جاء قرار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي صدّق على تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة ليضع كل الأطراف أمام مسؤولياتها القانونية، ونحو ضمان المساءلة لصالح الضحايا المدنيين في الحرب. ومن العناصر الأساسية في التقرير دعوته جميع أطراف النزاع إلى إجراء تحقيقات داخلية موثوقة خلال ستة أشهر.
وقد أكّدت “بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في نزاع غزة الممتد من ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى يناير/كانون الثاني 2009” على مسؤولية إسرائيل – وحركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة – في ارتكاب انتهاكات لقوانين الحرب، وبعضها يرقى لجرائم الحرب وربما جرائم ضد الإنسانية. والبعثة – بإشراف القاضي الجنوب أفريقي المعروف ريتشارد غولدستون – دعت إسرائيل وحماس إلى إجراء تحقيقات موثوقة ونزيهة من أجل تحديد المسؤولين عن الأمر بهذه الانتهاكات وتنفيذها. وعلى الأمم المتحدة أن تنشئ آلية لمراقبة التزام الأطراف بذلك، حسبما ورد في تقرير غولدستون، وإذا تبين عدم الالتزام، فعلى مجلس الأمن أن ينظر في أمر إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وقد انتهى تقرير غولدستون إلى أن القوات الإسرائيلية استخدمت بشكل غير قانوني الفسفور الأبيض والمدفعية الثقيلة في مناطق مزدحمة بالسكان المدنيين، وأن هذه القوات أطلقت النار على مدنيين يحملون الأعلام البيضاء، وحرمت السكان المدنيين من الاحتياجات الأساسية لشهور طويلة مع استمرار الحصار، وهو ما يدخل في نطاق سياسات العقاب الجماعي. كما انتهى التقرير إلى أن حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى تعمّدت إطلاق الصواريخ على بلدات إسرائيلية بهدف الإضرار بالسكان المدنيين الإسرائيليين وترويعهم.
وقد كلّف مجلس حقوق الإنسان بعثة تقصي الحقائق بـ “التحقيق في جميع انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي” التي وقعت على صلة بنزاع غزة، قبل وأثناء وبعد العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في 27 ديسمبر/كانون الأول وانتهت في 18 يناير/كانون الثاني. وفي سياق القيام بتكليفه، حرص القاضي غولدستون وفريقه على الاستماع إلى الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين وأصحاب المناصب من الطرفين.
ونحن، المنظمات المعنية بقضايا حقوق الإنسان بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نرى في تقرير غولدستون فرصة مواتية لعدة أسباب:
أولاً، مع اتساع ولاية البعثة لتشمل الشكايات الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، فإن التقرير ألقى بنظرة فريدة، جدية ومحايدة، على العشرات من الوقائع التي شملتها هذه الحرب، من وجهة نظر القانون الإنساني الدولي، الذي يُلزم جميع الأطراف باتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة من أجل تفادي إلحاق الضرر غير الضروري بالمدنيين والأعيان المدنية.
ثانياً، يوزع التقرير العبء بالتساوي على أطراف النزاع، فيما يخص بعمل اللازم من تحقيقات في مسلك قوات الأطراف ومقاضاة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.
ثالثاً، يجسّر التقرير الهوة بين هذه الانتهاكات الجسيمة والمساءلة عليها.
ونؤكد كمنظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال افريقيا بأن عمليات الجيش الإسرائيلي أسفرت عن أضرار أكبر بكثير في أرواح وممتلكات المدنيين، مما أدت إليه العمليات التي شنتها الجماعات الفلسطينية أثناء نزاع ديسمبر/كانون الأول – يناير/كانون الثاني. وقد اتسم النزاع بتباين شاسع في القدرات العسكرية للطرفين، إلا أن هذه الانتهاكات وعدد الوفيات الكبير في قطاع غزة لا يقلل من الحاجة لفحص الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب من قبل جميع الأطراف. ولا يمكن أن تبرر الأضرار الناتجة عن عمليات الجيش الإسرائيلي انتهاكات الطرف الفلسطيني. إن انتهاكات قوانين الحرب لا تُقاس بحجم الخسائر في صفوف المدنيين، بل بما إذا كان كل من أطراف النزاع قد اتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتقليص الإصابات في صفوف المدنيين. واستخدام أسلحة غير متطورة لا يبرر الإخفاق في احترام قوانين الحرب؛ ولا يعني استخدام الخصم لأسلحة متطورة أن للطرف الآخر الحق في تجاهل تلك القوانين. فلا يمكن تقليل الخسائر غير الضرورية في أرواح المدنيين إلاّ إذا أقر الطرفان واحترما التزاماتهما بقوانين الحرب، بغض النظر عن درجة تطور أو بدائية الأسلحة لديهما.
إن المطلوب الآن أن تفي كل من حماس واسرائيل بالتزاماتهما بموجب القانون الدولي، بالتحقيق في الهجمات وتقديم المسؤولين عنها للعدالة.
إن تحميل الجناة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة في غزة وجنوب إسرائيل المسؤولية يُمكّن مجلس الأمن والجمعية العامة من إرسال رسالة قوية إلى العالم العربي، وكذلك إلى العالم بأسره، مفادها تشجيع احترام المبادئ الإنسانية الأساسية التي تكمن في قلب قوانين الحرب.
وهي فرصة سانحة أيضاً لمجلس الأمن والجمعية العامة ، كي يرسلا رسالة واضحة إلى القيادات الإسرائيلية والفلسطينية – وزعماء الدول والحركات ومسانديهم في العالم أجمع – بأن المدنيين، بغض النظر عن جنسياتهم، وخلفياتهم العرقية والدينية – ليسوا أهدافاً مشروعة.
نحن، المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بالعالم العربي، ندعم بقوة تقرير غولدستون وتوصياته، وندعو جميع أعضاء الجمعية العامة و مجلس الأمن إلى النظر في التقرير وتبني قرار يتسق مع نتائج التقرير وتوصياته.
صدّقت المنظمات التالية على البيان:
- جمعية عدالة، المغرب
- الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، الجزائر
- الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجزائر
- الشبكة العربية لحقوق الإنسان، مصر
- المؤسسة العربية للتنمية والمواطنة، الأردن
- المركز البحريني لحقوق الإنسان، البحرين
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مصر
- مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، سوريا
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مصر
- مؤسسة حوار للتنمية الديمقراطية، اليمن
- جمعية حقوق الإنسان أولاً، السعودية
- هيومن رايتس ووتش، الولايات المتحدة
- مركز مدى، المغرب
- حركة الحريات المدنية والديمقراطية – حق، البحرين
- المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، غزة، فلسطين
- مرصد التنمية الإنسانية والبيئية، الأردن
- الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، تونس
Share this Post