13 عامًا من الإغلاق غير القانوني والإفلات من العقاب
في 15 يوليو الجاري، نظمت، مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز عدالة ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمساعدة الطبية للفلسطينيين، ندوة إلكترونية بعنوان: “العقاب الجماعي في غزة: 13عامًا من الإغلاق غير القانوني والإفلات من العقاب”، وذلك على هامش فعاليات الجلسة الـ 44 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وفي أعقاب تقديم المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة “مايكل لينك” تقريره السنوي للمجلس، حول العقاب الجماعي في فلسطين، والذي أقر فيه أنه لا توجد استثناءات مسموح بها لاستخدام العقاب الجماعي في القانون، مطالبًا سلطة الاحتلال بإنهاء كل تدابير العقاب الجماعي، بما في ذلك إغلاق غزة، كما طالب الدول بتبني عقوبات وتدابير مضادة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
في مفتتح الندوة، أشارت إليزابيث الرقيبي الباحثة المختصة بشئون بلاد المشرق في مركز القاهرة، والتي تولت إدارة الندوة، إلى أنه في يونية الماضي يكون قد مر على حصار غزة 13 عامًا، الأمر الذي يعد بمثابة عقاب جماعي غير قانوني لأكثر من مليوني فلسطينيًا، حتى أصبحت غزة –كما سبق وحذرت الأمم المتحدة– غير قابل للحياة بحلول 2020.
على مدى السنوات الـ 13 الماضية، عانى الفلسطينيون في غزة من قيود صارمة على حريتهم في التنقل، والتدمير المُهلك للممتلكات والبنية التحتية، وإجهاد وانهيار قطاع الرعاية الصحية، والآن، جاءت جائحة كوفيد-19 التي جاءت بتحديات جديدة وغير مسبوقة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي يُعد من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، بينما 96% من المياه فيه غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
البروفيسور شين دارسي، نائب مدير المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان في كلية القانون بالجامعة الوطنية الأيرلندية (جالواي)، استعرض خلال الندوة التاريخ القانوني لحظر العقاب الجماعي بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الجنائي الدولي. كما سلّط الضوء على استخدام إسرائيل على مدى عقود للعقاب الجماعي، في انتهاك للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. كما ركز دارسي على هدم المنازل كشكل من أشكال العقاب الجماعي للفلسطينيين، مشددًا على أن التدابير العقابية الرئيسية التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك التدمير الشامل للممتلكات، يصل حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
أما نورية أوزالد، مديرة الشئون القانونية والمناصرة الدولية بمركز الميزان، فقد ركزت على أثر هذا الإغلاق وانعكاساته على أرض الواقع، مشيرة إلى حرمان الفلسطينيين في غزة، وعلى نحو خطير، من ممارسة حقوقهم الفردية والاجتماعية، بما في ذلك حقهم في تقرير المصير. كما سلّطت الضوء على تأثير إغلاق غزة وسياسات الإفقار الإسرائيلية، على ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي والبطالة والاعتماد على المساعدات؛ الأمر الذي من شأنه مضاعفة قابلية الفلسطينيين للإصابة بكوفيد-19. وأبرزت “أوزوالد” أيضًا خلال الندوة الزيادة الأخيرة في حالات الانتحار في غزة، وتوثيق 16 حالة منذ بداية العام، كبرهان على اليأس والآثار النفسية القاسية للإغلاق. وأضافت أن قطاعي الزراعة والصيد، اللذين كانا من أكثر الصناعات ازدهارًا في غزة، أصبحا الآن من بين الأكثر ضعفًا نتيجة اعتداءات الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين وعلى سبل عيشهم. كما ذكرت أن قوات الاحتلال قتلت 217 فلسطينيًا وجرحت ما يزيد عن 14500 خلال مسيرات العودة الكبرى في غزة. وكانت المسيرات تطالب برفع الحصار غير القانوني عن غزة وإعمال حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك الحق في العودة.
