بقلم: مسعود الرمضاني
“لو ألغى لويس السادس عشر عقوبة الاعدام… لما قُطع رأسه” (فيكتور هوجو).
ان يُثار جدل حول عقوبة الاعدام اثر كل عملية ارهابية أو جريمة بشعة تهز المجتمع مثل الجريمة الاخيرة التي راحت ضحيتها رحمة ،فهذا امر طبيعي ، اذ بين القصاص الذي تحركه غريزة الانتقام من مرتكب الجريمة مباشرة اثر الحادثة وعقلانية العدالة التي لا تكتفي بالعقاب ، بل تسعى للإصلاح مسافة ليس من السهل قطعها في خضم حرارة الحدث، لكن ان يستجيب الساسة لدعوات الانتقام فهذا امر غريب، خاصة في تونس.
عندما حوكم سقراط بالإعدام ، طلب منه تلميذه الوفي وصديقه المخلص «كريتون» الهروب من السجن لينجو بحياته، رفض اب الفلسفة ذلك قائلا ان الحياة لا تعني شئيا ان لم تكن مقيّدة بقوانين وضعية ، حتى وان كانت احيانا جائرة، وانه لا يجوز لأي انسان عادل ان يرد الشر بالشر، تلك هي رؤية سقراط الحكيم الذي فتح افقا انسانية تؤسس لفلسفة تفرّق بين الخير والشر ، وتعطي قيمة للضمير الانساني حتى والشخص في احلك ظروف حياته.
الرأي العام وثقافة الثأر:
يقول برتراند راسل حول الثقافة الاخلاقية المحافظة التي رافقت العصر الفكتوري في بريطانيا والتي تمتهن صورة المرأة ان «الرأي العام الذي تحمله الاغلبية لا ينفي سخافة الفكرة» اي ان يكون عدد المقتنعين برأي ما هم كُثر ، لا يعني سداد ذلك الرأي.
من يشاهد ردود الفعل الصادمة تجاه الجريمة البشعة التي راحت ضحيتها البنت رحمة لا يقف عند مظاهر القصاص والتشفي فقط ، بل على مدى ما يستطبنه هذا الرأي العام ، بما فيه بعض مثقفيه، من عنف وارادة للتعذيب وتعطّش للدم : الحرق للمجرم وقطع اوصاله والاعدام في الساحة العامة، والاستدلال بآيات قرانيه حول الصلب وقطع اليدين والارجل من خلف واستحضار شريعة حمورابي التي ترجع الى حوالي سنة 1770 قبل الميلاد.
وكما جرت العادة في السنوات الاخيرة، فقد انتصب الرأي العام الفيس بوكي حاكما يحكم دون استماع للمتهم ودون تدقيق في الجريمة وظروفها ، واحيانا يسارع بنشر صورة «المجرم» دون تريّث أو تثبت أو مراعاة أو اعتبار لمقولة ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته أو حتى العلم بالقانون الذي يفترض وجوب استشارة النيابة العمومية قبل نشر صورة اي متهم ، والادهى ان الصورة التي تنشر على نطاق واسع ، لا تكون احيانا للمتهم بارتكاب الجريمة، فيكون ذلك في حد ذاته جرما لا يستوجب الاعتذار عنه ، في فترة الانفلات والبطولات الافتراضية…
في كتاب «عقوبة الاعدام بين العدالة والانتقام» يطرح الدكتور طارق علي صالح ثلاثة اسئلة مهمة حول.
- الهدف من عقوبة الاعدام
- وما إذا كان الهدف من العقوبة تحقيق العدالة
- والسؤال الثالث والمهم هو هل أن المجرم يتحمل الجريمة لوحده أم أن المجتمع والدولة يتحملان المسؤولية ، أيضا.
