اختلف مثقفون ونشطاء وسياسيون حول الدعوة لإنشاء كيانات عمالية وطلابية وسياسية موازية للكيانات والتنظيمات الرسمية القائمة بالفعل في ظل ما شهده تكوين هذه الأخيرة وانتخاباتها مما اعتبرته قوى المعارضة المختلفة تدخلا حكوميا سافرا ، وصل إلى حد الاعتداء بالضرب والأسلحة البيضاء على طلاب الجامعة الذين شكلوا اتحادا حرا لهم ، إلى جانب شطب واستبعاد الآلاف من العمال الذين سعوا إلى الترشح في الانتخابات العمالية الأخيرة. جاء ذلك في إطار نقاش ساخن شهده صالون ابن رشد بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في 26 نوفمبر2006، في ندوة بعنوان: “الكيانات الموازية خطوة نحو الفوضى أم الديمقراطية؟!”
بدأ الدكتور محمد البلتاجي عضو مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين، حديثه بالإشارة إلى أن جماعته ضد حالة الفوضى وتقدر مؤسسات الدولة القائمة وتحرص على تقويتها إلى جانب تقوية كل آليات الديمقراطية التي اعتمدتها الجماعة في مفهوم الدولة المدنية دون حساسية من أنها صاحبة مشروع إسلامي.
استطرد البلتاجي موضحا أن النظر إلي المناخ الطلابي والعمالي خلال الخمسة عشر عاما الماضية يوضح كيف أنه تم شل كل آليات الحراك داخلهما ، حيث أصبح لدى النظام الحاكم حساسية تجاه أية حالة انتخابية، ويعتبرها كشفا لإفلاس آلياته ويتعامل معها إما بالتأجيل كما في الانتخابات المحلية ، أو بالتزوير واللجوء لأساليب البلطجة كما في الانتخابات العامة والطلابية والعمالية ، وقال البلتاجي: نحن ندعم كل آليات ووسائل الديمقراطية ونرضى بها حكما من خلال تفعيل حقيقي وإصرار علي نيل الحقوق وليس الرضا بالأمر الواقع.
ولفت إلي وجود فوارق بين الحالة الطلابية وغيرها من الحالات النقابية الأخرى ، حيث الأولي تسمح بحراك داخلي ورغم أنها نشاط طلابي، إلا أنها أصبحت تصيب النظام بحساسية شديدة ، فلجأ إلي المصادرة وشطب الطلاب المرشحين واعتقال بعضهم.
وقال البلتاجي إن نتائج الانتخابات الطلابية في الجامعات أعلنها رؤساء هذه الجامعات في وقت واحد ، وقام البعض بحجب النتائج وتعيين طلاب في الاتحاد الرسمي رغم أنهم لم يرشحوا أنفسهم من الأساس في الانتخابات ، في حين كان الآلاف يتظاهرون لأنه لم يقبل ترشيحهم.
أكد البلتاجي إن الهيكل الادارى للدولة أصبح يتدخل في منافسة حزبية وأصبح رؤساء الجامعات يتحركون بتعليمات من أجهزة الأمن حيث يعتبر الحزب الوطني الجامعة جزءا من منظومته الحزبية ، متهما الحزب الحاكم بأنه يسعي إلي تغييب المشاركة وإخراج أجيال ضعيفة الانتماء وتخشي من المشاركة في الشأن العام ،موضحا أن هناك فارق بين وجود تنظيمات وكيانات حزبية وسياسية داخل الجامعة وبين إتاحة الفرصة للطلاب للمشاركة وحرية التعبير والفكر.
وقال البلتاجي أن الجامعة تحت الاحتلال البريطاني كانت تضم تحت سقفها طلابا ينتمون لمختلف التيارات السياسية الموجودة في المجتمع ، وكان هناك فرصة للنقاش والتنافس الحر وتداول الآراء ، وانتقد البلتاجي الإنفاق الحكومي المبالغ فيه علي أنشطة غير مهمة في بعض الجامعات في الوقت الذي لا تجد فيه جامعات أخرى أموالا لتسيير العملية التعليمية بتا وإنجاحها وقال إن وزير التعليم الحالي يحقق ما سبق أن صرح به من أنه سوف يسحب البساط من قوى سياسية داخل الجامعة من خلال آخرين ،ولم يكن هؤلاء الآخرون طلاب الحزب الوطني أو جمعية المستقبل ولكن عناصر بلطجية تقتحم جامعة عين شمس وتعتدي على طلابها.
