في إطار صالون بن رشد، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مساء الخميس 5 يوليو 2012 لقاءً نقاشيًا بعنوان “الصحافة القومية بين السيطرة والإصلاح”. ضم اللقاء كل من أحمد سبيع المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، جمال فهمي وكيل أول نقابة الصحفيين، خالد بنورة عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشورى، والخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، أدار الصالون بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
في البداية أشار بهي الدير حسن إلى أن مشكلة الصحافة القومية ترجع إلى عهد ما قبل الثورة، وقد تم طرح العديد من المشروعات الإصلاحية لتلك المنظومة سواء قبل الثورة أو بعدها، والتي كان أخرها ما طرحه مجلس الشورى، بشأن تحديد معايير اختيار رؤساء التحرير وآليات إعادة هيكلة تلك المؤسسات، الأمر الذي لاقى ردود أفعال متضاربة داخل الوسط الصحفي، ما بين مؤيد ومعارض، بما يستدعى إعادة طرح تلك المقترحات والمبادرات للمناقشة والتقييم، وبيان حقيقة أهدافها، فما بين الإصلاح والسيطرة، والتطوير والتطهير تقف المؤسسات القومية تنتظر الحل.
من جانبه استعرض خالد بنورة عضو مجلس الشورى مقترح المجلس، والذي جاء -علي حد قوله- انطلاقًا من رصد دقيق كشف عن تردي مذهل في أوضاع تلك المؤسسات المالية والمهنية أيضًا. حيث رصد مجلس الشورى أكثر من 123 مليار جنية خسائر لـ 55 مؤسسة قومية، بالإضافة إلى ما كشف عنه المجلس من ضرائب مستحقة، ورشاوى مالية، وامتيازات تمتع بها رؤساء تحرير تلك المؤسسات والذين كانوا يمثلون أذرع النظام السابق، وقد رفض بنورة الاتهامات التي وجهت لحزبه بالسعي نحو”الهيمنة”على مقاعد رؤساء التحرير في هذه المؤسسات رغبة من الحزب في توجيه الصحف القومية نحو خدمة مصالح حزبية ضيقة، مؤكدًا أن صحفيين منتمون لنقابة الصحفيين هم من وضعوا معايير وضوابط اختيار وتعيين رؤساء تحرير الصحف القومية من خلال لجنة شُكلت لهذا الغرض وليس مجلس الشورى أو حزب الحرية والعدالة.
وأضاف بنورة أن الشعب فوض مجلس الشورى لإدارة ملكيته لتلك المؤسسات، ولكن مجلس الشورى علي مدي العهود الماضية لم يستخدم هذا التفويض، واكتفى بالتصديق علي تعليمات قيادات النظام، حتى تحول المجلس لممثل لسيطرة النظام علي حرية الصحافة وحقوق الصحفيين بما يتعارض مع القانون، مؤكدًا، أن المبادرة التي جاءت من المجلس الحالي تهدف لإعادة الاستفادة المالية والمهنية من تلك المؤسسات عن طريق تقديم حلول قصيرة الأجل للأزمة، وضع خطة على المدى الطويل.
الحلول التي طرحها بنورة كانت مبعثًا لنقد شديد من قبل جمال فهمي وكيل أول نقابة الصحفيين، والذي اعتبر أن مبادرة المجلس ليست بغرض إصلاح تلك المؤسسات، وإنما هي محاولة للسيطرة والتغلغل والتدخل في العمل الصحفي، مدللاً علي ذلك بالمقترح الخاص بإلزام المؤسسات الصحفية برفع تقارير دورية عن مكاتبها الإقليمية ومراسليها، معتبرًا هذا تدخل في شان مهني لا علاقة له بعملية الإصلاح وإعادة الهيكلة. وقد علق فهمي على إعداد النقابة لمعايير اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية بقوله أن سلطات النقابة تتمثل في ضمان توفير البيئة النقابية الصحية لكافة الصحفيين بغض النظر عن درجة مهنيتهم.
أضاف فهمي “حرية الصحافة من غير الممكن أن تعيش في بيئة معزولة عن باقي منظومة الحريات في المجتمع” مستنكرًا تجاهل المجلس لترسانة من القوانين المقيدة للحريات الصحفية، مؤكدًا أن القوانين الحالية إذا طبقت ربما تتسبب في حبس محرر صفحة الوفيات في الأهرام، حتى أن مجلس الشعب المنحل –علي حد قوله- لم يكن مخلصًا لادعائه بأنه برلمان الثورة لأنه ساهم في قمع أحد أهم مطالب الثورة والمتمثلة في الحرية، متبعًا نهج النظام السابق في قمع الحريات وللأسف بلغة أقل تهذيبًا، فالنظام السابق كان يستخدم في القمع لغة أكثر دبلوماسية من تلك التهديدات التي كان يطلقها البرلمان الأخير. كذلك انتقد فهمي تجاهل مجلس الشعب القوانين المقيدة لحرية الصحافة، وعدم استخدامه لسلطاته التشريعية لسن قوانين جديدة، حيث لم تكن قضية الحريات ضمن أولويات الأجندة التشريعية للأغلبية البرلمانية -على حد تعبيره.