من جانبه أولى نيل ساموندز، مدير الحملات والمناصرة بمنظمة المساعدات الطبية للفلسطينيين، لأثر الحصار على القطاع الصحي أهمية خاصة، مشيرًا إلى أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمنشآت الصحية في قطاع غزة، قد تسبب في سقوط العديد من الضحايا في مجال الرعاية الصحية خصوصًا أثناء مسيرات يوم العودة الكبرى. وكشف “ساموندز” أيضًا عن أن العاملين في مجال الرعاية الصحية ممنوعون من مغادرة غزة وتلقي فرص التدريب والتطوير في أماكن أخرى، وأن الموارد والمعدات الطبية غير متوافرة في غزة، مما يدفع مرضى القطاع لالتماس العلاج خارج غزة. ومن خلال نظام إسرائيل التعسفي لإصدار التصاريح؛ ترفض وتؤخر سلطات الاحتلال الطلبات المقدمة من المرضى ومرافقيهم، على نحو يعرض حياة الكثير منهم ويقوض حقهم في الوصول للرعاية الصحية.
هذه الجرائم الإسرائيلية التي طالت معظم القطاعات الزراعي والصحي والصيد، وكان لها أثارها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المدمرة على الشعب الفلسطيني، ما زالت بمعزل تام عن أي عقاب أو محاسبة. فبحسب المحامية سهير أسعد، منسقة المناصرة الدولية بمركز عدالة، تحظى إسرائيل بإفلات تام من العقاب بموجب القانون المدني والجنائي الإسرائيلي، مدللة على ذلك بالعديد من الأمثلة لمحاولات قانونية لإنصاف ضحايا فلسطينيين أمام المحاكم الإسرائيلية دون جدوى. وفي ذلك ركزت “أسعد” على تواطؤ النظام التشريعي والقضائي الإسرائيلي، بما في ذلك المحكمة العليا، ودور الهيئات التشريعية والقضائية في حماية الجناة الإسرائيليين من المحاسبة وترسيخ سياسات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين. واختتمت “أسعد” مداخلتها في الندوة بأن النظام الداخلي الإسرائيلي، لا تتوافر لديه الإرادة لاتخاذ إجراءات ضد جنوده وقادته ومسئوليه إذ ثبت تورطهم في جرائم ضد فلسطينيين. ومن ثم، فلا بديل عن المحاسبة الدولية في المحكمة الجنائية الدولية.
في ختام الندوة حاولت الباحثة القانونية ومسئولة المناصرة بمؤسسة الحق رانيا محارب، تقديم تصور أشمل للوضع ليس في غزة فقط وإنما في الأرض المحتلة ككل. إذ شددت “محارب” على أنه ينبغي فهم سياسات العقاب الجماعي الإسرائيلية منذ عام 1948 في إطار نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي المفروض على الشعب الفلسطيني. وأن حصار غزة لم ينسحب أثره فقط على القطاع وسكانه وإنما أدى إلى عزل وتفتيت الفلسطييين في غزة بشكل كامل عن بقية الشعب الفلسطيني والعالم الخارجي، ضمن استراتيجية إسرائيلية لتفتيت الشعب الفلسطيني ككل، وحرمان الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم غير القابلة للانتقاص في تقرير المصير والعودة.
جدير بالذكر أنه في ديسمبر 2019 وجدت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري أن إغلاق غزة والحصار يشكلا سياسات للتمييز العنصري والفصل العنصري (الأبارتهايد). وخلُصت إلى أن الوقت قد حان لتتخذ الدول تدابير فعّالة لمعالجة الأسباب الجذرية لقمع الفلسطينيين، والاعتراف بنظام “الأبارتهايد الإسرائيلي” ورفع الإغلاق عن غزة كخطوة إزاء القضاء عليه. وفي فبراير 2019، أوصت لجنة التحقيق الأممية بشأن مظاهرات 2018 في الأرض الفلسطينية المحتلة بأن على سلطة الاحتلال الإسرائيلية “رفع الحصار عن غزة فورًا”. وبعد أكثر من عام، يستمر إفلات إسرائيل من العقاب!
هذه الندوة هي أيضا جزء من حملة غزة 2020، التي أطلقتها مجموعة من المنظمات الفلسطينية والإقليمية في يونية 2020 من أجل رفع الإغلاق عن غزة، مسلطة الضوء على الحاجة الملّحة لرفع الحصار الإسرائيلي غير القانوني عن القطاع.
Share this Post