يحذر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان من الارتفاع الحاد في عدد القتلى المدنيين في لبنان اليوم، جراء القصف الإسرائيلي المكثف للمناطق السكنية في مختلف أنحاء البلاد، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة لوقف فوري لإطلاق النار، كسبيل وحيد لإنهاء عام من الدمار وإراقة الدماء، دمر المنطقة بالكامل. كما يستنكر المركز خطاب المسئولين الإسرائيليين التحريضي، والذي يعزز احتمالات الدمار واسع النطاق في لبنان بما يتجاوز الأهداف العسكرية المشروعة وفقًا للقانون، محذرًا من أن بدء الهجوم البري للبنان صباح اليوم 1 أكتوبر ينبأ بمزيد من الفظائع المروعة، لا سيما في ظل استمرار تجاهل إسرائيل واجبها في حماية المدنيين.
في 23 سبتمبر الماضي، بدأت إسرائيل ما أسمته «عملية السهام الشمالية» مستهدفًة معاقل حزب الله في الجنوب. وفي ذلك اليوم وحده، قُتل ما لا يقل عن 558 شخصًا، بينهم 50 طفلًا و94 امرأة، وأصيب أكثر من 1800 آخرين بسبب الضربات الإسرائيلية، وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية. وفي الأيام التالية، ارتفعت أعداد القتلى والمصابين، حتى وصلت في 28 سبتمبر حسب التقارير، إلى 783 قتيل، وأكثر من 2300 مصاب. الأمر الذي يُعني أنه في أسبوع واحد فقط، اقترب عدد القتلى جراء القصف الجوي من نصف عدد ضحايا حرب 2006 بين إسرائيل ولبنان. هذه الغارات الجوية أسفرت أيضًا عن مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، وعدد من قادة الحزب العسكريين. وفي 1 أكتوبر، بدأت إسرائيل هجومًا بريًا على لبنان.
يعود ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين؛ إلى استهداف القصف الإسرائيلي للأحياء السكنية المكتظة بالسكان، بينما يحظر القانون الإنساني الدولي مهاجمة أي أهداف سوى الأهداف العسكرية المشروعة، ويُلزم باتخاذ جميع الخطوات لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين. ومن المرجح جدًا أن يتنامى استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق السكنية خلال الأيام القادمة، ويصل حد الهجوم العشوائي، بالمخالفة للقانون الدولي، على نحو يلحق ضررًا جسيمًا وغير متناسب بالمدنيين. وبالمثل يعد إطلاق حزب الله العشوائي للصواريخ على إسرائيل انتهاكًا لقواعد الحرب.
تقول آمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة: «لا يزال المجتمع الدولي غير فاعل بينما تواصل إسرائيل حملتها المدمرة في المنطقة، والتي تسببت في إزهاق عدد لا يحصى من الأرواح، وخلّفت أنهارًا من الدماء والأنقاض. لقد حان الوقت لوقف هذه المذبحة ووضع حد لتصعيد العنف، وإلا ستعصف الفوضى بالمنطقة بأكملها». وتضيف القلالي: «هذه الهجمات الأخيرة تستهدف بلدًا يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية حادة، وانهيار نظام الصحة والضمان الاجتماعي، مما سيدفع به لحافة الانهيار… لقد حان الوقت لإنهاء معاناة لبنان، ليس فقط من خلال وقف الهجوم العسكري، ولكن أيضًا عبر حل الجمود السياسي الذي أضعف لبنان ووضع شعبه في محنة».
النزوح الداخلي وأزمة اللاجئين
يؤدي الوضع الراهن إلى تفاقم الأزمة المستمرة للاجئين والنازحين داخليًا، بعدما نزح أكثر من 200 ألف شخص من لبنان بسبب الغارات الجوية مؤخرًا. فضلاً عن أن تدمير البنية التحتية، وانهيار نظام الرعاية الصحية والدعم الاجتماعي، يعرقل جهود المساعدات الإنسانية ويحرم المُعوزين من الضروريات الأساسية. واستمرار الهجمات يهدد بموجات نزوح أوسع، نتيجة تردي الظروف المعيشية الهشة بالفعل في لبنان، والذي يستضيف قرابة نصف مليون فلسطيني ومليون ونصف لاجئ سوري قد يحاولون البحث عن مأوى في أماكن أخرى، بما في ذلك في أوروبا.