من ناحية أخرى، تناول أحمد سبيع –المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة- إشكالية استقلال المؤسسات الصحفية القومية من منظور الإصلاح المؤسسي، وهو الإصلاح الذي يراه ضروريًا لتطوير عمل مؤسسات الدولة بوجه عام. واعتبر سبيع أن الانطلاق في عملية إصلاح مؤسسات الدولة الصحفية يجب أن يتم تناوله في ضوء زيادة مساحات حرية الرأي والتعبير المتاحة والتي تلعب دورًا لا غنى عنه في تشكيل وتوجيه الرأي العام في قضايا عديدة.
أكد سبيع على أهمية البدء في اتخاذ مجموعة من الإجراءات في سبيل الشروع في عملية إصلاح المؤسسات الصحفية كاستحداث آليات لفصل ملكية الدولة لهذه المؤسسات، بما تستتبعه هذه الملكية من تدخلات جهة الإدارة وتأثيرها في مهنية تلك المؤسسات، كما أشار أيضًا إلى أشكال التدخل الإداري في عمل هذه المؤسسات متمثلاً في تحديد الإطار الإداري الذي تدار هذه المؤسسات من خلاله. كما أشار سبيع لأزمة مهنية الصحفيين ومصداقية المادة الصحفية والإخبارية التي تقدم للجمهور.
اختتم سبيع كلمته بأن “المعركة الحالية ليست في قرار مجلس الشورى والتي تعتبر إجراء “شكلي” بل أن المعركة الحقيقة هي معركة كتابة الدستور وهي المعركة التي ستخلق بيئة تشريعية جديدة قد تمنح قدرًا أوسع من الحريات فيما يخص ممارسة العمل الصحفي بشكل عام”.
حاول ياسر عبد العزيز الخبير الإعلامي طرح مجموعة من الأسئلة التي يمكن أن تطرح نقاشات مجدية لحل أزمة استقلال مؤسسات الصحافة القومية، كالبحث في آليات إصلاح وسائل الإعلام المملوكة للدولة وجدوى منح مجلس الشورى سلطة مراقبة وتحديد أطر عمل المؤسسات الصحفية القومية والتي باتت تعاني –على حد قوله- من أزمة مصداقية حقيقة بسبب التدخلات المستمرة من جانب السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الإعلام، وكذا السلطة التشريعية ممثلة بالطبع في مجلس الشورى.
شكك عبد العزيز في وجود رغبة حقيقة لدى صناع القرار في مصر لحل أزمة الإعلام مؤكدًا أن الحل في تحرير هذه المؤسسات من سيطرة وقبضة جهة الإدارة في التدخل في السياسات التحريرية لها، وضرورة منح فرص أكبر للكفاءات المهنية الشابة للظهور ولتقلد مناصب قيادية داخل تلك المؤسسات.
أما فيما يتعلق بآليات حل الأزمة أشار عبد العزيز إلى ضرورة تشكيل هيئة مستقلة تسمى “الهيئة العامة للصحافة والإعلاميين” وتوكل لها سلطات مجلس الشورى في إدارة مؤسسات الدولة الإعلامية على أن تشكل ممثلين معينين من عدة جهات كنقابة الصحفيين، نقابة الإعلاميين، منظمات المجتمع المدني، مجلسي الشعب والشورى، بالإضافة إلى رئيس الجمهورية. تضع هذه اللجنة في أولوياتها محاسبة الفاسدين داخل المؤسسات الإعلامية وهو ما سيسهم في إدارة عملية الإصلاح الهيكلي لها دون الإخلال أو التدخل في معايير مهنيتها.
كما اتفق عبد العزيز مع جمال فهمي في ضرورة سن قوانين لإدارة المؤسسات، حيث لا يجوز للحكومة أن تدير عملية الإصلاح لأنها ليست جزء من الدولة –مالكة هذه المؤسسات- ولكنها تملك الإشراف على عملية التغيير والإصلاح المطلوبة.
اختتم بهي الدين حسن اللقاء بالإشارة إلى أن قرار مجلس الشورى جاء متسرعًا وصادمًا للوسط الصحفي، فمن الواضح أنه لم تسبقه مشاورات مع أهل البيت (النقابة) أو مع خبراء الإعلام. ودعى بهي حزب الحرية والعدالة إلى مزيد من المصارحة مع الإعلام ومع الجماهير خصوصًا بعد فوز الدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة. فليس عيبًا أن يعلن حزب الحرية والعدالة أنه حزب إصلاحي، وبالتالي لا يتبنى أهداف الثورة، وأن سقف أهدافه هو إصلاح جزئي محدود في إطار ذات النظام، سواء كان فيما يتعلق بالصحافة، الأمن، القضاء، أو غيرها من المؤسسات. إن ذلك مطلوب ليس فقط من أجل الشفافية في الممارسة السياسية، ولكن أيضًا حتى لا يتكرر الصدام بين توقعات الناس من حزب مازال يقول أنه ينتمي لمعسكر الثورة.
Share this Post