عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مساء الأحد 28 إبريل 2013، حلقة نقاشية في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان “حرية التعبير والحق في تكوين الجمعيات”، وذلك بحضور كل من: المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير بالأمم المتحدة، فرانك لارو، إبراهارد كينل الباحث بالمركز الوطني للبحث العلمي، ومعهد الدراسات السياسية بباريس، جمال فهمي وكيل أول نقابة الصحفيين ومروان أبو سمرة رئيس فريق الحكم الرشيد بالمنطقة العربية بالمكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في القاهرة. أدار اللقاء بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
افتتح “إبراهارد كينل” كلمته بالإشارة إلى التحول الديمقراطي الذي تشهده معظم الدول العربية، مشيرًا إلى ضرورة مشاركة السياسيين في عملية بناء المجتمع والدولة، وألا يقتصر اهتمامهم حول الصراع على السلطة، مؤكدًا على ضرورة احترام حقوق الآخرين بغض النظر عن أية اعتبارات.
وعن مصر قال “كينل” ما يحدث في مصر الآن يعد تهديدًا لمختلف أنواع الحريات، منها على سبيل المثال حرية التعبير وحرية الفكر وحرية التجمع، وهو ما ليس غريبًا في مصر مضيفًا أن ما يحدث الآن ليس تحول نحو الديمقراطية ولكنه تحول من نظام سلطوي لحسني مبارك لنظام أخر يميني. وأضاف “كينل” النظام السابق كان يقمع العديد من الحريات، مستخدمًا الإسلاميين لإضفاء الشرعية علي نظامه، ولكن ذلك القمع كان من جانب واحد فقط، وهو ما يختلف عن ما يحدث اليوم، حيث تمارس العنف والقمع أكثر من جهة وعلى أكثر من مستوى، ومن تلك الجهات جهاز الشرطة، قوات الجيش، وجماعة الإخوان المسلمين.
شدد “كينل” على أن التحول من نظام سياسي لأخر، لا يؤدي بالضرورة إلى احترام حقوق الإنسان؛ فقد يكون النظام الجديد يحترم –بقدر ما– إجراء الانتخابات، ولكنه يمنع حريات أخري مثل حرية الفكر والتعبير أو حرية التنظيم، مضيفًا أنه على النظام الحاكم في مصر أن يوفر فصل تام بين السلطات الثلاثة، مع احترام الدستور بما يضمن احترام أكبر لحقوق الإنسان، وفي هذا الصدد اعتبر “كينل” أن إحالة أكثر من 3500 قاضٍ للمعاش وغياب الحماية للقضاة، يؤثر على تحقيق العدالة داخل مصر، لهم، ويؤثر سلبًا على فكرة الفصل بين القضاء والحكومة والسلطة التشريعية، بما يعرقل التحول الديمقراطي الجاد، مشيرًا إلى أنه: “لا يوجد حرية للصحافة أو المواطنين إذا لم يكن هناك فصل بين السلطات”.
من جانبه، بدأ “فرانك لارو” بالتأكيد على أن نظام “مبارك” في مصر انتهى لأن الشعب المصري قرر أن ينهي 30 عامًا من الديكتاتورية، ربما تختلف النوايا والطرق ولكن الشعب أراد أن يتخلص من النظام السلطوي، وهذه رسالة مهمة للحكومات في جميع أنحاء العالم وفي مصر بالتحديد، لذلك يجب أن تستمر هذه الذكرى لدى كل المصريين.
وعن النظم الديمقراطية قال “لارو” أن النظام الديمقراطي يحتاج إلى عناصر أساسية، منها وجود مؤسسات قوية وانتخابات نزيهة ومستمرة، وآليات معينة، في ظل إطار قانوني وهو الدستور، وأهم عنصر في الديمقراطية هو كفالة الحق في المشاركة لكل أفراد المجتمع دون تمييز. الأمر الذي يرتبط بشكل مباشر –حسب لارو– بحرية تكوين الجمعيات الأهلية، وأعرب لارو عن قلقه إزاء مشروعات القوانين التي تتم مناقشتها الآن في مجلس الشورى، مشيرًا إلى أن هذه المشروعات تعتبر انتهاكًا للحق في تكوين الجمعيات. وأضاف المقرر الخاص”أتفهم ضرورة أن يكون هناك تنظيم لعملية تمويل هذه الجمعيات، ولكن لا يجب أن يكون هناك تدخل في التمويل، وأن تتمتع المنظمات بحرية التعبير عن رأيها، وإن كانت ناقدة للنظام، ولا يجب أن يتم تكوين لجنة تنسيقية لفرض بعض القيود على الجمعيات”.
