يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه العميق إزاء الارتفاع الحاد في أعداد القتلى بين صفوف المدنيين في كلٍ من إسرائيل وفلسطين، فضلًا عن التحذير الأخير الذي أصدرته إسرائيل لسكان شمال وادي غزة (حوالي 1.1 مليون شخصًا) للانتقال إلى جنوب قطاع غزة، وما يمثله من خطر قد يصل حد جريمة الترحيل والنقل القسري للسكان الفلسطينيين، إضافة إلى خطر المجاعة والوفيات الجماعية بين السكان المدنيين في قطاع غزة، نتيجة نقص الغذاء والوقود والدواء جراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. كما يدين المركز، في الوقت نفسه، احتجاز حماس لرهائن إسرائيليين وأجانب، فيما يعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، ويدعو لسرعة إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط.
شرعت السلطات الإسرائيلية في حملة انتقامية بحق الفلسطينيين أعقاب الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر الجاري، وأسفر عن مقتل 1200 شخصًا، بينهم مدنيون. إذ فرضت السلطات الإسرائيلية حصارًا شاملًا على غزة، ومنعت مرور البضائع، وقطعت المياه والكهرباء عن القطاع، وقصفت بشكل عشوائي أحياء بأكملها. وقد أدت هذه الهجمات حتى الآن إلى مقتل أكثر من 1700 فلسطينيًا، بينهم مدنيين و326 طفلًا، وفقًا للأمم المتحدة. فضلًا عن أدلة تفيد باستخدام قوات الدفاع الإسرائيلية للفوسفور الأبيض، وهو سلاح شديد الإحراق، في مناطق مكتظة بالسكان؛ مما أدى لتفاقم المخاطر التي يتعرض لها المدنيون.
تشكل هذه الإجراءات تصعيدًا غير مسبوق لسياسات العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين، والتي ظلت لفترة طويلة جزءً من العقيدة العسكرية الإسرائيلية. فهذا الفرض المتعمد للتجويع كأسلوب حرب، فضلًا عن القصف المكثف والعشوائي للمناطق السكنية، وأمر الإخلاء الصادر مؤخرًا وما يسفر عنه من ترحيل قسري لنصف السكان لجزء آخر من قطاع غزة خلال 24 ساعة؛ تشكل جميعها جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي.
وفي هذا السياق، يجدد مركز القاهرة دعوته للمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الأعمال العدائية، وتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين في غزة. فضلًا عن مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بسرعة التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة منذ 7 أكتوبر من جميع الأطراف. كما يطالب المركز بـ «إنشاء ممرات إنسانية آمنة تسمح للمرضى والجرحى بمغادرة غزة والعودة لها بمجرد توقف الأعمال العدائية»، ويشدد على المسئولية الأخلاقية والسياسية للدول العربية لدفع جميع الأطراف الدولية لهذا المسار. ويؤكد مركز القاهرة مجددًا على أن دورة العنف الأخيرة والأكثر دموية منذ عقود؛ متجذرة بعمق في سياسة الفصل العنصري التي تنفذها إسرائيل، واحتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية منذ ٥٦ عامًا، وهو ما يجب أن ينتهي تجنبًا لإراقة المزيد من الدماء.
كما ينبغي على جميع الأطراف المعنية الالتزام الصارم بالقانون الدولي، الذي يوجب احترام وحماية المدنيين، ويحظر الاستهداف المتعمد لهم. إن الضوء الأخضر الذي أعطته في البداية بعض الجهات والدول لإسرائيل للدفاع عن نفسها، دون التذكير بالحاجة إلى ضبط النفس أو الالتزام بمبادئ القانون الدولي، لم يعرض المدنيين الفلسطينيين لخطر المجاعة والتشريد والانتهاكات الجسيمة فحسب، بل عصف تمامًا بالمعايير الدولية على نحو قد يؤدي إلى تقويض خطير للالتزام بحقوق الإنسان في المستقبل، سواء في المنطقة العربية أو على المستوى الدولي.
في 9 أكتوبر، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنه أمر بفرض «حصار كامل على قطاع غزة. لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق». وتابع: «نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس». وفي 12 أكتوبر، كرر وزير الطاقة الإسرائيلي على مواقع التواصل الاجتماعي قرار فرض الحصار الكامل «حتى عودة المختطفين الإسرائيليين إلى ديارهم». ووفقًا لتقارير، أدى هذا الحصار إلى وقف تشغيل خط الطاقة الوحيد في غزة، والاعتماد على المولدات التي تغذي المستشفيات حتى نفاد الوقود. ووفقًا لتقرير الأونروا، فإن «أزمة مياه تلوح في الأفق في ملاجئ الطوارئ التابعة للأونروا وفي جميع أنحاء قطاع غزة بسبب البنية التحتية المتضررة، ونقص الكهرباء اللازمة لتشغيل المضخات ومحطات تحلية المياه، ومحدودية إمدادات المياه في السوق المحلية». وبينما تعهدت مصر في 12 أكتوبر بإيصال المساعدات الإنسانية لغزة عبر معبر رفح، تسبب قصف إسرائيل للمعبر من الجانب الفلسطيني في عرقلة وصول هذه المساعدات حتى الآن.
أعلنت السلطات الإسرائيلية قطاع غزة بأكمله، والذي يسكنه أكثر من مليوني شخص بينهم أكثر من مليون طفل، منطقة حرب. وفرضت حصار كامل عليه. وكأنها بذلك أعلنت فعليًا أمام العالم أجمع أنها تتعمد ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق سكانه. هذا الإعلان الجديد يمثل نقطة تحول فارقة في القمع المتعمد والوقح بحق الفلسطينيين؛ رغم ما لإسرائيل من تاريخ طويل من التجاهل التام للقانون الدولي، بدءً من عدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تقضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وحتى القصف العشوائي للمدنيين، بما في ذلك الهجمات السابقة على غزة.
بموجب القانون الدولي، يعد الإبعاد أو النقل القسري للسكان والذي يُعرف بأنه: «تهجير قسري للأشخاص المعنيين بالطرد أو غيره من الإجراءات القسرية من المنطقة التي يتواجدون فيها بشكل قانوني، دون أسباب يسمح بها القانون الدولي»؛ جريمة ضد الإنسانية. كما يمثل الاستخدام المتعمد لـ «تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب من خلال حرمانهم من الاحتياجات التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة إمدادات الإغاثة»، جريمة حرب. والجريمتان ضمن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
Share this Post