Navi Pillay, High Commissionner for Human Rights. UN Photo/Fabrice Arlot

رسالة موجهة إلى المفوضة السامية لحقوق الإنسان

In مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة by CIHRS

خطاب مشترك من22 منظمة حقوقية

السيدة نافي بيللي

المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة،

 

إن مطلب فتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالقاهرة كان أحد المطالب الأساسية لحركة حقوق الإنسان المصرية فور تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم، وقد ضمنته هذه المنظمات في خطة المائة يوم التي أرسلتها للرئيس فور تسلمه مهام عمله، بل سبق وقدمت المنظمات الحقوقية المصرية هذا المطلب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في فبراير2011، ولكن وفي ظل استمرار تأييد المنظمات الموقعة لهذا المطلب العام، نود لفت الانتباه لمجموعة من النقاط الواردة في هذه الرسالة.

تعرب المنظمات الموقعة على هذه الرسالة عن قلقها البالغ إزاء تراجع دولة القانون واستقلال القضاء، وتصاعد وتيرة جرائم حقوق الإنسان والعنف في مصر، وسعي الحكومة المصرية المتواصل لتكميم أفواه منظمات حقوق الإنسان والإعلام، بينما تتواصل في مصر الممارسات القمعية ضد حرية التجمع السلمي والحق في التنظيم، إذا جرى مؤخرا إعداد مجموعة من القوانينإن مُررت ستضاعف من حدة الممارسات القمعية لتصبح أكثر قسوة مما كانت عليه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير. وتلاحظ المنظمات الموقعة أنه منذ وافقت الحكومة المصرية من حيث المبدأ -الشهر الماضي- على إقامة مكتب إقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالقاهرة، تتصاعد وتيرة الانتهاكات الجسيمة لحقوق المواطنين المصريين، الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كانت تلك الموافقة تستهدف ضمنًا إثناء المفوضية عن اتخاذ مواقف تتناسب وجسامة الانتهاكات المرتكبة، وقمعية التشريعات الجديدة؟

فبعد مرور ما يزيد عن تسعة أشهر من حكم الرئيس المنتخب ونظرا لتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان، تخشى المنظمات الموقعة من أن تكون موافقة حكومة الرئيس مؤخرًا على التفاوض لفتح هذا المكتب، تستهدف أولاً تجميل صورة الإدارة المصرية لدى المجتمع الدولي، بينما تواصل ارتكاب جرائم حقوق الإنسان على صعيدي الممارسة والتشريع، وثانياً لصرف المجتمع المصري والدولي عن هذه الانتهاكات.

بناءً على ذلك فإن المنظمات الموقعة على هذا الخطاب توصي بالآتي:

  • أن تؤكد المفوضية السامية لحقوق الإنسان خلال مفاوضاتها مع الحكومة المصرية على وضع قواعد واضحة تتيح لها العمل بحرية –وخاصة مع منظمات حقوق الإنسان المصرية ومكاتب المنظمات الدولية في مصر- بما يتطلبه ذلك من تمتع هذه المنظمات بحرية العمل وفقًا لقوانين تتسق مع المعايير الدولية، وأن يتاح لها حرية الاتصال بالهيئات الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان دون أن يعرضهم ذلك لإجراءات انتقامية.
  • أن تؤكد المفوضية على أن تتضمن الاتفاقية بينها وبين الحكومة المصرية على ما يسمح بوجود موظف من مكتب المفوضية له الحق في مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وكتابة التقارير وتقديمها للمفوضية.
  • التأكيد على حرية المنظمات المصرية في العمل تحت إطار قانوني يتوافق مع المعايير الدولية ويسمح لها بالتعامل مع الهيئات الأجنبية دون التعرض للخطر.
  • أن تقوم المفوضية السامية بإرسال فريق من كبار المسئولين ذوي الخبرة إلى مصر من أجل:
  1. تقييم مشكلة حقوق الإنسان في مصر في ضوء الجرائم المرتكبة، واستكشاف سبل تعزيز حقوق الإنسان.
  2.  الوقوف على وضعية المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني بمصر في ظل التقييد التشريعي وغير التشريعي لأنشطتهم.
  3. الحوار مع منظمات حقوق الإنسان في مصر حول ما يجب أن تقوم به المفوضية لمساعدة المواطنين المصريين في التمتع بحقوقهم المعترف بها عالميًا، والتي صدقت الحكومة المصرية على الاتفاقيات الدولية الضامنة لها على أن يقدم الفريق تقريره وتوصياته للمفوضة السامية ويتم نشره علنيًا.