ختامًا أبدى لارو استعداده لتقديم الدعم الفني في الجوانب المتعلقة بالتشريعات، لاسيما المتعلقة بحرية التعبير وحرية التنظيم وتكوين الجمعيات، وأعرب عن إيمانه بأن الديمقراطية يجب أن تبنى على الثقة بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، مما سيغلق الباب أمام الفصائل الأخرى التي تريد إضعاف الديمقراطية
من جانبه افتتح وكيل أول نقابة الصحفيين “جمال فهمي” كلمته بالتأكيد على أن “المشروع الإخواني يعمل على تعطيل الأحلام والحريات التي نأمل بها بسبب فاشيته، وأن الإخوان نوع من الفاشية برداء ديني لم نستطع خلعهم بعد، ولكنهم مازالوا غير قادرين على تطبيق رؤيتهم علينا”.
أكد “فهمي” أن مصر لم تشهد أية تغيير فيما يخص الضغوط التي تواجه الحريات بمصر، فالبيئة التشريعية والقانونية كما هي، فقد سيطر الإسلاميون على البرلمان قبل صدور الحكم بحله، وحكومة الإخوان تتبع السياسات نفسها المنتهكة للحقوق والتي كان يتبناها النظام السابق. ودلل “فهمي” على ذلك بأنه خلال التسعة أشهر الأخيرة من فترة حكم الرئيس محمد مرسى تم تقديم 600 بلاغ إلى النائب العام التابع لجماعة الإخوان المسلمين -على حد قوله- ضد ما يزيد عن 1000 إعلامي وصحفي وكاتب بمعدل 8 أضعاف البلاغات والمطاردات القانونية خلال القرن الماضي، وهو رقم قياسي جديد للرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين.
اختتم “فهمي” كلمته بأن النظام الحالي يسعى إلى فرض مشروعه ويواجه على إثره مقاومة شديدة من المجتمع، مشيرًا إلى أنه حتى هذه اللحظة، الثورة المصرية مؤجلة الأهداف، وما تحقق منها هو هدف معنوي، مضيفًا “نعيش تحت ظل نظام فاشي ، يعرقل كل الخطوات في اتجاه الحرية، ولكن هناك قطاعات كبير من الشعب أصبح لديها وعي بأن هناك علاقة بين حرياتها المسلوبة ومستواهم المعيشي”.
ركز “مروان أبو سمرة” عضو المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالقاهرة على مشروع الحق في تكوين الجمعيات قائلاً أنه من الطبيعي أن يحافظ القانون المنظم للمجتمع المدني علي حق المواطنين في تكوين الجمعيات، ولكن المسودات المقدمة داخل مجلس الشورى تعطي الإحساس بأن مجلس الشورى يحاول تقييد الجمعيات الأهلية، وهو ما يخالف المواثيق الدولية الخاصة بتكوين الجمعيات. وأضاف “أبو سمرة”، أن قانون الجمعيات الأهلية الجديد يقوم علي التمييز الطبقي بين المجتمع، إذ يعطي الحق في تكوين الجمعيات للأغنياء فقط؛ وذلك بالنص على أن يكون للمنظمة “مقر مستقل ملائم” وهي جملة مطاطية لا تناسب المناطق الشعبية في مصر أو الصعيد.
كما شدد “أبو سمرة” أن موضوع التمويل في القانون يضع الكثير من القيود علي تمويل الجمعيات الأهلية مع العلم أن هذا التمويل –سواء كان محليًا أو دوليًا– هو السبب الرئيسي في استمرار عمل الجمعيات الأهلية، مضيفًا أن الحاجة إلى الموافقة على التمويل الأجنبي بشكل روتيني؛ قد تقلل فرص استمرار الجمعيات المدافعة عن الحريات العامة، مؤكدًا أن القانون موجه بشكل أساسي للمنظمات المدافعة عن الحقوق والحريات.
ختاما أكد “أبو سمرة” أن قانون منظمات المجتمع المدني يجب أن يهدف لإطلاق تلك الجمعيات لتعمل؛ لأنها هي القاعدة الأساسية للتعبير عن الآراء، فإن مُنعت فلن يكون هناك ممارسات حقيقة للديمقراطية وستوجه ضربة كبيرة للمجتمع المدني.
Share this Post