شعب الفيس بوك يريد والرئيس يستجيب:
صدم خطاب رئيس الجمهورية يوم 28 مارس 2020 امام مجلس الامن القومي المنظمات الحقوقية التونسية والدولية وكذلك كل الشخصيات التي ناضلت منذ عقود لإنهاء هذه العقوبة الوحشية حين دعا الى تنفيذ عقوبة الاعدام في الجاني ، دون احترام للقضاء الذي يجب ان يقول كلمته الفصل بعد الابحاث والوقوف عند كل ملابسات القضية، القضاء الذي يُفترض ان يكون هو اول الحريصين على استقلالية عمله واحكامه ، مستشهدا في ذلك بالنص الديني الذي يستنجد به الرئيس كلما ضاقت المراجع الدستورية ، متجاهلا قرار الدولة التونسية التي صوتت منذ سنة 2012 لصالح وقف استخدام عقوبة الاعدام في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ان أوقفت تنفيذها منذ حوالي ثلاثين سنة.
لكن يظهر ان الاهم بالنسبة لبعض السياسيين، ومنهم مع الاسف رئيس الجمهورية، هو الاستجابة للصراخ والهيجان اللذين يحكمان الناس بعد شناعة الجريمة أكثر من الاهتمام بالعدالة واسبابها وكيفية مواجهتها في المجتمع. وهل ينفع العدل في الانتخابات ؟ اليست هذه المسايرة للمزاج العام هي التأكيد الجلي لمقولة «الشعب يريد»؟ وهل تهم نضالات المجتمع المدني منذ عقود من اجل ان تكون العدالة عدلا وليست انتقاما بدائيا؟
ثم والاهم ، من اجل تفادي جريمة اغتصاب وقتل شنيعة مثل التي حدثت لرحمة ، الا يجب على أعلى سلطة منتخبة ، عوض استباق القضاء واستبطان دوره ،أن تفعّل القانون الاساسي حول مناهضة العنف ضد المرأة؟ الا يجب على رئيس الدولة ان يبادر بالتضامن مع ما تتعرض له النساء الحقوقيات من سخرية وتحقير ، حتى يعيد للمرأة مكانتها في المجتمع؟
هل نُسكت الحقوقيين لتنتهي الجريمة؟
بعد كل جريمة قتل بشعة أو عملية ارهابية ترتفع الاصوات منادية بإسكات «الحقوقيين» الذين يحمّلون لوحدهم مسؤولية هشاشة الوضع الامني وتفاقم الجريمة ومنع تنفيذ العقوبات في المجرمين، تلك الفئة التي استهدفها القمع لعقود وتستهدفها حملات التشويه والوصم اليوم.
أولا اود ان أوضح ان هؤلاء هم من يرفضون «الافلات من العقاب» ويدافعون عن العدالة بمفهومها الشامل وينظرون الى كل ابعاد الجريمة، الاخلاقية والاجتماعية والنفسية ويهمهم العدل أكثر من الانتقام ويعتبرون ان الردود المزاجية لن تحقق العدل ولن تحمي المجتمع من جرائم مماثلة وهم من يعرف بالتجربة ان الدول التي تطبق عقوبة الاعدام لم تحدّ من الجريمة ، واهم أمثلة عن ذلك هي بلدان الولايات المتحدة والعربية السعودية وأفغانستان ، بل ان الضحايا عادة ما يكونون من الاقليات أو المهاجرين الذين قذف بهم المجتمع الى مستنقع الانحراف و الجريمة.
لكن اذا اتفق سياسيون نافذون مع المزاج العام بدوافع شعبوية عوض ان يحرصوا على حماية المجتمع من الجريمة ،فسوف لن يمنعهم الحقوقيون من نصب المشانق في الساحات العامة ولا من العودة الى كل عقوبات القرون الوسطى، لكن الاكيد ان ذلك لن يقلل من منسوب العنف والجريمة الذي له اسباب تتجاوز صدى صفحات التواصل ولن يشرّف تونس ولا تاريخ نضال نخبها ولا تطلعها الى ان تكون دولة معاصرة.
المصدر: جريدة المغرب
Share this Post