عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 2 أبريل 2024، ندوة نقاشية ضمن فعاليات صالون ابن رشد الشهري، تحت عنوان «الكارثة المنسية: هل من مخرج للاقتتال الداخلي في السودان؟» استضاف فيها السياسي السوداني ياسر عرمان رئيس الحركة الشعبية للتيار الثوري الديمقراطي، والناشط الحقوقي السوداني مجدي النعيم أمين عام المرصد السوداني لحقوق الإنسان، فيما أدار النقاش الحقوقي التونسي مسعود رمضاني. وتناول اللقاء أبعاد الكارثة المتصاعدة في السودان وآفاق العودة للحكم المدني. طارحًا الأسئلة بشأن التحديات المرعبة التي يجابهها الشعب السوداني اليوم، وأسباب فشل النخبة السياسية في التعامل مع الأزمة، وأثر التدخلات الإقليمية والدولية في تأجيج الصراع في السودان.
في البداية سلط مجدي النعيم الضوء على الوقائع المفزعة التي يعانيها الشعب السوداني في الوقت الحالي نتيجة النزاع المتواصل، مشيرًا إلى أن: «معظم أنحاء السودان تعد مسرحًا للانتهاكات اليومية»، وأن منطقة الجزيرة في وسط السودان هي الأكثر «سخونة» في الوقت الحالي، لا سيما أنها من أكثر المناطق تكدسًا بالسكان، وتضم أكثر من 2000 قرية ومدينة. وبحسب النعيم، شهدت المنطقة انتهاكات مروعة منذ اجتياح قوات الدعم السريع لها والاستيلاء عليها منتصف ديسمبر 2023، بما في ذلك تفشي أعمال السلب والنهب وتصاعد حالات القتل، والتهجير القسري للسكان. أما في دارفور، فيعد القصف الجوي أبرز مسببات الخسائر في الأرواح والبنية التحتية، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية، وبحسب النعيم شهدت غرب دارفور جرائم تصل حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. هذه الانتهاكات المروعة أسفرت عن أكبر موجة نزوح عرفتها المنطقة كما وصفها السياسي السوداني ياسر عرمان، مقدرًا أعداد النازحين من السودان مؤخرًا بـ 11 مليون نازح، فضلًا عن خطر المجاعة الذي يلوح في الأفق ويدفع بالسكان أكثر نحو النزوح والهجرة. وبحسب عرمان شهدت مدينة الخرطوم موجة نزوح قلصت عدد سكانها من 8 مليون مواطن إلى مليون ونصف مليون شخص حاليًا على أقصى تقدير. هذا إلى جانب أعمال النهب واسعة النطاق للأحياء المدنية ومراكز الدولة، وانهيار الخدمات الصحية، ومرافق العدالة.
وفي هذا السياق أشار عرمان لوجود محاولات مستمرة من جانب القوى الديمقراطية وقوى الثورة لخلق جبهة معادية للحرب، لكنه حذر في الوقت نفسه من التناقضات والانقسامات بين قوى الثورة حول سبل تفاصيل هذا الصراع. معتبرًا أن القضية الرئيسية تتمثل في كيفية خلق علاقة بين وقف الحرب وفي الوقت نفسه استكمال ثورة ديسمبر. مضيفًا «بدون سيطرة الدولة على العنف من خلال وجود جيش وطني مهني غير مسيس، ويعكس التنوع في السودان، لن نتمكن من الوصول للتنمية أو الديمقراطية أو المواطنة». أما النعيم فأكد على أن «قرار وقف الحرب في يد من يمارسون القتال» وهم حسب وصفه ورثة بيروقراطية النظام السابق بشقيه المدني والعسكري. المدني يتمثل في الإسلاميين أو من اختطفوا ما تبقى من الحركة الإسلامية، بينما يتمثل الشق العسكري في قيادة الجيش. هذه البيروقراطية تمتلك قرار وقف الحرب، ومن ثم تمتلك الجزء الأكبر من صناعة خريطة المستقبل، وللأسف هذا هو المأزق. الذي يحتاج لحلول مبتكرة وإبداعية من جميع القوى السياسية السودانية.
من جانبه أِشار عرمان أن إرادة جبهات القتال وحدها لا تستطيع وقف الحرب، فثمة احتياج لتلاقي ثلاث إرادات مجتمعة؛ الإرادة الوطنية، والإرادة الإقليمية والإرادة الدولية، إذ لا يمكن وقف الحرب في السودان دون تجفيف منابع الدعم الإقليمي والدولي لطرفي النزاع في السودان ووقف تمويل الحرب. وفي هذا الإطار شدد النعيم على انخراط العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في هذه الحرب، مشيرًا لأن «قوات الدعم السريع تتلقى مساعدات وإمدادات عسكرية وغير عسكرية من الإمارات»، فضلًا عن الإمدادات العسكرية من ليبيا بتنسيق ورضا الحكومة الروسية. بينما في المقابل تمارس الحكومة «نوعًا من الألاعيب السياسية والأمنية المعقدة من خلال التقارب مع إيران، والذي يتضح في الأسلحة الإيرانية التي أثرت على موازين القوى على الأرض» بحسب تعبيره. كما أن بعض المليشيات المقاتلة في السودان تدربت في دول الجوار، وبعضها ينتمي أصلا لدول مجاورة. هذا بالإضافة لتقارير ما زالت تفتقر للأدلة الكافية حول دور مصري ودور أوكراني في الصراع في السودان.
هذا التدخل الإقليمي والدولي، لن يوقفه قرار مجلس الأمن رقم 2724، رغم ما يبدو أنه محاولة لبلورة إرادة دولية وإقليمية وقرار بوقف الحرب في السودان؛ لكن القرار ينقصه آليات للتنفيذ على أرض الواقع، حسب عرمان. كما أنه وكما وصفه النعيم قرار ضعيف صادر نتيجة امتناع إحدى الدول صاحبة الفيتو، بينما القرار القوي لا بد أن يأتي بإجماع الدول التي تمتلك حق الفيتو، ينحاز لمصلحة السودانيين ويوقف الحرب، ويعاقب كل منتهك أو معتدي، وهذا يعد أمرًا مستحيلًا في الوقت الراهن أو المستقبل المنظور» حسب النعيم.
شاهدوا التسجيل الكامل للندوة هنا:
Share this Post