التحريض واستخدام خطاب «الدروع البشرية»
في الأسابيع الماضية، استخدم العديد من المسئولين الإسرائيليين خطابًا مخيفًا بشأن مصير المدنيين في لبنان. إذ قال وزير التعليم الإسرائيلي يوآف كيش في تصريحات تلفزيونية: «سيتم إبادة لبنان». بينما خاطب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المدنيين اللبنانيين، قائلاً: «لفترة طويلة، كان حزب الله يستخدمكم كدروع بشرية. وُضعت صواريخ في غرف المعيشة الخاصة بكم، وصواريخ في المرائب تحت بيوتكم … يجب أن ندمر هذه الأسلحة. وابتداءً من صباح اليوم، يحذركم جيش الدفاع الإسرائيلي بضرورة ابتعادكم عن الأذى».
كثيرًا ما استُخدمت رواية «الدروع البشرية» في الخطاب العسكري الإسرائيلي لتبرير الهجمات العشوائية على المدنيين. ففي حملة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، أدت هذه الحجة إلى مقتل أكثر من 41,000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال. إذ تدّعي هذه الرواية أن الجماعات المسلحة (حماس في غزة وحزب الله في لبنان) تستخدم المدنيين والمباني المدنية والبنية التحتية كالمستشفيات والمدارس والمنازل لحماية عملياتها العسكرية من الهجوم. وغالبًا ما يُتخذ خطاب الدروع البشرية كمبرر استباقي للهجمات العسكرية واسعة النطاق على المناطق المدنية المكتظة بالسكان، بما في ذلك الضربات الجوية والقصف المدفعي.
وفي هذا السياق نذّكر أيضًا بأن حزب الله مُلزم بدوره بحماية المدنيين وعدم وضع أهداف وأفراد عسكريين بالقرب من المباني والمنشآت المدنية تجنبًا لتعريض المدنيين للخطر. إذ يحظر القانون الدولي الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة على المدنيين. وبغض النظر عن التكتيكات التي تستخدمها الجماعات المسلحة، فالاعتماد المفرط على هذه الحجة يخاطر بالاستخفاف بالمعاناة الهائلة للمدنيين الناجمة عن مثل هذه العمليات العسكرية، ويثير تساؤلات جدية حول شرعية وأخلاقية مثل هذه الأعمال.
الهجمات على المسعفين والبنى التحتية الطبية
بحسب وزارة الصحة اللبنانية، وقعت العديد من الهجمات على المرافق الطبية في عدة مواقع في جنوب لبنان، فضلاً عن مستشفى في بعلبك، مما أدى لخروج المستشفى عن الخدمة. كما أفادت الوزارة بمقتل 14 مسعفًا خلال يومين فقط، على نحو مثير للقلق، يعيد التذكير باستهداف إسرائيل المنهجي والمستمر للعاملين في المجال الطبي في غزة، حيث قُتل أكثر من 374 مسعفًا، ودُمرت أكثر من 120 سيارة إسعاف بالكامل.
بموجب القانون الإنساني الدولي، تُعد حماية العاملين في المجال الطبي مبدأً بالغ الأهمية، يهدف إلى ضمان سلامة أولئك الذين يقدمون الرعاية الطبية أثناء النزاعات المسلحة، مع الاعتراف بدورهم الأساسي في علاج الجرحى والمرضى. ويُعتبر قتل أو إصابة العاملين في المجال الطبي عمدًا انتهاكًا خطيرًا لاتفاقيات جنيف.
معلومات خلفية
قبل القصف الجوي، شنت إسرائيل هجمات أخرى أرهبت وألحقت الأذى بالمدنيين في لبنان. إذ قُتل ما لا يقل عن 12 شخصًا، بينهم طفلان، في 17 سبتمبر ضمن هجوم عن بُعد، تم تنفيذه في أماكن متفرقة من لبنان وسوريا، عبر تفجير أجهزة استدعاء (أجهزة بيجر) قيل أن حزب الله يستخدمها. الأمر الذي أسفر عن إصابة ما يقرب من 2,800 شخص. وفي اليوم التالي، وقعت انفجارات متفرقة في مختلف أنحاء لبنان، جراء تفجيرات للأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك أجهزة اللاسلكي ومعدات الطاقة الشمسية، مما تسبب في مقتل 9 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 300 شخص في غضون ساعات قليلة. ومن خلال هذا الهجوم الخطير عن بُعد، غرست إسرائيل الخوف بين المدنيين في سوريا ولبنان، وشنت ما يبدو أنه سلسلة من الهجمات العشوائية.
أسفرت الحرب الإسرائيلية اللبنانية عام 2006 عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين ودمار واسع النطاق للبنان. إذ شهد هذا الصراع، الذي استمر من 12 يوليو إلى 14 أغسطس 2006، قصف إسرائيلي عنيف وأعمال عدائية عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، قُتل حوالي 1,191 شخصًا في لبنان، معظمهم من المدنيين. هذا بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في لبنان. كما استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية الجسور والطرق والبنية التحتية المدنية الرئيسية، بما في ذلك مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، فضلاً عن محطات الطاقة والموانئ.
Share this Post