استقبل أمس وفد خبراء مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الذي عرض عليهم مذكرة قانونية مفصلة بموقف منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي (36 منظمة) في 11 دولة عربية من مشروع الميثاق العربي (المعدل) لحقوق الإنسان.
رفضت المذكرة التي أعد مشروعها مركز القاهرة، الميثاق المعدل بوصفه تجسيدا للأيديولوجية الاستعمارية والعنصرية تجاه الشعوب، والقائلة بأن مواطني شعوب العالم الثالث غير مؤهلين للتمتع بنفس حقوق الإنسان والشعوب في الدول الاستعمارية، بما في ذلك المهاجرون العرب إلى هذه الدول!.
جدير بالذكر أن وفد خبراء مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، قد بدأ اجتماعاته في مقر الجامعة العربية أمس وتستمر حتى يوم 26 ديسمبر، بهدف إعداد وجهة نظر الخبراء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان (المعدل)، وتقديمها للجامعة العربية، التي كانت قد طلبت من المفوض السامي لحقوق الإنسان المشورة الفنية في الميثاق المعدل، ولكنها لم تطلب المشورة من منظمات حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي بادر به مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
ورغم أن الميثاق المعدل قد تضمن تحسينات محدودة على بعض مواد الميثاق الأصلي، إلا أنه احتفظ بجوهر فلسفة الميثاق الأصلي المنافية لحقوق الإنسان، بينما تراجع عن الميثاق الأصلي في عدد آخر من الحقوق، وخاصة حقوق المرأة، وإلغائه مبدأ “الشعب مصدر السلطات”!، وتخليه عن حظر عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية!.
لا يقدم الميثاق أية ضمانات لحق المشاركة السياسية أو نزاهة الانتخابات العامة، ولا يضمن حق تشكيل الأحزاب السياسية ولا الجمعيات الأهلية، كما يبارك قيام الحكومات العربية بسن قوانين تنتهك العدد المحدود من الحقوق التي يضمنها! كما ينفرد الميثاق عن كل الوثائق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان -بما فيها الميثاق الأفريقي- بإباحته الاعتداء على حياة الإنسان في أوقات الطوارئ، وعدم الاعتراف بالمنظمات غير الحكومية وعدم حظر الرق والعبودية!.
جدير بالذكر أن الجامعة العربية كانت قد أصدرت الميثاق العربي لحقوق الإنسان في سبتمبر 1994، ولكنه لم يحظ بتصديق دولة واحدة رغم مرور تسع سنوات عليه، كما أدانته المنظمات الدولية والعربية باعتباره منافيا للمعايير العالمية لاحترام حقوق الإنسان، ويشكل ازدراءً للإنسان والشعوب في العالم العربي.
وفي إطار محاولة الحكومات العربية تحسين صورتها البائسة أمام المجتمع الدولي بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، عقدت اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في الجامعة العربية –والتي تتكون من ممثلي الحكومات العربية- عدة اجتماعات خلال شهري يونيو وأكتوبر 2003 تحت عنوان: “تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان”، وقدمت عدة حكومات أوراق عمل إلى هذه الاجتماعات كانت كلها أكثر سلبية من الميثاق الأصلي، باستثناء الورقة التي قدمتها حكومة المغرب.
وقد بادرت عدة منظمات حقوقية بعقد مؤتمرات في عمان وصنعاء والقاهرة وجنيف حول نفس الموضوع، كما نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مؤتمرا إقليميا في بيروت بالتعاون مع جمعية “عدل” اللبنانية في 10 يونيو الماضي، قبل اجتماع الجامعة العربية بثمانية أيام، وبحضور ممثلين عنها وبرلمانيين وخبراء حكوميين عرب، و36 منظمة عربية و11 منظمة دولية وعدد من الأكاديميين والمثقفين العرب. وأصدر المؤتمر في ختام أعماله “إعلان بيروت للحماية الإقليمية لحقوق الإنسان في العالم العربي” الذي حذر من خطط الحكومات العربية لاختزال تطوير الميثاق في مجرد تحسينات شكلية على الميثاق الأصلي، وتضمن الإعلان 27 توصية مفصلة تتناول المبادئ والمعايير والمضامين والآليات التي يجب أن تحكم عملية إعداد ميثاق لحقوق الإنسان في العالم العربي، استجابت الحكومات لتوصية واحدة منها (رقم 26)، وهى الاستعانة بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. وكانت الأمانة العامة للجامعة قد قامت بتوزيع إعلان بيروت على أعضاء اللجنة الدائمة –خلال اجتماعهم في يونيو الماضي- وكذلك رسالة من مدير مركز القاهرة حول الإعلان، كما قام رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بتقديم عرض للإعلان أمام اجتماع اللجنة، نيابة عن المنظمات التي شاركت في مؤتمر بيروت.
ورغم أن الأمين العام للجامعة العربية قد أوصى خلال اجتماعات اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان بالجامعة في أكتوبر الماضي، بضرورة الالتزام في عملية تحديث الميثاق بالمعايير الدولية، وسار على ذات النهج رئيس اللجنة، إلا أن أغلبية ممثلي الحكومات أعضاء اللجنة ساروا في الاتجاه المضاد، لتنتكس بذلك واحدة من المحاولات المحدودة لإصلاح حال العالم العربي، وتنتهي إلى وثيقة أكثر سوءا من تلك التي أصدرتها منذ 9 سنوات وأثارت سخط الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان.
المؤكد أن السخط سيكون أكبر وأعظم إذا صدرت وثيقة كهذه، خاصة وأن العالم ينظر كله للعالم العربي مترقبا خطوة واحدة للأمام، وليس عشرة للخلف!. وهى ستكون مناسبة لحزن غير مسبوق في العالم العربي، لأنها ستكون أول وثيقة عربية يصدرها ممثلون للعالم العربي، يقرون فيها بكامل حريتهم، أن الإنسان وشعوب هذه المنطقة من العالم هم أقل مرتبة وجدارة وآدمية من غيرهم من كافة شعوب الأرض. الأمر الذي يمنح المشروعية لمخططات إعادة استعمار المنطقة، ولممارسات التمييز العنصري ضد أبنائها المهاجرين خارجها.
Share this Post