لقي ما لا يقل عن 12 شخصًا، من بينهم طفلين، مصرعهم جراء الهجوم عن بُعد، الذي وقع أمس الثلاثاء في مختلف أنحاء لبنان وأجزاء من سوريا، من خلال (أجهزة الاستدعاء) التي قيل أن حزب الله يستخدمها، فضلًا عن إصابة نحو 2800 شخص، 10% منهم في حالة حرجة. وفي مساء اليوم، وقعت انفجارات أخرى متفرقة في مختلف أنحاء لبنان، نتيجة تفجير أجهزة إلكترونية عن بُعد، بما في ذلك أجهزة اتصال لاسلكية ومعدات شمسية، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 300 آخرين في غضون ساعات قليلة.
يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن بالغ إدانته لهذه الهجمات المستمرة غير القانونية، وأثرها الخطير على لبنان الذي يعاني تحت وطأة ضائقة اقتصادية ومأزق سياسي. فضلًا عما تسببت فيه من مضاعفة للضغط على مستشفيات جنوب لبنان التي تجاوزت بالفعل طاقتها الاستيعابية. ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسئوليتها عن هذه الهجمات، إلا أن حزب الله والحكومة اللبنانية، إضافة لوسائل إعلام إسرائيلية، قد نسبتها لإسرائيل.
تقول آمنة القلالي، مديرة الأبحاث بمركز القاهرة: «هذه الهجمات الإسرائيلية عن بُعد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا، والتي تستهدف على الأرجح جماعات تابعة لحزب الله، لا تعد فقط انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وإنما تصعيد مقلق للغاية، يوسع من نطاق هذا الصراع. هذه الهجمات العشوائية، التي تشكل سابقة بالغة الخطورة، أظهرت مرة أخرى مدى استخفاف إسرائيل المؤسف بأرواح المدنيين، وينبغي المساءلة عنها».
تأتي هذه الهجمات بعد سلسلة من عمليات القتل التي استهدفت بها إسرائيل الجماعات المسلحة بعيدًا عن ساحة المعركة، من ضواحي بيروت إلى إيران. ففي مطلع هذا العام، استهدفت إسرائيل نائب رئيس جماعة حماس في غارة بطائرة بدون طيار بالقرب من بيروت. ومؤخرًا، في 30 يوليو الماضي، شنت إسرائيل غارة جوية بالقرب من بيروت، استهدفت بها أحد كبار قادة حزب الله، مما أسفر عن مقتل طفلين وامرأة على الأقل، وإصابة 74 شخصًا. وبعد ساعات، نفذت إسرائيل عملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران.
وفقًا لعدد من الباحثين، إسرائيل وحزب الله في نزاع مسلح غير دولي، بالتوازي مع نزاع مسلح دولي مع لبنان. وإذا افترضنا أن هؤلاء الأفراد المستهدفة في هذه الهجمات في لبنان وسوريا، أهدافًا عسكرية مشروعة، تبقى إسرائيل ملزمة قانونًا بالامتناع عن استخدام القوة غير المتناسبة أو العشوائية بحق المدنيين. ووفقًا لقواعد القانون الإنساني الدولي، المُلزم لجميع الدول، يكون استخدام القوة عشوائيًا؛ إذ كانت وسيلة الهجوم أو السلاح المستخدم غير قادر على التمييز بشكل واضح بين المدنيين وبين المستهدفين المشاركين في الأعمال العدائية. كما كان يتعين على إسرائيل، وفقًا للقانون، اتخاذ تدابير احترازية لتجنب أو تقليل الآثار العرضية لهذه الهجمات، وضمان عدم توسيع الاستهداف أبعد من الأهداف المشروعة. إذ تعرف إسرائيل أن تفجير أجهزة استدعاء الأفراد خارج ساحة المعركة، من شأنه أن يتسبب في مقتل وإصابة المدنيين المتواجدين في المحيط نفسه. لكن إسرائيل لم تتخذ أي تدابير احترازية لتجنب أو تقليل وفيات وإصابات المدنيين الأبرياء، بمن فيهم الأطفال. ومن ثم، فاستهداف مئات الأشخاص المنتشرين في مختلف أنحاء لبنان وسوريا عن بُعد، هو استخدام عشوائي واضح للقوة، يفتقر لأي ضمانات بأن تبقى آثاره قاصرة على الأهداف والغايات العسكرية.
هذا التصعيد الإسرائيلي في لبنان يوسع دائرة الصراع إقليميًا، بما يترتب على ذلك من تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، قد تعصف باستقرار المنطقة ككل. ناهيك عن استهانة إسرائيل بالمعايير الإنسانية وحياة المدنيين، سواء في فلسطين أو إسرائيل أو لبنان وفي كل مكان آخر.
أن اعتماد وقف فوري ودائم لإطلاق النار، هو الخيار الأضمن الآن لمنع وقوع المزيد من الخسائر بين أرواح الأبرياء. لا بد من وقف الأعمال القتالية الجارية في فلسطين ولبنان على وجه السرعة، وبذل جهود دولية أقوى لفرض وقف فعلي لإطلاق النار. كما يجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل، من خلال تعليق عمليات التجارة الثنائية، وعمليات نقل الأسلحة التي قد تُستخدم في جرائم دولية، وفتح تحقيق مستقل وفعال يضمن مساءلة جميع أطراف النزاع. وينبغي على المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لدعوة المدعي العام، إصدار مذكرات الاعتقال المنتظرة ضد المسئولين الإسرائيليين وقادة حماس، كخطوة أولى نحو ضمان المساءلة.
Share this Post