    نماذج انتهاكات حقوق الإنسان التي تشاهدها مصر:

  • هجوم علي المؤسسة القضائية:

يعظم من قلق المنظمات الموقعة ذلك الهجوم المنهجي المتواصل على المؤسسة القضائية، واستهتار رئيس الدولة وكبار المسئولين في الحزب الحاكم بأحكام القضاء ونعتها بالمسيسة، ومحاصرة أنصارهم للمحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من مزاولة عملهم أو التأثير على أحكام المحكمة، وسط تواطؤ من الوزارات وأجهزة الدولة المعنية.

  • التضييق علي حق التنظيم:

يواجه المجتمع المدني المصري في الوقت الراهن للمرة الأولى في تاريخه، تحديات تهدد كينونته، ولا تقف فقط عن حد التقييد القمعي الذي عانى منه لعقود طويلة، وذلك بعدما طرحت حكومة الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، وحزبه “الحرية والعدالة” مشروع قانون جديد للعمل الأهلي- وافق عليه مجلس الشورى من حيث المبدأيستهدف تصفية المجتمع المدني وتأميمه، على اعتبار أمواله أموال عامة والموظفين القائمين عليه في حكم الموظفين العموميين بالدولة، وبذلك يتحول المجتمع المدني ومنظماته إلى منظمات شبه حكومية أو مكاتب ملحقة بالحكومة. كما يمنح القانون المقترح للمرة الأولى المؤسسات الأمنية دورًا في الموافقة على تمويل المنظمات المحلية، مما يعني أن المؤسسات الأمنية التي هي المصدر الرئيسي لانتهاكات حقوق الإنسان سوف تتحكم في طبيعة نشاط المنظمات المنوط بها رصد هذه الانتهاكات، من خلال تحكمها في مصادر تمويلها. ولذا بادر ثلاثة من المقررين الخواص بالأمم المتحدة بإصدار بيان مشترك يطالب مجلس الشورى بعدم اعتماد القانون لتعارضه مع المعايير الدولية ذات الصلة وتضمنه “عيوب خطيرة”.

من جانبها تلاحظ المنظمات الموقعة أن السلطات قد بدأت تطبيق بعض مضامين هذا القانون قبل صدوره، فقد أصدر رئيس مجلس الوزراء مؤخرًا قرارًا بحظر مشاركة المنظمات المصرية في أي مشروعات بحثية أو استطلاعات رأي أو بحوث ميدانية مع كيانات دولية- بما يشمل الأمم المتحدة وآلياتها- بدون موافقة الجهات الأمنية.

  • انتهاكات ضد حرية الصحافة والإعلام وتضييق حرية التعبير:

خلال المائة يوم الأولى من حكم الرئيس محمد مرسي تعرضت وسائل الإعلام لهجوم سياسي حاد من قبل كبار قيادات الحزب الحاكم، كما قام أنصار جماعة الإخوان المسلمين بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي ثلاث مرات،[1] والاعتداء البدني على إعلاميين وصحفيين وحقوقيين وفنانين، هذا بالإضافة إلى قيام مؤسسة رئاسة الجمهورية وأشخاص وثيقي الصلة بالحزب الحاكم بتقديم بلاغات قضائية ضد عدد من الصحفيين منتقدي الرئيس تتهمهم بإهانة رئيس الجمهورية.

في سياق متصل يتعرض المراسلون والمحررون الصحفيون إلى مخاطر الاعتداء والقتل، أثناء قيامهم بعملهم. ففي 5 ديسمبر2012 وأثناء أحداث الاتحادية تم إطلاق النار على الصحفي الحسيني أبو ضيف، وتوفي متأثرًا بجراحه يوم 12 ديسمبر 2012. كما طالت الاعتداءات خلال مظاهرات الاحتجاج التي وقعت في 16 مارس 2013 أمام المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين أكثر من 20 صحفي بشكل يرجح استهدافهم. وفي الشهر ذاته تعرض عدد من مديري مواقع المعارضة على شبكات التواصل الاجتماعي للقتل بطلقات في الرأس.

  • حق التظاهر السلمي

يتعرض المتظاهرين السلميين ومعارضي الرئيس أيضا لاعتداءات بدنية وجسدية واستهداف ممنهج، بلغ حد الاغتصاب الجماعي للمتظاهرات، وتصاعد استخدام قوات الشرطة للقوة المميتة في تعاملها مع التظاهرات والاحتجاجات. فعلي سبيل المثال في مدينة بورسعيد[2] خلال الفترة من 26 -28 يناير 2013 أسقطت قوات الشرطة ما يزيد عن 40 قتيل. وفي سياق متصل تعرضت المتظاهرات المصريات إلي اعتداءات وعمليات تحرش واغتصاب ممنهجة أدت إلي إقصاء النساء عن الساحة الاحتجاجية والمظاهرات. في الوقت نفسه تتم مناقشة مشروع قانون التظاهر المقدم من الحكومة إلى مجلس الشورى والذي يحد من حق التظاهر ويخالف المعايير الدولية المتعلقة بحق التظاهر، فبدلا من أن يحمي القانون حق التظاهر السلمي فهو يعطي الشرطة الحق في استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين من خلال تعبيرات فضفاضة وغير دقيقة.[3]

