في صالون ابن رشد
في 20 سبتمبر الجاري، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الجلسة الشهرية لـ «صالون ابن رشد»، تحت عنوان: «أي أفق لاستراتيجية الحكومة المصرية لحقوق الإنسان»، وذلك على خلفية إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 11 سبتمبر، عن «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» وما ثار حولها من جدل، حول جدواها من الناحية العملية، ومدى تعبيرها عن تغيير حقيقي في سياسات الحكومة المصرية إزاء قضايا حقوق الإنسان.
استضاف الصالون كل من محمد أنور السادات؛ رئيس حزب الإصلاح والتنمية ومنسق لجنة الحوار الدولي، والدكتورة ميشيل دن؛ مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد كارنيجي للسلام الدولي، وبهي الدين حسن؛ مدير مركز القاهرة. وأدار الحوار الدكتور عز الدين فشير، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية دارتموث بواشنطن. كما شهد الصالون حضورًا إلكترونيًا مكثفًا، ومداخلات قيمة من الحضور.
ناقش الحوار دلالات التوقيت، طارحًا السؤال: لماذا الاستراتيجية الآن؟ فبينما توقعت (دن) أن الضغوط الأمريكية، وخاصة المتعلقة بحجب جزء من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، هي السبب الرئيس في طرح هذه الاستراتيجية،
أرجع (السادات) الأمر إلى بعض العوامل الداخلية؛ وخاصة الاستقرار السياسي وحصار الإرهاب، وتحقيق إنجازات ملموسة في المجال الاقتصادي والبنية التحتية. أما (حسن) فوجد في السياق الداخلي أسبابًا مختلفة تمامًا لاختيار هذا التوقيت، أبرزها تزايد قلق عناصر في المستويات الدنيا من نظام الحكم علي استقراره، خاصةً مع تدهور أوضاع المعيشة، وعدم وجود وسائط سياسية قادرة على استيعاب السخط المتزايد وتجنب وقوع صدام عفوي كبير. يُضاف إلى ذلك الوضع الكارثي غير المسبوق لحقوق الإنسان في مصر، والذي أدانته المنظمات المصرية والدولية والأممية على حد سواء. فضلًا عن تهالك الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية وغياب كل أشكال الرقابة على الأجهزة الأمنية، سواءً من الدولة أو من المجتمع. مضيفًا أن توقيت الإصدار المتزامن مع ذكرى أحداث 11 سبتمبر، كان عميق الدلالة، بشأن المستهدفين من هذه الوثيقة، التي أشرفت وزارة الخارجية على إعدادها، الوزارة الوحيدة غير المعنية بالشأن الداخلي للبلاد وإنما بعلاقاتها الخارجية.
وحول محتوى الاستراتيجية وبنودها، فاعتبرته (دن) مفتقرًة للاعتراف بوجود مشكلات جادة في مجال حقوق الإنسان، على نحو يتسق تمامًا وحالة الإنكار، التي وصفها (حسن) بأنها متجذرة في الدولة المصرية، بدايةً من رئيس الجمهورية الذي ينفي وجود أية انتهاكات، وصولًا لبيانات الخارجية (المستنكرة والنافية) لأي انتقاد دولي يوجه لمصر.
أما (السادات)، فاعتبر أن مجرد عمل الدولة، لمدة عامين، على هذه الاستراتيجية، هو في حد ذاته اعتراف «أنيق» بوجود المشكلة، ينفي عنها شبهة الإنكار. مؤكدًا على أن رئيس الدولة في مصر هو البوصلة، وطالما مدت الدولة يدها بالإصلاح فما لنا إلا أن نمد أيدينا، إذ لن تُجد بيانات الرفض والتنديد.
تركيز الاستراتيجية على إلقاء الجزء الأكبر من المسئولية، على كاهل المواطن كان أيضًا مثار استنكار وجدل خلال اللقاء. إذ اعتبرت (دن) أن تكرار التلويح بالحاجة إلى «رفع الوعي الثقافي للمواطن»، إنما يصور الأمر وكأن الانتهاكات لا تأتي من أجهزة الدولة، بل من المواطن غير الواعي بحقوقه، وهو أمر مثير للسخرية على حد وصفها. وبالمثل، بحسب (حسن)، فإن تكرار إلقاء اللوم على ضعف وعي المجتمع، والمواطنين، وتقصير الأحزاب السياسية، وحتى الربيع العربي، 30 مرة على الأقل، في وثيقة جاءت في 78 صفحة، كان بمثابة توجه واضح «لإلقاء اللوم على الشعب» في كل هذه الانتهاكات، واستمرار لحالة الإنكار بشأن كون أجهزة الدولة متورطة، في جرائم حقوقية خطيرة بحق الشعب.
