شهدت ندوة “خريطة الطريق ما بعد قمتي شرم الشيخ والعقبة” التي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد في 17 يونيو 2003 خلافا شديدا في الرأي حول آثار خريطة الطريق على القضية الفلسطينية ما بين متفائل بشأن إمكانية تحقيقها نتائج إيجابية أو متحفظ على الخريطة وما يمكن أن تحققه في ضوء الخبرات السابقة في أوسلو ومدريد.
وفي بداية الندوة ذكر مجدي النعيم المدير التنفيذي للمركز أن الدور العربي تزداد أهميته وخطورته، خاصة وأن خريطة الطريق لم تعالج قضايا فلسطينية هامة في مقدمتها قضية اللاجئين وتصفية المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، كما أنها لم تتضمن ما يشير إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الصورة المعقدة التي أصبحت عليها المنطقة العربية، خاصة بعد احتلال العراق والمحاولات الإسرائيلية للعودة إلى أسلوب الاغتيالات في نفس الوقت الذي تشكل فيه الخريطة –والكلام للنعيم- انتهاكا وتهديدا لحقوق الإنسان بسبب تركيزها الشديد على قضايا الأمن.
إشكاليات
وفي بداية حديثه ذهب الدكتور سمير غطاس مدير مركز “مقدس” للدراسات السياسية بغزة بفلسطين إلى أن المدخل الأساسي لتناول خريطة الطريق هو الإشكاليات المنهجية التي تتعلق بالقراءة العربية لها، والتي أخذت انطباعا سلبيا عنها، مرجعا السبب في ذلك إلى أن العقل العربي عادة ما يضع الموضوعات السياسية في ثنائيات مناقضة لبعضها فالسلام ضد الحرب والمقاومة والتسوية مرتبطة بالتنازلات.
ورأى غطاس أن تناول خريطة الطريق يجب أن يتم من خلال محاور أساسية فإلى جانب الإشكاليات المنهجية التي تتعلق بالقراءة العربية لها هناك أيضا الرؤية الواسعة لهذه الخريطة من خلال نظرة ميكروسكوبية والنظر إلى الخريطة في إطار كونها متغيرا سياسيا على المستوى الإقليمي والدولي، ثم قراءة في أهم ملامحها وقراءة ردود أفعال ومواقف الأطراف الأساسية فيها ومعرفة إلى أين تقود هذه الخريطة، وأخيرا معرفة الأهداف الإسرائيلية من خلال إعادة تقييم وترتيب الأولويات.
اتساق
أعرب غطاس عن اعتقاده بأن الخريطة جاءت متسعة فيما يتعلق بمسائل ثلاث: الأولى أنها تعد الخطة الأولى من نوعها بعد 55 عاما التي تستعيد وتسترجع مبدأ التقسيم كأساس حاكم للتسوية السلمية، حيث إنه منذ عام 1947 لم تشهد القضية خطة أو اتفاقا يركز على مبدأ التقسيم كهذه الخطة، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية مرت منذ عام 1947 وحتى عام 1973 بما يسمى بالمنظور الإنساني وبعد عام 1973 ظهرت وثيقتان لساندرز ومركز بروكلينز وكانتا أول إشارة للقضية الفلسطينية على أنها موضوع سياسي وليس إنسانياً ثم كانت مبادرة الرئيس الأمريكي ريجان التي تحدثت عن حكم ذاتي للفلسطينيين، ثم مبادرة بوش الابن التي تحدثت عن حكم ذاتي للفلسطينيين، لكنه حكم مرهون بالمفاوضات.
أضاف غطاس أن الخريطة أعادته أيضا ولأول مرة تضع ترتيب الأطراف الأساسية على عكس ما كان عليه هذا الترتيب عام 1947، فالفلسطينيون الآن في الوضع الذي كان فيه الإسرائيليون في ذلك الوقت، وأبو مازن –والكلام لغطاس- في نفس موقف بن جرويون وشارون في موقف الحاج أمين الحسيني مع الفارق في الأوضاع. وأوضح أن الفلسطينيين في الموقع الجديد يمتلكون ديناميكية داخلية هجومية لأنهم في موقع يهدف إلى الاسترداد عكس الموقف الإسرائيلي الذي أصبح مدافعا. استطرد غطاس، معتبرا أن المسألة الثالثة في إطار الاتساق تتمثل في أنه ولأول مرة يتم إقرار خطة تسوية بمظلة دولية بعد أن أثبت الواقع فشل المحاولات الفردية، حتى تلك التي قادها الاتحاد السوفيتي السابق وأيضا التي قادتها دولة الانتداب البريطاني بينما التسوية التي طرحتها خريطة الطريق تشارك فيها مظلة دولة يمثلها الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة.
