقوقهم في الإقامة، وحظر لم شمل أسرهم- وبالتالي فرْض نظام الفصل العنصري على الشعب الفلسطيني، على النحو المشار له في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ونتيجة للإفلات المستمر من العقاب، يستمر التضييق على المجتمع المدني بينما تتابع إسرائيل تكميم الأصوات المعارضة لنظام الفصل العنصري بشكل منهجي، من خلال الاعتقال التعسفي الجماعي والتعذيب وسوء المعاملة والعقاب الجماعي واسع النطاق، فضلاً عن الإغلاق غير القانوني لغزة، وحملات التشويه التي تقودها الحكومة الإسرائيلية بحق المدافعين الحقوقيين من أفراد ومنظمات، من خلال خطاب الكراهية العنصرية والتحريض على الكراهية والعنف ضدهم.
في الأسابيع المقبلة، تسعى الحكومة الإسرائيلية لضم أجزاء كبيرة جديدة من الضفة الغربية المحتلة بالمخالفة للقانون. وقد سبق وحذر المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في فلسطين، من أن خطط إسرائيل “ستبلور نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين، وتترك في أعقابها زوال حق الفلسطينيين في تقرير المصير.” [1]
لقد أخفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في دعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وعجزت عن وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب. والآن قد حان الوقت للاعتراف بأن إسرائيل أقامت ولا تزال تحافظ على نظام فصل عنصري بحق الفلسطينيين، ينبني على القمع والسيطرة المؤسسية العنصرية، بدءًا من جانبي الخط الأخضر وانتهاءً باللاجئين والمغتربين المحرومين من حقهم في العودة.
وبناء عليه، نحث جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على:
- الاعتراف بالتمييز العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والتصدي له؛
- المصادقة على الملاحظات الختامية للجنة القضاء على التمييز العنصري للأمم المتحدة لعام 2019، بشأن إسرائيل، والتي اعترفت بسياسات التمييز والفصل العنصريين ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر؛
- التوصية بإعادة تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، لأجل وضع حد لهذا الظلم.
شكرًا سيدتي الرئيسة،
قائمة الموقعين هنا
[1] المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، “خطط الضم الإسرائيلية ستؤدي ‘لسلسلة من العواقب الوخيمة على حقوق الإنسان’، يقول خبير الأمم المتحدة،” 1 مايو 2020، متاح على: https://news.un.org/ar/story/2020/05/1054122
Share this Post