أولا: الرفض المطلق والإدانة الكاملة لكافة المخططات الرامية لشن الحرب على العراق، التي تفتح الباب لتمكين الولايات المتحدة من الهيمنة المباشرة على المنطقة والتلاعب بمقدراتها ومصيرها السياسي والاجتماعي لخدمة مصالحها الكونية الخاصة، علاوة على ما يمكن أن تفضي إليه الحرب من كوارث إنسانية تزيد من معاناة العراقيين. وكذلك رفض التهديد الأمريكي بشن الحرب لتغيير النظام العراقي بالقوة، والذي من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية.
ثانيا: حث الجامعة العربية على انتزاع زمام المبادرة من أجل انقاذ الشعب العراقي من محنته، وذلك بالدعوة لاجتماع موسع تشارك فيه كل القوى والفعاليات السياسية العراقية من داخل الحكم وخارجه، داخل العراق وخارجه، لوضع الأسس والضمانات الأساسية التي من شأنها أن تهيئ السبيل لمصالحة وطنية تقوم على أسس راسخة، وأن تمهد في نفس الوقت لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة بمشاركة الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، بما يضمن تمكين الشعب العراقي من اختيار من يحكمه بحرية.
وتعرب منظمات المجتمع المدني عن استعدادها لوضع ورقة العمل الخاصة بهذا الاجتماع، والقيام بدور نشيط في مراحل التحضير له وأثناء انعقاده.
إننا ندرك المحنة الهائلة التي يعيشها الشعب العراقي عبر ثلاثة عقود من الاستبداد، والتضحيات الهائلة التي تكبدها الملايين من أبناء الشعب العراقي نتيجة الزج به في حربين جائرتين وحروب داخلية استهلكت العراق بشريا وماديا، ودفعت بفرض حصار قاس على شعبه لم يعرف له التاريخ مثيلا، فضلا عن الثمن الفادح الذي دفعته أقسام واسعة من سكانه وقواه الحية المتطلعة إلى الحرية والمشاركة السياسية في مواجهة نهج الاستئثار بالسلطة وإنكار التعددية والإخلال الجسيم بالحقوق والحريات العامة.
ونؤكد أن قطع الطريق على التدخلات الخارجية الأمريكية في شئون العراق وفي تقرير مصيره ومستقبله بالوسائل الحربية، تقتضي وضع مصالح الشعب العراقي وحقوقه فوق أي اعتبار آخر، ولا ينبغي أن توضع تطلعات الشعب العراقي للحرية في تعارض غير مبرر مع متطلبات الحفاظ على استقرار العراق ووحدته السياسية أو مع مقتضيات الأمن القومي الإقليمي، بل بالأحرى فإن الأولى هى التي تكرس الثانية.
ونشدد على أن تجاهل تلك المعاناة تحت أي اعتبار من شأنه أن يعزز ذرائع التدخل الخارجي، ويفاقم من نزعات الاستقواء بالخارج في مواجهة الانتهاكات الجسيمة في الداخل، وأن خلاص الشعب العراقي من محنته من ناحية، وقطع الطريق على آلة الحرب الأمريكية التي بدأت بالفعل في الدوران، يقتضي تبني النظام العراقي على نحو فوري برنامجا جادا لإصلاح سياسي جذري، يكون من شأنه إطلاق دينامية سياسية جديدة والتنفيذ المباشر والحازم لقرار مجلس الأمن – المسكوت عنه – رقم 688 والخاص بكفالة احترام حقوق الإنسان في العراق.
ويقتضي ذلك إلغاء القوانين المقيدة للحريات وإبطال مفعول القوانين ذات العقوبات المغلظة بحق المعارضين، والسماح بحرية التعبير وحق تشكيل الجمعيات والأحزاب والإقرار بحق المشاركة في إدارة
الشئون العامة باعتباره الخطوة الأولى على طريق التغيير السلمي الداخلي، الذي يقتضي التخلي عن نهج احتكار العمل السياسي والنقابي وسياسات الإقصاء والعزل، واحترام التعددية وضمان الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي ونبذ الطائفية السياسية، والمضي بوتائر متسارعة نحو بناء دولة الحق وسيادة القانون وإرساء مبادئ العدل والإنصاف، التي تعكس حقيقة التعددية السياسية والعرقية والثقافية والدينية، وتمكين مراقبي حقوق الإنسان المحليين والعرب والدوليين من العمل بحرية في العراق، للوقوف على وضعية حقوق الإنسان داخل البلاد.