وبدأ كمال عباس مدير دار الخدمات النقابية والعمالية بحلوان حديثه بالتأكيد علي الحاجة للكيانات الموازية في مصر، مختلفا مع البلتاجي في التأكيد علي أن هذه الكيانات تمتلك مقومات التواجد والنجاح في الحركة النقابية أكثر من أي مجال آخر.
أشار عباس إلى أن فكرة التعددية النقابية ليست جديدة في مصر وليست مطروحة بمناسبة تزوير الانتخابات الأخيرة التي تعد “اسوأانتخابات ” عمالية في التاريخ المصري علي الإطلاق ، حيث التدخل الأمني الواضح والشطب والاستبعاد والاعتقال لمئات المرشحين بصرف النظر عن انتمائهم السياسي ، وقال إن فكرة التعددية النقابية مطروحة دائما بمناسبة مصادرة التنظيم النقابي وسيطرة الحكومة عليه وإخضاعه بالكامل لسلطتها منذ عام 1952، مبينًا أن التعددية النقابية كانت موجودة في مصر قبل عام 52 ، وكان هناك تنافس لصالح تحسين أوضاع العمال ثم جرى بعد ذلك مصادرة كل الحريات تحت المشروع الناصري وتم الزج بالقيادات النقابية في السجون.
أرجع عباس أسباب التفكير في التنظيم العمالي البديل إلي وجود قيادات يسارية تؤمن بأهمية وجود تنظيم ديمقراطي والتمتع بحقوق الإضراب والاعتصام وذلك منذ السبعينات ، في حين كان التنظيم العمالي الرسمي ضد هذه المطالب والتحركات حيث تمت الإضرابات والاعتصام المعروفة منذ تلك الفترة من خارج التنظيم النقابي ،مثل إضراب سائقي المترو عام 1986 والذي قاده رابطة سائقي المترو ، وكذلك إضراب عمال كفر الدوار عام ،1994 ومصنع الحديد والصلب الذي واجهته الدولة ب 15 إلفا من جنود الأمن المركزي ، ولفت عباس إلى أن اتحاد العمال هو التنظيم العمالي الوحيد الذي أيد الخصخصة وطرد العمال.
أضاف عباس أنه نتيجة سياسات الخصخصة وسياسات السوق الحر أصبح معظم عمال مصر يعملون في القطاع الخاص ،وهؤلاء ليس لديهم نقابات مؤكدا علي أن الأصل في المنظمات الجماهيرية هو التعدد وهو أمر لا يهدد استقرار البلاد وموجود في كل دول العالم ولم يتم اختراع الدعوة إليه في مصر، موضحًا أيضًا أن منع التعدد النقابي في مصر يتعارض مع اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر بشأن الحق في التنظيم ،كما أن المحكمة الدستورية العليا أعطت العمال حق إنشاء التنظيمات النقابية.
ولفت عباس إلي أن التنظيم النقابي الحالي موجود فيه من كانوا من قبل في الاتحاد القومي الاشتراكي وانضموا بعده إلي حزب مصر ثم الحزب الوطني ، واصفا الاتحاد العام لعمال مصر بأنه لا يعبر عن العمال ويتصدى لتحركاتهم للحصول على حقوقهم في الإضراب والاعتصام.
وأوضح أن الكيان العمالي البديل يمكن أن يبقي إذا توافرت له عدة شروط أولها اليتم طرحه في السباق السياسي وإنما أن ينبع من العمال وأساسا من عمال القطاع الخاص، والنشاط الصناعي الذي يعمل بت 400 إلف عامل هم من تبقوا من سياسات الخصخصة والمعاش المبكر ، إلى جانب أن يقوم هذا الكيان باختيار ديمقراطية مطالبا بأن يعود التنظيم النقابي إلي سيرته الأولي قبل عام 52 في الدفاع عن حقوق العمال.
من ناحيته أكد الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، علي أن فكرة التعددية السياسية والمنظمات الجماهيرية تفترض بداية وجود انتخابات حرة ونزيهة ، مشيرا إلي أنه لا يوجد تعبير أصيل عن إرادة الناس إلى جانب أن هناك تزوير منهجي للانتخابات.