أكد غطاس أن خريطة الطريق تستهدف إيجاد حل دائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، مدللا على ذلك بأن الخريطة تناولت لفظ “دولة فلسطينية” أكثر من 17 مرة وهى خطة –والكلام لغطاس- تستند في مرجعيتها إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، إلى جانب إدخال مبادرة الأمير عبد الله التي تبنتها قمة بيروت محل الاهتمام والتنفيذ العملي، إضافة إلى أن آلية التنفيذ تقوم على أساس التفاوض والتوازي في العمل.
مواقف
تناول غطاس موقف الأطراف المختلفة من خارطة الطريق فأشار إلى أن الحكومة الفلسطينية أبدت موافقتها بشرطين، الأول هو عدم إدخال تعديلات على الخارطة والثاني أن تكون للتنفيذ وليست للتفاوض، في حين أن المعارضة الفلسطينية أعلنت رفضها للخارطة لسببين أيضا، الأول أنها في رأيها تعني التوقف عن المقاومة المشروعة، والثاني يتصل بتخوفات من القضايا التي يتم التفاوض عليها في المرحلة النهائية خاصة المتعلق منها بحق العودة وقضية الحدود والمساحة واستقلال الدولة، ذلك أن هناك مخاوفاً خاصة بعد إشارة بوش في قمة العقبة إلى إقامة دولية يهودية، وهو ما يعني أن هذه المخاوف وغيرها تتعلق بالثوابت الفلسطينية، أما الجانب الإسرائيلي فبدأ في رفض هذه الخطة،وذلك بالإعلان عن مجموعة من الاعتراضات بلغت 100 اعتراض تم تقليصها إلى 14 اعتراضا، مما أدى إلى تأجيل المرحلة الأولى للخطة والتي كان مقررا الانتهاء منها في نهاية يونيو الجاري.
ذكر غطاس أن الخريطة وبالرغم من إيجابياتها، إلا أنها تتعرض لثغرتين، الأولى مادية وهى فيما يسمى بجدار الفصل وهى الفكرة التي تبناها اليسار الإسرائيلي ورفضها شارون في البداية، إلا أنه رضخ لها في النهاية بعد أن خصصت له أموال قدرت بمبلغ مليار شيكل إسرائيلي، حيث سيكون هذا الجدار واقعا ماديا كالمستوطنات، أما الثغرة الثانية فتتمثل في المرحلة الأساسية التي يمكن أن يصل فيها الطرفان إلى مسألة المفاوضات، فهى تتحدث عن حل دائم وعادل لموضوع القدس واللاجئين في حين يتجاهل فكرة وشكل الدولة الفلسطينية، وهو ما يعني أن الخريطة في أحسن أحوالها من الممكن أن تصل إلى المرحلة الثانية التي تقوم على أساس إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، وهى المرحلة التي تتفق مع خطة شارون.
أكد غطاس على أهمية قيام الجانب الفلسطيني بتقويم أهدافه وتحديد أولوياته في هذه المرحلة وتحديد المخاطر التي تهدد قضيته والتركيز على الأهداف التي تخدمها.
خبرة تاريخية
وبدوره تساءل مجدي النعيم عما إذا كان مرجعية الخريطة والإشراف الرباعي عليها يمثلان ضمانة كافية لينال الجانب الفلسطيني جائزة على ما سيلتزم به من ضمانات أمنية وغيرها، وما مدى مصداقية الموقف الإسرائيلي وقدرة السلطة الفلسطينية على تحمل تبعات وإدارة الأمور بشكل لا يؤدي إلى أزمة وطنية داخلية؟.
وأضاف تساؤلا آخر يتعلق بالمعارضة الفلسطينية، وحدود السياسة والعنف لديها، مشيرا إلى أن أداء بعض المنظمات الفلسطينية يوضح أنها ليست على استعداد للدخول في عملية سياسية بينما يعرف الجميع أن أي حرب هدفها في النهاية هو الوصول لعملية سياسية.
وبدأ المهندس أحمد بهاء الدين شعبان القيادي باللجان الشعبية لدعم الانتفاضة حديثه، بالإشارة إلى أن الوضع شديد التداخل والتعقيد وأنه يستحيل على أي طرف أن يعلن أنه يملك إجابة حقيقية على كل ما هو مطروح من تحديات.