ثالثا: التأكيد على أن نزع أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن تحكمه معايير واحدة تطبق على جميع دول العالم دون انتقائية. ومن ثم ينبغي في هذا الإطار دعوة المجتمع الدولي لبذل جهود حثيثة وفعالة لإلزام كل الدول – بما فيها إسرائيل – على التصديق على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وإخضاعها للتفتيش الدولي من قبل الأمم المتحدة. غير أن الحرص على تجنب مغبة الهجوم على العراق، وقطع الطريق على ذرائع الحرب يستلزم أقصى درجات التعاون من الحكومة العراقية مع المفتشين الدوليين، وسد كل الثغرات التي أشارت إليها تقاريرهم السابقة. ومن الضروري في هذا السياق دعم المساعي الفرنسية-الألمانية الرامية لتوسيع نطاق عمل فرق التفتيش على كافة المستويات واتاحة وقت كاف لانجاز مهامها.
رابعا: لقد أدى تحرك المجتمع المدني العالمي بصورة فعالة -وخاصة في مظاهرات 15 فبراير- إلى خلق نوع من التوازن اللحظي المؤقت مع الاندفاع الأمريكي المحموم نحو الحرب. غير أن دعم الانتفاضة الشعبية العالمية المناهضة للنزعة الإمبراطورية الأمريكية وللحرب على العراق، يقتضي إطلاق سراح مبادرات الشعوب في العالم العربي في التعبير عن مواقفها. ومن ثم فإننا ندعو الحكومات العربية إلى رفع كافة القيود التي تحول دون ممارسة الشعوب وقواها الحية لحقها في التعبير عن نفسها بحرية في شتى المجالات، وليس فقط في إطار التضامن مع الشعبين العراقي والفلسطيني. فمن المشين أن يشكل عالمنا العربي الحلقة الأضعف في حركة المجتمع المدني العالمي المناهضة للحرب والهيمنة الأمريكية، وأن يكون البقعة الوحيدة في العالم التي تحرم فيها شعوبها من التعبير بشكل جماعي عن تضامنها مع الشعب العراقي، بينما أن المقاومة الهائلة للحرب على العراق والهيمنة على منطقتنا تقوم بها شعوب أخرى في شتى بقاع الأرض -بما في ذلك في أمريكا وبريطانيا- تتمتع بحرية حقيقية وتمتلك أدواتها التنظيمية المستقلة التي تمكنها من التصدي بجدارة للمخططات الأمريكية.
خامسا: إن النظام الإقليمي للعالم العربي مهدد بالانهيار كلية ما لم ترتفع كل أطرافه -في هذه اللحظة التاريخية الحرجة- فوق الحساسيات التقليدية العربية-العربية، وتضطلع بمسئولياتها التاريخية تجاه الشعب العراقي (في إطار التوصية الثانية)، وما لم تلتزم بعدم تقديم أية تسهيلات تتيح استخدام الأراضي والموارد العربية كمحطات نشر وانطلاق لجحافل الغزو على العراق. ومن الضروري في هذا السياق تذكر أن عدم اضطلاع الجامعة العربية بدورها في أزمة الخليج الثانية وما بعدها، وخضوعها للحساسيات العربية-العربية، قد أفضى إلى إلحاق أفدح الأضرار بمصالح الشعوب – وعلى رأسها الشعبان الكويتي والعراقي – فضلا عن إضعاف وتهميش الجامعة العربية ذاتها.
التوقيع : http://www.petitiononline.com/cihrs2/petition.html
Share this Post