جنيف – انتهت الدورة الثانية والعشرون لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 22 مارس/ آذار الجاري، والتي شهدت –وفقًا لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان– تغيرًا إيجابيًا في مواقف الدول الأعضاء بالمجلس، بما يجدد الأمل في قدرة هذا المجلس على إثبات خطأ منتقديه ممن وصفوا مواقفه مؤخرًا بالضعيفة وغير المتسقة.
يقول زياد عبد التواب نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “الدول المعرقلة لعمل المجلس لم تختف؛ فمازالت روسيا والصين وكوبا ومصر وغيرهم من الدول المعادية لحقوق الإنسان مستمرة في محاولاتها لتقويض المبادرات الإيجابية في المجلس، بينما تحلت مجموعة أخرى من الدول من مختلف أنحاء العالم بالإرادة والشجاعة للدفع بخطة عمل المجلس نحو منعطف إيجابي”، في محاولة جاهدة للتصدي لازدواجية معايير المجتمع الدولي إزاء تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة العربية.
في 28 فبراير الماضي، وخلال الأسبوع الأول من هذه الدورة، قدمت أكثر من أربعين حكومة من قارات مختلفة بيانًا مشتركًا أبدوا فيه قلقهم البالغ بشأن القمع المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، ودعوا البحرين إلى التعاون مع الأمم المتحدة وضمان الإصلاح الوطني لحقوق الإنسان، شارك في البيان كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهما حليفان وثيقان لحكومة البحرين.
من جانبها قدمت الحكومة الليبية خلال هذه الدورة –تحت ضغط من المجتمع المدني الليبي وآخرين– قرارًا قويًا يعترف بالحاجة إلى تحسين العديد من الأوضاع الحرجة التي تمثل تحديًا حقيقيًا يتعلق بحقوق الإنسان في ليبيا، بما في ذلك حالة اللاجئين والمهاجرين، وتهديدات حرية الدين والمعتقد، وسوء معاملة المعتقلين. كما طالب القرار مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بتقديم تقرير إلى المجلس في دورته الـ25 بشأن حقوق الإنسان فيما يتعلق بالدعم التقني واحتياجات بناء القدرات في ليبيا.
يقول جيرمي سميث من مركز القاهرة: “لقد تحقق في هذه الدورة ما كان يعتبر من قبل أمرًا مستحيلاً، ففي مارس 2012 لم يحظ المدافعون البحرينيون عن حقوق الإنسان إلا بالصمت عندما طالبوا المجتمع الدولي باتخاذ موقف مشترك لإدانة القمع في البحرين”، ويضيف سميث: “وبالمثل، تم تجاهل ممثلي المجتمع المدني عندما طالبوا العام الماضي الدول الأعضاء بالمجلس بألا تغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا لمجرد التخلص من القذافي؛ وجاء القرار الذى تم تبنيه بخصوص ليبيا –دون تصويت في المجلس– ضعيفًا يفتقر إلى أية إشارة إلى حقوق الإنسان، أما في هذه الدورة فقد حدث العكس”.
خلال هذه الدورة أيضًا، دفعت النرويج بقرار تاريخي بشأن حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث طالبت الدول الأعضاء بوقف تقييد وتجريم أنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان من خلال التدابير القانونية والإجرائية القمعية. كما دعا القرار الحكومات إلى وقف محاولات تقييد قدرة منظمات حقوق الإنسان على تلقي وتحويل التمويل، وضمان تفاعل المدافعين الحقوقيين مع المجتمع الدولي دون خوف من التعرض للهجوم أو التهديد جراء ذلك. من جانبها حاولت الصين وكوبا ومصر وروسيا القيام بدور قيادي من أجل إضعاف هذا القرار الخاص بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ولكن جهودها فشلت إلى حد كبير.
يذكر أن هذا القرار جاء استجابة لتقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان بشأن القيود القانونية القمعية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وبعد مشاورات بين المقرر الخاص وعدد من المدافعين الحقوقيين من مختلف أنحاء المنطقة العربية، والتي استضافها مركز القاهرة في أبريل 2012، وقد عكست تزايد استخدام القيود القانونية دون مبرر كأداة أساسية لتهديد المجتمع المدني في المنطقة العربية.
تعليقًا على هذا القرار يقول زياد عن التواب: “في جميع أنحاء المنطقة العربية، يتم عزل المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان عن العالم الخارجي، وخنقهم ببطء حتى الموت من خلال مجموعة من القيود القانونية والإجرائية القمعية التي تهدد وجودهم، لذا فإن القرار الذي قدمته النرويج بالغ الأهمية في هذا التوقيت، ومنوط بمكتب المفوضية السامية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان تطبيق ما يطالب به هذا القرار من إتاحة حرية العمل للمدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية، خاصة فيما يتعلق بالقيود على تمويل المجتمع المدني والتي يناقشها حاليًا مجلس الشورى المصري”.
