في خضم العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة الآن في رفح، والتي اندلعت أمس 12 فبراير، وتسببت في نزيف دموي جديد، أودى بحياة أكثر من 100 شخص، وفقًا لتقارير إعلامية؛ يكرر مركز القاهرة دعوته، بضمان تأمين وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار في غزة، قبلما يتسع أكثر نطاق الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، ويسقط المزيد من الضحايا المدنيين. ويشدد المركز على ضرورة أن يصاحب ذلك تحرير لجميع الرهائن المدنيين. كما يذكّر المركز المجتمع الدولي بالتزاماته بمنع الإبادة الجماعية، وحماية الشعب الفلسطيني من المزيد من الهجمات العشوائية والتهجير القسري، وذلك عبر دعم وقف فوري لإطلاق النار، وتعليق كل أشكال الدعم العسكري لإسرائيل، بما في ذلك تصدير الأسلحة.
تقول آمنة القلالي، مديرة وحدة البحوث بمركز القاهرة: “إن تنفيذ عملية عسكرية في منطقة مكتظة بالسكان، تم تعينها سابقًا كمنطقة آمنة، يحتمي بها أكثر من مليون شخص في ظروف مروعة، يعد تصعيدًا غادرًا، لا يكترث بحياة المدنيين الفلسطينيين، ويبرهن على استمرار عصف إسرائيل بالقانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية، والإفلات من العقاب الذي تحظى به.”
في 9 فبراير 2024، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوات الدفاع الإسرائيلية والأجهزة الأمنية بتقديم خطة إخلاء رفح لمجلس الوزراء، كمقدمة لاجتياح بري للمنطقة. مشيرًا إلى أن حتمية تدمير كتائب حماس في رفح، لبلوغ هدف الحرب “المتمثل في القضاء على حماس.” هذه الخطة لم تتضمن أية إشارة إلى أماكن لإجلاء المدنيين أو طرق لحمايتهم، بينما ادعى نتنياهو أنه سيتم توفير “ممر آمن للمدنيين” دون تفاصيل.
أعطت إسرائيل للفلسطينيين في غزة إنذارات متعددة للانتقال من شمال غزة لجنوبها، ثم عادت وهاجمت الأماكن التي أعلنت أنها “مناطق آمنة.” الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى الجزم بأنه “لا يوجد مكان آمن في غزة.” وفي 12 فبراير 2024، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية والهجمات البحرية على رفح، ضمن مهمة إنقاذ رهينتين إسرائيليين-أرجنتينيين. وقد أسفرت هذه الغارات عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخص.
وتضيف القلالي: “خلال الأشهر الأربعة الماضية، قتلت إسرائيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وشردت الآلاف وهجرتهم قسرًا أكثر من مرة. دمرت المنازل والمدن، ودكت كل مقومات الحياة على هذه الأرض في المستقبل، ومحت معظم معالم حضارتها وآثارها، وتعمدت استهداف الجامعات وأماكن العبادة والمواقع الثقافية.”
تضم رفح، المنطقة الواقعة في أقصى جنوب غزة، ما يقرب من مليون ونصف مليون فلسطيني نازح؛ فروا لهذه المنطقة بعد إعلانها “منطقة آمنة”. إذ أجبرت إسرائيل، في 12 أكتوبر 2023، ما يقرب من مليون ومئة ألف فلسطيني في شمال غزة على الانتقال قسرًا للجنوب في غضون ـ24 ساعة فقط. بل وهاجمت بعض المدنيين الذين استجابوا للتحذير أثناء عبورهم للجنوب. وقد أدان خبراء الأمم المتحدة أمر الإجلاء باعتباره عملاً من أعمال النقل القسري للسكان، يشكل جريمة ضد الإنسانية وانتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي.
في 24 يناير 2024، أقرت محكمة العدل الدولية 6 تدابير مؤقتة لحماية المدنيين من جريمة الإبادة الجماعية في غزة. وذلك في قضية رفعتها جنوب إفريقيا تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية. إذ وجدت المحكمة أن الاتهام معقول وجدير بالتصديق. ومن ثم أمرت المحكمة إسرائيل بالامتناع عن الأعمال المحظورة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، ومنع التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية والمعاقبة عليه، واتخاذ تدابير فورية وفعالة لضمان تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة.
منذ 7 أكتوبر 2023، تتوالى هجمات إسرائيل العشوائية وغير المتناسبة بحق السكان المدنيين في غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 28,340 فلسطينياً بين 7 أكتوبر 2023 و12 فبراير 2024، وإصابة 67,984 آخرين، بينهم ما لا يقل عن 12,300 طفلاً. أدت هذه الهجمات الوحشية إلى تفاقم الوضع الإنساني، نتيجة غياب المأوى، ونقص المياه النظيفة والغذاء والدواء وتعذر الرعاية الصحية. الأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى وصف غزة في تصريحات متعددة بأنها “مقبرة للأطفال” و”أسوأ كارثة إنسانية “، بينما وصفت رفح بأنها “ طنجرة ضغط محشوة باليأس”. كما حذرت الأمم المتحدة من أن مئات الآلاف من المدنيين النازحين إلى رفح ينامون في العراء بملابس أو أغطية غير كافية للحماية من البرد.
ينبغي أن يمتثل المجتمع الدولي لالتزامه بمنع الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، ووقف كل أشكال دعمها، على النحو الذي بادرت به محكمة هولندية في 12 فبراير 2024، فأمرت الحكومة الهولندية بمنع جميع صادرات قطع غيار الطائرات المقاتلة من طراز F-35 إلى إسرائيل، بسبب “الخطر الحقيقي” المتمثل في استخدامها في انتهاكات للقانون الدولي في غزة. هذا القرار، الذي لا يزال من الممكن استئنافه، يمثل أحد الاستجابات العديدة المطلوبة، التي تدعم الالتزام الدولي بمنع الإبادة الجماعية، أو على الأقل، إعفاء الدول من التواطؤ في ارتكابها.
Share this Post