  • الإفلات من العقاب:

تقع هذه الانتهاكات في غياب تام لآليات قانونية شفافة للمحاسبة، ففي أغلب تلك الجرائم لم يتم التوصل للجناة، بل لم يتم فتح التحقيق، حيث جنحت النيابة العامة إلى تحصين رجال الشرطة وأنصار الرئيس مرسي المتهمين بالاعتداءات من أي محاسبة جنائية، خاصةً بعد تعيين نائب عام جديد بالمخالفة للقانون يفتقر إلى ثقة المواطنين ومرؤوسيه، ومشكوك في استقلاله عن السلطة التنفيذية والحزب الحاكم.[4] فعلى سبيل المثال، أحالت النيابة العامة في 2 أغسطس الماضي51 متهماً من أهالي رملة بولاق إلى محكمة الجنايات أثر تجمعهم بعد مقتل زميلهم عمدًا على يد أحد أفراد الشرطة المكلفين بحراسة فندق بالمنطقة، بينما لم يشمل قرار الإحالة الضابط الذي قتل هذا المواطن. وفي أحداث “الاتحادية” أعلن محامي عام نيابات شرق القاهرة عن تلقيه أوامر من النائب العام الجديد يحثه على حبس المتظاهرين المعارضين للرئيس احتياطيُا -ممن جرى تعذيبهم واحتجازهم من قبل مؤيديه عند سور قصر “الاتحادية”- رغم عدم توافر أدلة ضدهم. وفي الاتجاه ذاته تسير خطب وتصريحات رئيس الجمهورية، حيث تتضمن تحريضًا صريحًا لقوات الشرطة على استخدام المزيد من القوة تحت دعوى “الحسم”، كما تتوعد وتهدد معارضيه بوصفهم “مثيري شغب”.

  • العنف:

في غياب دولة القانون، والتدخل المنهجي من السلطة التنفيذية للتحكم بطرق مباشرة وغير مباشرة في النظم القضائية، وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب، ولجوء أنصار الحزب الحاكم للعنف، تنزلق مصر إلى دائرة العنف والعنف المضاد، والتحول تدريجياً إلى دولة فاشلة. إن أحداث القصر الجمهوري”الاتحادية” في 5-6 ديسمبر2012، وأحداث 16 مارس 2013 أمام مقر الحزب الحاكم “جماعة الإخوان المسلمين” بمنطقة المقطم ، وأحداث 22 مارس بالمقطم أيضاً، هي علامات مقلقة على الطريق إلى الاحتراب الأهلي.

المفوضة السامية الفاضلة بيلاي نناشدكم باتخاذ الخطوات اللازمة من اجل التأكيد علي أن اخذ مطالبنا بعين أثناء مفاوضات مكتبكم مع الحكومة المصرية. فكما تفضلتم بالإشارة في جلسة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان لا تتطور في ظل غياب المنظمات الحقوقية الحرة والمستقلة. لذلك نعتقد أنه يجب إنشاء مكتب المفوضية السامية في القاهرة بطريقة تضمن استمرار عمل المجتمع الحقوقي في مصر. كما أننا نناشدكم عدم الاستهانة بخطورة التهديد غير المسبق الذي تتعرض له المنظمات الحقوقية في مصر والذي يعرقل إمكانية عملهم واستقلالهم.

 


[1] المرة الأولى في شهر أغسطس 2012 والمرة الثانية في ديسمبر 2012، وأخيرًا في مارس 2013.

[2] لمزيد من التفاصيل حول أحداث بورسعيد أنظر التقرير المشترك بين أربعة منظمات حقوقية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مؤسسة الكرامة وهيومان رايتس ووتش https://cihrs.org/?p=6018

[3]

[4] تم تعينه بموجب إعلانًا دستوريًا أصدره الرئيس في نوفمبر 2012

المنظمات الموقعة
  1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
  2. لائتلاف المصري لحقوق الطفل.
  3. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.
  4. جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
  5. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
  6. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
  7. مركز الأرض لحقوق الإنسان
  8. المركز المصري لحقوق المرأة
  9. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
  10. مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
  11. مركز حابي للحقوق البيئية
  12. مركز قضايا المرأة المصرية.
  13. مركز هشام مبارك للقانون
  14. مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت).
  15. مصريون ضد التمييز الديني.
  16. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
  17. المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
  18. مؤسسة المرأة الجديدة.
  19. المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة.
  20. مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
  21. نظرة للدراسات النسوية
  22. المركز العربي لاستقلال القضاه والمحاماة

 

Share this Post