في سياق متصل ودفاعًا عن الانتفاضات العربية، قدمت سويسرا وكوستاريكا وتركيا قرارًا –تم اعتماده في هذه الدورة– حول تعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية. القرار يدعو جميع الدول إلى تجنب استخدام القوة خلال المظاهرات السلمية، وإذا تم استخدام القوة في حالات الضرورة القصوى، ينبغي التأكد من عدم تعرض أي فرد للاستخدام المفرط أو العشوائي للقوة… [و] والتحقيق في أي وفاة أو إصابة ارتكبت خلال الاحتجاجات، كما دعا القرار إلى عقد “ندوة حول التدابير الفعالة وأفضل الممارسات لضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية”. كما شهدت هذه الدورة اعتماد مجموعة من القرارات الخاصة بسريلانكا وكوريا الشمالية وإيران ومالي وميانمار وسوريا.
في تطور إيجابي للغاية انضمت كل من ليبيا وتونس إلى الدعوة التي أطلقتها بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خلال الجلسة لتفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية في حالة سوريا. يُذكر أن تلك هي المرة الأولى التي تدعم فيها حكومات من المنطقة العربية –بشكل علني– تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية حول الأوضاع في سوريا أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
في السياق نفسه تقول باولا ضاهر من مركز القاهرة: “للأسف، القرار الذي يقضي بتجديد لجنة التحقيق بشان سوريا، والصادر خلال هذه الدورة لا يعكس بشكل كافٍ تلك الدعوة العلنية المطالبة بالإحالة للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك نظرًا للمعارضة المستمرة من قبل الولايات المتحدة ومعظم الدول العربية”، ويضيف عبد التواب: “فعلى عكس ليبيا وتونس، واللتان اعتمدتا نهجًا أكثر إيجابية للتفاعل مع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة، لا تزال سياسات مصر إزاء حقوق الإنسان بشكل عام تتسم بالعداء والسلبية كما كانت في عهد مبارك”.
من جانبها قدمت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في هذه الدورة تقريرها حول تأثير المستوطنات الإسرائيلية على حقوق الشعب الفلسطيني. ومن الجدير بالذكر أن هذا التقرير لا يتعامل فقط مع انتهاكات حقوق الإنسان المباشرة وخروقات القانون الدولي الناجمة عن إقامة المستوطنات، ولكنه يبحث أيضًا كيف ساهم قطاع الأعمال والسياسات التجارية، بشكل مباشر وغير مباشر، في تمكين وتيسير بناء وتنامي المستوطنات غير الشرعية في الأراضي المحتلة. كان مركز القاهرة قد ناقش هذه المسألة أمام الأمم المتحدة، ودعا فلسطين، بعد الاعتراف بها حديثًا كدولة تحمل صفة مراقب في الأمم المتحدة، إلى اتخاذ تدابير للتوقيع على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
على الرغم من التطورات الإيجابية لا تزال العديد من التحديات قائمة؛ إذ لا تزال بعض البلدان تطرح على المجلس مقترحات لتقويض عالمية المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحمايتها. ويخشى كثيرون من أن قرار “حماية الأسرة”، الذي قدمته كل من مصر وموريتانيا والمغرب وقطر وروسيا الاتحادية وتونس وبنجلاديش وأوغندا وزيمبابوي، والذي يسعى لتقويض اتفاقيات الأمم المتحدة السابقة التي تعترف بتنوع الهياكل الأسرية، ويهدف بدلاً من ذلك إلى ترسيخ مفهوم محافظ وضيق للأسرة من شأنه أن يوفر تبريرًا لتمييز الحكومات ضد الأفراد لأسباب مختلفة، بما في ذلك النوع الاجتماعي والجنس والدين، ورغم تأجيل اعتماد هذا النص بعد انتقاد وفود من مختلف الدول للغة المستخدمة فيه، إلا أن الخطر لا يزال قائمًا. تقول باولا ضاهر: “الجهود التي تبذلها الدول لتقويض القرار بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، وتقييد الإشارة إلى المحكمة الجنائية الدولية في القرار الخاص بسوريا، والدفع بلغة ومفاهيم تسعى إلى تقويض عالمية حقوق الإنسان، تمثل إنذارًا بأن حيادية المجلس مهددة بشكل مستمر، ولكن يظل تضافر جهود المدافعين عن حقوق الإنسان لهزيمة هذه الأنواع من التهديدات أمرًا حاسمًا وضروريا للمضي قدما”.
Share this Post