قال شعبان إن الرافضين للتسوية لم ينطلقوا في موقفهم هذا من باب التعنت أو التزمت، وإنما كان موقفهم مبنيا على حقائق موضوعية وخبرة تاريخية للتعامل مع التسويات السابقة وأقربها للذهن تسوية أوسلو التي دارت فيها القضية في حلقات مفرغة انتهت إلى لا شئ رغم أنها أقرت برعاية المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية، مذكرا بحفل توقيع هذه الاتفاقية في البيت الأبيض وما صحبه من احتفالات تبعها أن قامت إسرائيل وفي غمضة عين باجتياح أراضي السلطة الفلسطينية وإلقاء الاتفاقية في صندوق القمامة دون أن يهتز لها وجدان.
قال شعبان إن الدكتور غطاس أشار إلى أن اتفاقية خريطة الطريق احتوت ولأول مرة على 17 تكرارا لاسم الدولة الفلسطينية، ولكنه لم يذكر أنها احتوت على 30 مرة أو أكثر الحديث عن واجبات أمنية على الطرف الفلسطيني وأن نصف الاتفاقية تقريبا يتحدث عن مهام السلطة الفلسطينية وينص على أن الفلسطينيين مطالبون بأن يعلنوا وقفا لا يقبل التأويل للعنف والإرهاب، “ويقومون بجهود مرئية على الأرض ليعتقلوا أو يوقفوا الأشخاص والجماعات التي تشن هجمات ضد إسرائيل”.
رأى شعبان أن مهمة السلطة أو الدولة الفلسطينية التي ستنشأ بموجب هذه الاتفاقية هى في المقام الأول تصفية مقاومة الشعب الفلسطيني وتدمير البنية التحتية لها للأبد، مشيرا إلى أن تنفيذ كل بند جزئي من الاتفاقية يرتبط بنجاح الخطة الأمنية لتصفية الانتفاضة والقدرات النضالية الفلسطينية مشبها موقف الجانب الفلسطيني في هذه الاتفاقية بأنه أشبه بالكلب في السيرك الذي كلما أنجز حركة بهلوانية يأخذ من مدربه قطعة لحم.
أشار شبعان إلى أن ما يؤكد ذلك هو دور أبو مازن المعلن والذي لا ينكره هو شخصيا، حيث يقول في إحدى محاضراته أنه يؤيد تصورات وقف الانتفاضة ووقف عسكرتها “ويرى شعبان أنه بموجب هذه التصورات تم الضغط على عرفات للموافقة على تعيين أبو مازن ودحلان، وذلك في إطار خطة تصفية الانتفاضة ووضع نهاية أبدية للمقاومة وتحويل الشعب الفلسطيني إلى لقمة سائغة في يد الاحتلال.
تساءل شعبان عما إذا كان واجبا على العرب الهرولة وراء تسوية لمجرد أن الرئيس الأمريكي بوش هو الذي يطرحها، رغم أن بوش يمثل أعتى تجمعات اليمين الصهيوني الأمريكي، مشيرا إلى أن بوش لم يطرح هذه التسوية إلا بعد احتلاله للعراق ومن أجل وضع حد لما يتصوره سببا لكراهية العرب والمسلمين للسياسة الأمريكية، مشيرا إلى أن هناك توصيات من داخل أمريكا بأن تطرح واشنطن تصورا لحل المشكلة الفلسطينية، حتى يتم تفريغ شحنة الكراهية العربية لأمريكا، وحتى يمكن ابتلاع للقمة العراقية الكبيرة بأقل قدر من التكاليف.
أكد شعبان أن بوش يدافع عن المصالح الاستراتيجية لبلاده وأن أحد أساليبه هى إدخال المنطقة العربية في دوامة جدية من التسوية تحت زعم حل الصراع وفي النهاية تنتهي هذه التسويات كما انتهت أوسلو في مزبلة التاريخ. أشار شعبان إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون حينما سئل في مقابلة صحفية عن أسباب عدم طرحه لخارطة الطريق للتصويت في الكنيست رد بأن “الخارطة ليست اتفاق سلام يستوجب التصديق عليه، وإنما هى إطار يفترض أن تليه اتفاقات سلام في حال توقف الإرهاب الفلسطيني تماما، وقال شارون أيضا أن “إسرائيل تصر على حقها في العيش بهدوء وأمان ولن تتنازل عنه أبدا والسلام لن يتحقق سوى بحركة حقيقية تقودها السلطة ضد المنظمات الإرهابية وضد بنيتها التحتية”.