وهو ربما ما دفع (دن) للإقرار بأنه حتى إذا تحققت جميع أهداف الاستراتيجية، فلن يتغير الكثير في أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ما يعني تواضع سقف أهدافها من الأساس!
في هذا السياق تبادل المشاركون المخاوف، بشأن التناقض الواضح على مستوى التطبيق. ففي مجال المشاركة السياسية، وبحسب (حسن)، ما زالت ممارسات الدولة المصرية تعكس فلسفة متجذرة تقوم على إقصاء المواطنين عن المشاركة في الشأن العام بأي ثمن، وبالحديد والنار. فثمة عشرات آلاف من الأبرياء في السجون يدفعون ثمن محاولتهم ممارسة هذا الحق، أو رهن الإخفاء القسري، أو الحبس الاحتياطي المطول، بتهمة مختلقة ومكررة هي (الانضمام لجماعة إرهابية). وتابع (حسن)، أن القمع الذي تعرض له السادات نفسه (وزملائه ومواطنين آخرين) لمجرد محاولته ممارسة حقه كمواطن في المشاركة في الشأن العام، سواء في البرلمان، أو محاولة الترشح للرئاسة الجمهورية أو تشكيل «تحالف الأمل” لخوض الانتخابات البرلمانية؛ هو بمثابة دليل ملموس على حجم التدليس في ورقة الاستراتيجية، التي تتهم المواطن والأحزاب السياسية بالمسئولية عن القصور في إعمال الحق في المشاركة في الشأن العام!
وفي مجال حرية المعتقد، وبحسب (دن)، تتحدث الحكومة المصرية مرارًا عن قوانين بناء الكنائس فقط، بينما لا تلتفت للممارسات والتعديات على الأقباط وكذا النشطاء المدافعين عن حقوقهم القابعين في السجون مع بقية المعارضين السياسيين. وهذا التناقض بين القول والفعل، يظهر حتى في تصريحات الرئيس نفسه، فبحسب مداخلة من الحقوقي (عمرو مجدي)، الباحث بمنظمة هيومان رايتس واتش، فإن الرئيس، الذي تحدث عن استراتيجية جديدة لحقوق الإنسان، أعطى بعد أيام إشارة البدء لبناء مجمع سجون جديد!
من جانبه طالب (السادات) الحضور بتجاهل ممارسات الماضي «إحنا ولاد النهاردة» معلقًا أن مجمع السجون الجديد، لا علاقة له بالسياسيين، وإنما هو مطلب قديم، وجزء من مطالب ممتدة من 2005 بأوضاع كريمة للسجناء، كجزء من دور الدولة مثل بناء المدارس والمستشفيات. كما استعرض بعض الأمثلة للتغير في الممارسة والتطبيق، من بينها القرارات المتعلقة بالإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيًا، وغلق ملف القضية 173 الخاصة بالتمويل الأجنبي، وإحالة بعض الضباط الثابت تورطهم في جرائم حقوقية للمحاكمة. كما أعلن (السادات)، ردًا على سؤال من الناشطة (إسراء عبد الفتاح)، أن الرئيس طالب ببدء العمل فورًا على تنفيذ الاستراتيجية، وأن لجنة، يتم تشكيلها حاليًا من خبراء وممثلي وزارات، سيتم الإعلان عنها عاجلًا، لوضع خطة عمل للتنفيذ، وبرنامج زمني.
«الأمر مرهون بالتطبيق» كان هذا هو الشرط الأساسي الذي أجمع عليه الحضور لتقييم هذه الاستراتيجية مستقبلًا سلبًا وإيجابًا. إذ اعتبرت (دن) أن الحكومة المصرية تتحمل مسئولية ترجمة بنود هذه الوثيقة، إلى واقع تخبر عنه الأرقام والحقائق، وأقر (السادات) أن إعلان البيانات والأرقام الحقيقية تقع على عاتق الحكومة، وأنها وحدها ستثبت جدية هذا التغيير. بينما رهن (حسن) الأمر بفتح قنوات الحوار مع المنظمات الحقوقية المستقلة في الداخل والخارج، من خلال مسئولين للحكومة لهم سلطة اتخاذ القرار، والتوافق على خارطة طريق محددة، وإلا تحولت هذه الوثيقة لمجرد مكلمة في 78 ورقة.
لمشاهدة الصالون كاملًا: هنا
Share this Post