وقال سعيد إن شعار الكيانات الموازية المطروح يمثل شكلا من أشكال الاحتجاج والبحث عن بدائل في ظروف تزوير منهجي، وهو أمر يختلف عن التعددية النقابية، مؤكدا على أن اختفاء ظاهرة التعددية نقابية في مصر يرجع لأنه لا توجد نقابات أصيلة من الأساس.
وأوضح سعيد أن طرح شعار الكيانات الموازية يأتي في سياق اجتماعي بالغ الصعوبة تمر به مصر ، حيث تعانى البلاد من إشكالية فريدة تتمثل في أن جميع المؤسسات التحتية الكبرى للمجتمع تتحلل وتتصدع بشكل هائل.
وأضاف سعيد أنه ليس ضد شعار التعددية النقابية ، وأنه ستأتي لحظة ربما نكون مضطرين للدعوة له، لكنه أشار إلي أن الشعار الأساسي الذي يجب طرحه هو دعوة الشعب للحضور وتأكيد هذا الحضور أولا بعد أن صار الشعب منصرفا أو تم صرفه ،إلي جانب العمل علي تحرير الناس من ثقافة الخوف.
وقال عصام سلطان المحامي والقيادي بحزب الوسط، أن مصر بصدد تحول شامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، معتبرا أن المستقبل سيكون أصعب وأخطر ،ما لم نتصور مستقبلا نصنعه بأيدينا ولا يصنعه الآخرون ، ووصف سلطان الكيانات البديلة بأنها فكرة عبقرية، في ظل حالة من الإغلاق السياسي والقانوني والواقعي في المجتمع.
ورأى سلطان أن فكرة الكيانات الموازية تأتي متأخرة عن المجتمع الذي يعيش بالفعل كيانا بديلا للدولة في مختلف المواقع والأماكن.
وقال سلطان إن الحكومة معينة بقرار جمهوري لكن من يدير السياسة كيانات أخري غيرها ، كما أن المجتمع أصبحت تحكمه قوانين بديلة مختلفة ، وأشار إلي أنه ليس من اللازم أن تسير المجتمعات وفق مصطلحات العلوم السياسية مشددا علي ضرورة وجود حل مصري لما يمر به المجتمع المصري واستلهام التجربة الماليزية في ذلك الشأن.
من جهته رأى بهي الدين حسن مدير المركز، أن البلطجة من الممكن أن تكون نوعا آخر من الكيانات الموازية ، وتساءل عما يمكن أن تشهده المرحلة القادمة من كيانات أخرى موازية وما الذي تفكر فيه جماعة الإخوان المسلمين في مستقبل تطور هذا النوع من الكيانات ؟.
وفي تعقيبات الحضور اعترض صابر أبو الفتوح عضو مجلس الشعب عن جماعة الإخوان المسلمين علي تسمية النقابات الموازية ، وقال إن الأصل في النقابات هو الاستقلالية في حين أن التنظيم الحالي – العمالي – يفتقد المصداقية والاستقلالية ، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان تقدم منها 1400 مرشح في الانتخابات العمالية الأخيرة واستطاع 1200 فقط منهم استخراج أوراق الترشيح فيما تم شطب 850 من هؤلاء الـ 1200 وأن البعض قام بإرسال أوراق ترشيحه علي يد محضر فتم القبض علي هذا المحضر!!
وأيد محمد عمر – عامل – تأييده لإنشاء اتحادات نقابات بديلة بشرط ألا يتم ذلك علي أرضية دينية أو حزبية ،وقالت الناشطة رحمة رفعت أنه لا يوجد في العالم كله قانون للنقابات العمالية كما هو الحال في مصر ، فيما أشار عمرو حامد أمين اتحاد الطلاب الحر إلي أن دور الاتحاد الحر هو الضغط لإسقاط شرعية الكيان الرسمي الموجود ، موضحا أن الاتحاد الحر لا يعرف حتي الآن كيف يمكن تمويل الدور الخدمي الذي ينتظره منه الطلاب ، وقال عمرو صلاح الدين الطالب بطب عين شمس أن الدافع لتكوين الاتحاد الحر هو مواجهة التعسف والشطب الذي واجهه الطلاب الراغبون في ترشيح أنفسهم بالانتخابات الطلابية ، مشيرا إلي أن الطلاب لجئوا بالفعل إلي القضاء لكنهم وجدوا أنه طريق بطيء.