وخلص شعبان إلى أن هناك هدفاً مشتركاً بين كل من شارون وأبو مازن وبوش وهو وضع حد للانتفاضة الفلسطينية.
أشار شعبان إلى أن شارون يستهدف فقط إجهاض الانتفاضة ووأد المقاومة التي فشلت القوة التي استخدمت على نطاق غير مسبوق في وأدها وأن المطلوب من السلطة هو أن تنوب عن إسرائيل في قمع الانتفاضة وضرب البنية التحتية للشعب الفلسطيني.
قال شعبان إن الضمانات الدولية لا تغري بقبول التسوية لأن هذه الضمانات هى بالنسبة لإسرائيل مجموعة من الأوراق يمكن إلقاؤها في أية لحظة، مدللا على ذلك بمئات القرارات الدولية التي كانت تضمها القوى العظمى، ولم تتأثر بها إسرائيل. وأكد أنه من الصعوبة بمكان أن يضع قائد فلسطيني توقيعه على تنازل تاريخي للقبول بدولة متناثرة على 10% من مساحة فلسطين التاريخية، مشيرا إلى أن هذه الدولة لو أنشئت بالفعل فستكون شديدة الهشاشة والتبعية لإسرائيل وستكون منزوعة السلاح ولا تملك أية مقومات الدولة لأنها ستكون ممزقة الأوصال ومن السهل اجتياحها في أية لحظة. ستكون “مسخرة” وليست دولة.
قال شعبان إنه لا شك في أن نهاية أي صراع هى التفاوض ما لم تكن هناك فرصة لإبادة الخصم أو تصفية أيديولوجيته العنصرية، كما حدث في جنوب أفريقيا إلا أنه تساءل عما إذا كانت هذه هى اللحظة المناسبة للتفويض؟ مشيرا إلى أن هذه اللحظة شديدة الصعوبة، حيث تنفرد أمريكا بتقرير مصير العالم ساعية إلى إنشاء الإمبراطورية في ظل ضعف المؤسسات الدولية واحتلالها لبغداد وإعلانها عن خطة لتغيير خرائط المنطقة في ظل تهديدات سرية لكل من إيران وسوريا وتهديدات مبطنة لدول مثل مصر والسعودية ووجود قيادات متطرفة في أمريكا وواقع عربي سئ يتمثل في تفسخ النظام السياسي والأمني العربي وضعف القوى الديمقراطية. وخلص شعبان إلى أن اللحظة الحالية تفقد كثيرا من الشروط لخوض تجربة تفاوض يمكن أن تثمر ولو بشكل محدود في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني.
الحق في العودة خارطة الطريق الحقيقية لفلسطين
أكدت هيئات ومنظمات المجتمع الأهلي الفلسطيني داخل لبنان رفضها لأية محاولات مشبوهة، تستهدف تصفية حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، مشيرة في هذا السياق إلى أن طرح ما يسمى بخارطة الطريق يكرس نهج أوسلو في التعامل مع قضية اللاجئين، ومشيرة كذلك إلى ما انطوت عليه قمتا شرم الشيخ والعقبة من تنازلات فلسطينية وعربية على صعيد القضية الفلسطينية بصفة عامة وحقوق اللاجئين في العودة بصفة خاصة.
جاء ذلك عبر البيان الذي وقعته 72 منظمة أهلية فلسطينية تنشط داخل أوساط مخيمات اللاجئين الفلسطينية في لبنان. أكد البيان التمسك بحق العودة كحق تاريخي وحق أساسي من حقوق الإنسان. وشدد على أن الحق في العودة غير قابل للتفويض أو التصرف باعتباره حقا شخصياً في الأساس وفي الوقت نفسه حقاً جماعياً للشعب الفلسطيني يرتبط بحق تقرير المصير. وأضاف البيان أن البداية محاولة لإسقاط هذا الحق تشكل خرقا خطيرا لنصوص الميثاق الوطني الفلسطيني، وتشكل انتهاكا صريحا لمبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. واعتبر البيان أن أي اتفاق أو معاهدة أو خارطة لا تلتزم بحق العودة ستولد ميتة وتعتبر باطلة من أساسها، مؤكدا على أن الحق في العودة هو خارطة الطريق الحقيقية لفلسطين.
Share this Post